الرابع عشر من شهر فبراير من كل سنة يرتبط بتاريخ حس وشعور إنساني مشترك.. إنه «عيد الحب» المنسوب للقسيس «سان فالنتاين»، رجل الدين الشهير الذي وضعته العديد من الحكايات و الروايات بل «الأساطير » ، أيضا، رمزا للأحاسيس الرومانسية المرهفة في كيانات الشباب، بل العشاق عموما دون تحديد للشرائح العمرية و الجنسية وحتى الاجتماعية .... تروي حكاية هذا الحدث / التاريخ الإنساني، أن رجال كنيسة، في الفترة الرومانية، كانوا يحتفلون بهذا اليوم باحتساء الشراب و الخروج للمدينة للتجول وهم شبه عراة وفي يدهم جلد ماعز يضعونه على أجساد المارة، وكانت النساء الشابات خاصة، يحرصن على أن يمسسن هذا الجلد، إيمانا منهن بأنه ييسر الخصوبة وعملية الوضع.. ويعتبر هذا الاحتفال تكريما للإلهة (Junon) إلهة النساء والزواج وللإله «بان» Pan إله الطبيعة.. وقد اعتمدت هذه «العادة» الرومانية لفترة طويلة قبل مجيء المسيحية التي عملت على أن تدخل عليه إضافات تتناغم مع توجهاتها.. ولعل ربطه «بالقس فالنتاين» يدخل في هذا الإطار. فمن هو إذن «سان فالنتاين »؟ وكيف تحول اسمه إلى رمز للحب؟ وضعت الموسوعة الكاثوليكية ثلاث روايات لتفسير ظاهرة أشهر قس في تاريخ المسيحية وأكثره شعبية على مر الأزمان: «فالنتاين» ولعل أشهر حكاية وأكثرها تداولا، هي ما ذكرته بعض الكتب من أن القس « فالنتاين» كان يعيش في أواخر القرن الثالث الميلادي تحت حكم الإمبراطور الروماني« كلاوديس الثاني». وفي تاريخ 14 فبراير 270م قام الإمبراطور بإعدام هذا القس الذي عارض بعض أوامر الإمبراطور الروماني.. والمتعلقة بمنع زواج الجنود بعد أن لاحظ بأن العزاب منهم يقاتلون بفاعلية وشراسة لا توجد لدى المتزوجين والآباء منهم، إلا أن القس «فالنتاين» بقي وفيا لخدمة «الحب »واستمر في تزويج العشاق خلسة داخل كنيسته، وباكتشاف «الامبراطور» لهذه المخالفة، قرر إعدامه فتحول بذلك إلى«شهيد للحب»، تلقف حكايته الكثير من العشاق فحولوا هذا اليوم إلى «عيد للحب » وفاء لتضحيته، كما يحكى، أيضا، بأنه أثناء مكوثه في السجن تعرف على ابنة لأحد حراس السجن وكانت مصابة بمرض فطلب منه أبوها أن يشفيها فشُفيت - حسب ما تقول الرواية - ووقع في غرامها، وقبل أن يُعدم أرسل لها بطاقة مكتوب عليها (من المخلص فالونتان). هذه الحكاية أوالحكايات «العاطفية» التي خلدها التاريخ الإنساني وجعل منها رمزا للحب، ذلك الاحساس النبيل والجميل، وتم السعي على إحيائه في تاريخ معين، الرابع عشر فبرابر من كل سنة، لا تخلو مثيلاتها في كل الحضارات والثقافات، في صيغ وأشكال مختلفة، لكنها تشترك في إحساس واحد، وشعور واحد: «نعمة» الحب. التاريخ العربي، وخصوصا منه الأدبي، يحفل بالعديد من الحكايات التي تروي نماذج كثيرة من هذا الشعور الانساني الرفيع، يمكن أن يؤرخ ويحتفل بأحداثه مرات عديدة في الشهر، بل في الأسبوع، إذ نستطيع في هذا السياق الاستشهاد بأشهر قصص الحب عند العرب، وخاصة ما يسمى ب«الحب العذري» ، كحكاية قيس وليلى و عنتر و لبنى و عرواة و العفراء وغيرها من القصص و الروايات التي نقشت التاريخ الأدبي عند العرب، بعدما أضحت مضربا للمثل في معنى الحب والعطاء و التضحية كذلك.. في هذا الإطار، وعلى سبيل الذكر، عرفت قبيلة عذرة في أيام بني أمية بهذا اللون من الحب، ونسب إليها، واشتهرت به وبكثرة عشاقها المتيمين الصادقين في حبهم، المخلصين لمحبوباتهم، الذين يستبد بهم الحب، ويشتد بهم الوجد، ويسيطر عليهم الحرمان، حتى يصل بهم إلى درجة من الضنى والهزال كانت تفضي بهم في أكثر الأحيان إلى الموت، دون أن يغير هذا كله من قوة عواطفهم وثباتها، أو يضعف من إخلاصهم ووفائهم، أو يدفعهم إلى السلوك والنسيان. وقديماً قال رجل منهم: «لقد تركت بالحي ثلاثين قد خامرهم السل وما بهم داء إلا الحب». وسئل آخر: «ممن أنت؟» فقال«من قوم إذا أحبوا ماتوا»، فقالت جارية سمعته :«عذري ورب الكعبة». وليس من السهل معرفة الأسباب التي جعلت هذه القبيلة تشتهر بهذا اللون من الحب ليصبح ظاهرة اجتماعية تعرف بها وتنسب إليها، وإن يكن القدماء قد حاولوا رد هذا إلى رقة قلوبهم وجمال نسائهم. فقد سئل أعرابي منهم: «ما بال قلوبكم كأنهم قلوب طير تنماث كما ينماث الملح! أما تجلدون ؟ فقال: إنا لننظر إلى محاجر أعين لا تنظرون إليها». وقيل لآخر: «يا هذا بحق أقول إنكم أرق الناس قلوباً». ويقول ابن قتيبة: «والجمال في عذرة والعشق كثير». ولكن هذه المحاولات تبدو غير كافية تماماً لتعليل هذه الظاهرة، إذ تظل معها الأسئلة واردة : هل كانت عذرة حقا أرق العرب قلوبا وأجملها نساء ؟ عذرة لم تنفرد وحدها من بين القبائل العربية بهذا اللون من الحب، وإنما ظهر أيضاً في غيرها من القبائل كقبيلة بني عامر حيث ظهر مجنون ليلى قيس بن الملوح، وقبيلة بني كنانة حيث ظهر قيس بن ذريح صاحب لبنى. فالمسألة ليست مسألة عذرة وحدها، والحب العذري ليس وقفاً عليها دون غيرها من القبائل، ولكنه لون من الحب عرفته البادية العربية مع غيره من ألوان الحب المختلفة مرده الأساسي إلى المزاج الشخصي الذي يدفع بعض الناس إلى اللهو والمجون والشرك في الحب، كما يدفع بعضهم إلى الوفاء والإخلاص والتوحيد فيه، ثم إلى طبيعة الظروف التي تحيط بالعاشق ,أتدفعه إلى اللهو والعبث أم ترده إلى الطهر والعفاف؟