الشيء الأكيد- الوحيد ربما- و القصة تقودك إلى محفل يتوهج بألق شيخها، أنك تتمنى لو يتوقف الزمن في تلك اللحظات التي تنظر فيها إلى الوجه العزيز لكاتب و قاص من طينة الكبار هو أحمد بوزفور. هذا هو الأكيد، لأنك وأنت تنصت لقصص هذا الشيخ الطاعن في السرد، فلا شيء أكيد. إنك تصطدم بنصوص قلقة تسائل ذاتها و تحاورها في سخرية تقارب-أحيانا- نزعة كافكاوية. هي نصوص مفكرة بنفس فلسفي مضطرب لا يسكن من جراء أسئلته الوجودية. في قصة بوزفور: لا يقينيات و لا حقائق و لا اكتمال، «في القصة الحديثة ليست هناك شخصية مكتملة و لا سارد عارف». إنها «تشك في الحقائق، في اكتمال العالم و في قدرة الإنسان على السيطرة على الطبيعة». أليس هو القائل:»النص القصصي يجب أن يبقى مفتوحا على النقصان». الكاتب الحديث -حسب بوزفور- «يطرح من الأسئلة أكثر مما يطرح من الحقائق و الأجوبة» و هذا ما دفعه إلى القول: «لو كنت سأختار رمزا للكتابة الحديثة، فسأختار علامة الاستفهام». أطل الشيخ بابتسامته و هدوئه الرزين على الحضور في لقاء بالمكتبة الوطنية مساء الجمعة 3 فيراير، قدم له و سيره الصحافي الشاب أيوب المزين الذي قدم قراءة عاشقة بلغة شاعرية جميلة لبوزفور» الوجه و النص». اختار بوزفور أن تكون الكلمة أولا للقصة. إنها «لاتعول على أحد» فهي «كائن قائم بذاته». لم يقدم قراءاته القصصية بأي كلام. ألقى نصين قصصين هما «موسيقى» و «الحب»( نص حديث لم ينشر بعد) و ثالث ختم به لتكون الكلمة للقصة أخيرا، هو «غيابات القلب» ( وذلك بطلب من إحدى الحاضرات)، فكان إلقاؤه يسترسل عفوا منسابا، كأنه بصوته يعزف قصته هو العاشق للموسيقى، لسمفونياتها الخالدة و لصوت فيروز. ثم كانت الكلمة تنتقل من الحضور إلى بوزفور في حميمية و تفاعل وسمته مداخلات في مستوى من القراءة الناقدة و الاطلاع على المدونة القصصية لشيخ القاصين المغاربة. لم تكن اللغة الشعرية التي تكسو نصوص بوزفور لتنفلت من ملاحظة الحضور، فكان رده أنه «من الممكن أن يكون للقصة شعرها الخاص» و أضاف في معرض رد آخر أنه لا يستطيع «خيانة» القصة التي هي «دمه»، و إن كان يحب الخيانة و يعتبرها «فعلا إنسانيا ثوريا» و أنه يتعامل مع الشعر»بشكل أفضل من الكتابة هو القراءة». و عن الحساسية القصصية الجديدة، لاحظ بوزفور أنها «أصبحت تميل أكثر فأكثر إلى القصة القصيرة جدا» التي عبر عن اعتقاده الصادق بأنها «ستكون فن المستقبل بشرط أن يكون لها العمق الفكري اللازم» منبها إلى أن كتابة نص قصير جدا تقتضي «أن تكون في نمط حياتك متشذرا» ذلك التشذير الذي هو - في رأيه- «رؤية للعالم الحديث أكثر من طريقة في التعبير». نص بوزفور لا يهادن القارئ، و لهذا يرد بحزم حين يسأل عن القارئ الذي يكتب له: «أكتب لأخرق أفق انتظار القارئ. المفروض أن أكتب ما لا تنتظره، أن أفاجئك، أن تطرح السؤال وان أجعلك تبدع. الإبداع هو الذي يخلق الإبداع».