قد يعتقد البعض أن زمن السحر قد ولى، ومجرد الحديث عن الأعمال، والمكائد السحرية، هو حديث يحمل عبق التاريخ، ولكنه ليس بتاريخ.. إفريقيا مازالت تعيش في عالم السحر والشعوذة، وهناك وقائع تشهد على ذلك.. وحقيقة فالطبيعة الفقيرة للقارة السمراء، وانخفاض مستوى التعليم، جعل الكثير من مشجعي لعبة كرة القدم يستخدمون موروثهم الثقافي في السحر والدجل. فالقبائل الإفريقية منذ قديم الأزل تضع ساحرها في محل طبيبها، فهو بالنسبة للموروث الإفريقي المعالج، والواقي والحافظ لاستقرار القبيلة. وفي كرة القدم طبق الأفارقة السحر كثيرا، ما بين مواعظ الساحر، لحجاباته وأدعيته، وبعض الفرق اصطحبت ساحرها في البطولات المختلفة كأحد أهم أفراد الجهاز الفني معتمدين عليه لجلب قوة الأرواح وإضافتها لقوتهم. وأطرف وقائع السحر والشعوذة في إفريقيا كانت في 2002 بين نيجيريا وكينيا، حينما رفضت الأولى حضور ساحر كينيا مباراة الفريقين في تصفيات كأس العالم، وفازت نيجيريا 3 -صفر، فأرجع مسؤولو كينيا الهزيمة إلى عدم وجود الساحر. وفي العام نفسه أيضا عثر مراقب مباراة مصر والسنغال في إطار منافسات كأس الأمم الإفريقية على كيس موضوع أسفل مقاعد بدلاء الفراعنة، وبفتح الكيس تبين احتوائه على عظام حيوانات وبعض أعشاب وقصاصات ورق مكتوبة بلغة غريبة لم يستدل عليها، وقيل إنه سحر إفريقي.
طرق العلاج التقليدي ويقول أموس بفومو، وهو معالج تقليدي في مابوتو عاصمة موزمبيق، في تقرير نشرته الصحافة السودانية: «هناك العديد من الطرق التي يمكن بها للمعالج التقليدي تقديم المساعدة المشروعة للاعبي كرة القدم، فالأعشاب على سبيل المثال تجعل أداء اللاعب أفضل، أما أرواح الأسلاف فتمنحه القوة والمؤازرة». وفى الطقوس السحرية المعروفة««بالكيوسينيسا» يقوم بفومو بتقديم العلاج للاعب كرة القدم، في صورة مزيج يجمع مابين الوصفات الطبية الشعبية والجلسات الروحانية، فيما يشرح الأمر بقوله: «أقوم بشك ونخس جسم اللاعب في عدد من النقاط الرئيسية، وخاصة في الساقين وذلك بالطرف المدبب لريشة طائر، ثم أقوم بتدليك أماكن الوخزات بمسحوق أعشاب، وفى خضم هذه العملية لا يكتسب اللاعب القوة البدنية فقط وإنما تنتقل له أيضا قوة أرواح الأسلاف». ويضيف اموس بفومو: «الأرواح ترشد اللاعب وتجعله يبذل قصارى جهده في الملعب.. إنها لا تمنحه قدرات لا يتمتع بها أصلا لكنها تحفزه لاستخدام مهاراته على أكمل وجه وتباركه بنفحات من الحظ الجيد، إن الأسلاف يغمرها السرور عندما يطلب منها شيء على النحو الصحيح، وبالأسلوب اللائق، وتقدم المكافأة في صورة إرشاد وإلهام للاعبين أثناء المباريات». ومن الأحداث الطريفة أيضا أعمال العنف والشغب التي اندلعت في مباراة رواندا ونيجيريا، بسبب قيام أحد المتفرجين بالنزول لأرض الملعب وسرقة قفاز حارس مرمي المنتخب الراوندي، والذي كان موضوعا داخل المرمي. وتشابك معه اللاعبون الراونديون داخل الملعب وسرعان ما انضم إليهم رجال الشرطة، وأدى ذلك لإسالة دماء الكثيرين في المدرجات وخارج الملعب، في تصفيات كاس الأمم الإفريقية تونس 2004، غير أن رجال الشرطة استطاعوا السيطرة علي الأمور، واستكملت المباراة بعد نصف ساعة دون وجود القفاز السحري. الأطرف كان في لقاء العودة عندما ملأت الجماهير النيجيرية الملعب بالمباخر لإبطال السحر، الذي أجراه الروانديون مستخدمين القفاز. قوى الأرواح ويقول عن ذلك بونغاني مونغوميزيلو، مدرب فريق «بلاك مامباس»، الذي يقع مقره على مشارف مدينة دوربان بجنوب إفريقيا :«العديد من مدربي الكرة لديهم مشاعر مختلطة بشأن أرواح الأسلاف..لكن تبقى الحقيقة أننا نستعين هنا بالمعالجين الروحانيين والتقليديين لمنح المزيد من القوة النفسية والعزيمة للاعبينا.. فلاعب الكرة إذا اعتقد أن أرواح الأسلاف تؤازره يتحول في الملعب لما يمكن وصفه باللاعب الملهم». وفي أغلب الأحيان لا يبوح السحرة بأسرار مهنتهم خوفا من السرقة الفكرية، وحتى تظل هيبتهم لغزا غامضا أمام الجميع، وهنا يحكي الساحر الكاميروني مبينكين، أنه قصده مدرب فريق كرة قدم طامعا بمساعدته بفوز فريقه، فما كان منه إلا أن جهز لهم وصفة سحرية تم رشها في الطريق المؤدية إلى الملعب، وحرم على أعضاء الفريق أن يتخطى واحد منهم أو يقرب الطريق، وأمام ذلك أمر مدرب الفريق لاعبيه بالالتزام بتعاليم الساحر والذهاب إلى الملعب بالحافلة والدخول من الأبواب الخلفية إلى أماكن تغيير ملابسهم، وفعلا فاز هذا الفريق بإصابتين مقابل لا شيء. وفي قصة أخرى يحكى أن حارس مرمى قام بدفن عظام مسحورة تحت العشب، لكن الأمر انكشف فعوقب بالطرد من الاتحاد الافريقي للكرة، فالسحر لا يصيب أحيانا هدفه ورغم ذلك قال الساحر الكاميروني مستدركا: «مرات تتغلب قوى خارقة على مفعول الوصفة لأنها تزاحم بأفعالها الشريرة قوانا في الملعب». يذكر أن الإتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا اعترف، أنه لا يمكن أن يعاقب من يمارس عمل الطلاسم السحرية وتعويذات الشعوذة أو من استعملها، لأن ذلك داخل في النسيج الثقافي لهذه القارة ومعتقداتها، لكنه يستطيع أن يمنع أي فريق من اصطحاب ساحر أو مشعوذ داخل الملعب.