كان اسمه قيد حياته عبد الوهاب زيدون، حاصل على الماستر في التوثيق من جامعة ظهر المهراز بفاس. ظل منذ أسبوعين يشارك في اعتصام داخل إحدى ملحقات وزارة التربية الوطنية بالرباط. وأمام رفض السلطات تمكينه من عمل داخل أسلاك الوظيفة العمومية، سكب هذا الشاب المعطل البنزين على نفسه يوم الأربعاء الماضي (18 يناير 2011) قبل أن يضرم النار في جسمه. وإثر ذلك أصيب بحروق من الدرجة الثانية تسببت في وفاته يوم الثلاثاء الماضي. وبعد مرور حوالي السنة على وفاة محمد البوعزيزي، في ظروف مشابهة، بسيدي بوزيد في تونس، يطفو إلى السطح تساؤل حول ما إذا كان المغرب مقبلا على ربيعه العربي؟ تقول زينب الغزوي، الصحافية والمناضلة في صفوف حركة 20 فبراير: «الحالة المؤسفة لعبد الوهاب زيدون ليست الأولى في المغرب.» مضيفة بالقول: «لقد أحرق المغاربة أنفسهم قبل الثورة التونسية». ومنذ خروج حركة 20 فبراير إلى الشارع في السنة الماضية، لجأ على الأقل خمسة عشر شخصا إلى النار من أجل وضع حد لحياتهم. يقول بيير فيرمورين، مؤرخ المغرب المعاصر بجامعة باريس 1: «السياق المغربي مختلف عن نظيره التونسي. ولا يمكن لهذه الظاهرة أن تؤدي إلى انقلاب في المغرب». ويرى هذا الخبير المتخصص في المغرب أن هذا الفعل اليائس يبرز الأثر الكبير للأزمة الاقتصادية في المغرب. فثمة المئات من «حاملي الشهادات المعطلين» الذين ينظمون وقفات كل أسبوع أمام المباني الحكومية في الرباط من أجل المطالبة بالتوظيف داخل إحدى الإدارات، كما وعدتهم الدولة. المغرب ليس في منأى عن الأزمة رغم أن الأرقام الرسمية تشير إلى معدل البطالة مستقر في نسبة 9.1 بالمائة، إلا أن هذا الرقم يخفي خلفه واقعا يتجاوز ذلك الرقم بكثير، فحسب الوكالة الوطنية للتشغيل والكفاءات، فإن 27 بالمائة من حاملي الشهادات الجامعية لا يتوفرون على عمل، علما أن 40 ألفا منهم يتدفقون سنويا على سوق الشغل. وفي تصريح أدلى به عزالدين أقصبي لوكالة الأنباء الفرنسية، فإن نصف طالبي العمل، الذين يقدر عددهم بحوالي 350 ألفا سنويا، لا يحصلون على العمل. وتقول زينب الغزوي: «بعيدا عن الأرقام الرسمية المتعلقة بالبطالة، فإن ثمة في المغرب جيلا بأكمله يعاني من الفقر. فأولئك الأشخاص من حاملي الشهادات العليا يقضون يومهم في الرد على المكالمات الهاتفية داخل الشركات الفرنسية المتخصصة في خدمة الزبناء والتي نقلت نشاطها إلى المغرب، ويحصلون على مقابل لا يتجاوز 250 أورو في الشهر». ونفس المبلغ يُقدم لحوالي ستة آلاف مغربي يشتغلون داخل المصنع الجديد التابع لشركة رونو - نيسان الذي تم افتتاحه مستهل يناير بمدينة طنجة. وحسب زينب الغزوي، فإن مفتاح المشكل يكمن في «تدبير الاقتصاد الوطني المغربي، الذي تم تفويته بالكامل لخدمة المصالح الخارجية». وحسب جان زاغانياري، الأستاذ الباحث بمركز الدراسات والأبحاث حول إفريقيا والمنطقة المتوسطية بالرباط، فإنه «يتعين أيضا طرح مسألة التوزيع العادل للثروة». ويضيف بالقول: «المغرب بلد الفوارق فيه بين الطبقة الغنية جدا والطبقة الفقيرة جدا كبيرة: وهنا يتعين اعتماد تعديلات وتوفير وظائف بأجور تحفظ الكرامة». ومن أجل احتواء ذلك السخط الاجتماعي، حاولت الدولة دعم أسعار المواد الأساسية رغم ما يتسبب فيه ذلك من عجز مهم في الميزانية، لكن يبدو أن صدر هذه الأزمة يأتي من مكان آخر. يقول بيير فيرمورين: «تؤثر الأزمة الاقتصادية في أوربا بشكل مباشر على المغرب. فمنذ عشرين عاما والمغرب يستفيد من الموارد التمويلية التي يوفرها العمال المغاربة في الخارج. لكن مسار الهجرة بدأ في التغير، فأكثر من 300 ألف مهاجر مغربي يجدون أنفسهم مضطرين لمغادرة إسبانيا، كما أن وضعية العمال في إيطاليا، فرنسا أو هولندا لا تكاد تكون أحسن حالا». حكومة الظل غضب حاملي الشهادات الجدد من الإدارة جعلهم يخرجون أيضا إلى الشوارع، منذ 20 فبراير، من أجل المطالبة بإصلاحات اجتماعية وسياسية عميقة. وبعد تغيير في المستويات الدنيا للدستور إضافة إلى تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها شهر نونبر المنصرم، تبدو الآمال معلقة في حزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي حقق نصرا كبيرا في الاقتراع، والذي جعل من العدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد شعارا في المعركة الانتخابية. يقول جان نويل فيريي، مدير المركز الوطني للأبحاث والدراسات بالرباط: «يحظى حزب العدالة والتنمية بثقة كبيرة، لأنه حزب جديد يستفيد من عذريته السياسية». وتعلق زينب الغزوي على الأمر بالقول: «لقد أيد حزب العدالة والتنمية مسارا إصلاحيا مزيفا، لأنه لا يلعب سوى دور الظهور. والشرط من أجل تولي الحزب للسلطة هو القبول بحكومة الظل». ومنذ تأسيس الحزب سنوات التسعينات من القرن الماضي، ظل في صفوف المعارضة السياسية شريطة الاعتراف بدور الملك ك «أمير للمؤمنين». وفي الواقع، فإن الحزب لا يعارض الملكية، شأنه شأن باقي الأحزاب المرخص لها في المغرب. وخلال تعيين الحكومة، يوم 4 يناير الماضي، لم يحصل هذا الحزب سوى على اثنتي عشرة وزارة من أصل ثلاثين، توجد ضمنها وزارة الشؤون الخارجية ووزارة العدل. أما وزارة الداخلية والجيش والشرطة فظلت، حسب قولهم، بيد مقربين من الملك. يقول بيير فيرمورين: «ثمة قطب آخر للسلطة غير الحكومة على مستوى القصر الملكي. فدور مستشاري الملك مهم للغاية في جميع المجالات، سيما في تدبير الشؤون الاقتصادية للبلد.» لكن خلافا لما كان عليه الأمر في تونس، حيث السلطة كانت متمركزة بين يدي بنعلي وحاشيته، فإن المخزن المغربي يضم نظاما من الطبقة القيادية يتصف بتعقيد أكبر. وخلف الملك محمد السادس، ثمة عائلات كبرى قوية، مصالح اقتصادية وقوات مسلحة، تتوفر على علاقات ومؤسسات مهيكلة في مختلف مناطق البلد. يقول جان نويل فيريي: «دور الملك على رأس الدولة يشكل مسألة إجماع في المغرب. والمطالب الاجتماعية لا علاقة لها بقضية الملكية». والنظام الملكي لا يتساهل مع منتقديه، إذ تم في الفترة الأخيرة إغلاق العديد من الصحف وتوقيف مجموعة من الصحافيين. تقول زينب الغزوي محذرة: «لقد سقط جدار الخوف. وإن لم يتمكن المغاربة من التعبير في وسائل الإعلام، فإنهم يقولون رأيهم في الملك عبر شبكات التواصل الاجتماعي وفي الشارع». وتعطي هذه الناشطة موعدا لشعبها يومي 19 و20 فبراير القادم، كتاريخ لمظاهرة كبرى وإضرابا عاما في ذكرى الانتفاضة الأولى. عن «لوبوان»