اعتبارا لخلفياتها السياسية وللأسباب الشكلية الدافعة لتنظيمها, سوف يكون منطقيا أن تنتهي زيارة رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي إلى المغرب كما بدأت, بتعتيم إعلامي و تردد مؤسساتي غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين الرباطومدريد. فبعد مرور ما يزيد عن ربع قرن على تأسيس تقليد القيام بالزيارة الأولى لرئيس الحكومة الإسبانية الجديد إلى المغرب من طرف الاشتراكي فيليبي غونزاليس, تم التلويح في اسبانيا مباشرة غداة انتصار الحزب الشعبي في انتخابات 20 نونبر2011 بإلغاء هذا العرف لعدم وجود أية مردودية إستراتيجية له, كما ردد بعض قياديي هذا التنظيم السياسي الداعمين لاختيار استمرار القطيعة وعدم الحوار بين المغرب والحزب الشعبي . معارضو هذا التوجه المعادي للمغرب داخل الحزب الشعبي لم يستطيعوا بعد التموقع بقوة وفعالية داخل دواليب ومؤسسات الحزب و الدولة لاعتبارات مرتبطة بطبيعة هذا التنظيم السياسي وهويته و بدوره داخل المجتمع الإسباني وبالمرحلة جد الحرجة التي تجتازها الدولة الإسبانية اقتصاديا واجتماعيا. عدم قدرة هذا التوجه داخل اليمين الإسباني و الداعي إلى تعامل تفضيلي مع المغرب على فرض وجهة نظره, راجع كذلك إلى أخطاء جسيمة ارتكبها المغرب وقواه السياسية والمتمثلة أساسا في الاعتقاد ولعقود طويلة بأن أصدقاء المغرب يوجدون في صفوف القوى اليسارية, وخصومه متمركزون داخل القوى الإسبانية المحافظة. بينما العكس هو الصحيح. فأكثر من 90 في المئة من الجمعيات الإسبانية المعادية وباحترافية متميزة لوحدتنا الترابية يوجد على رأسها أشخاص يجهرون انتمائهم لليسار الاشتراكي والشيوعي الإسباني. هذا التوجه داخل الحزب الشعبي و الداعي إلى التعامل مع المغرب تعاملا ايجابيا و الذي فقد قبل أيام أحد مؤسسيه ومنظريه وهو السياسي الكبير مانويل فراغا, استطاع فيما يبدو إقناع الرئيس راخوي بعدم جدوى استمرار اتساع الشرخ المفتعل بين المغرب والحزب الشعبي وبالتالي يستحسن القيام بهذه الزيارة/التقليد للحفاظ على قنوات الاتصال الحزبية والرسمية بين البلدين استعدادا لمرحلة ما بعد الأزمة .أمام هذه الوضعية الجديدة بالنسبة للعلاقات المغربية الإسبانية, وضعية الستاتيكو, والتي من المنتظر أن تطول حتى خروج اسبانيا من الأزمة, لأن هذه الأخيرة حددت بوضوح لجهاز انتشارها الخارجي مناطق جيو سياسية متواجدة أساسا في أوروبا الغربية وأمريكا الجنوبية والوسطى .فالمغرب لم يعد أولوية للسياسة الإسبانية كما يفهم من تصريحات المسؤولين الجدد في مدريد ومن تكوينهم وماضيهم المهني. المغرب مطالب إذن بابتكار سياسة اسبانية جديدة تأخذ بعين الاعتبار التطور السياسي و الاجتماعي الحاصل في هذا البلد و انزلاقه المتزايد بفعل الأزمة الاقتصادية العميقة التي يمر منها نحو قطيعة مع محيطه المتوسطي والمغربي. سياسة جديدة تكون قائمة على تكثيف التعاون الأمني والسياسي على مستوى المنطقة المغاربية و منطقة الساحل الإفريقي في أفق العمل على تكوين قناعات لدى المقرر السياسي الإسباني الجديد بعدم إمكانية الالتفاف على الشريك المغربي, الذي أثبت استقراره, في رسم أي تصور أو مقاربة للأمن الشمولي للدولة الإسبانية. سياسة جديدة قائمة كذلك على تطوير الشراكة الاقتصادية والتجارية المغربية الإسبانية بعقلية جديدة تثق في المستقبل و قائمة على اعتبار الاستثمار الإسباني في المغرب والمشاريع المشتركة بين البلدين اختيارا استراتيجيا وليس حلا مرحليا مؤقتا للازمة البنيوية التي يمر منها الاقتصاد الإسباني. الإعداد لمستقبل اسباني مغربي واعد, مستقر وآمن يتطلب الاهتمام الجدي بالعنصر البشري المغربي المتواجد في تراب الجار الشمالي للمغرب والمقدر بحوالي مليون شخص. من هنا وجب التفكير في فتح مفاوضات مع الحكومة الإسبانية الحالية لتفعيل الفصول الدستورية الإسبانية ( الفصول 13-1 و23) والمغربية( الفصل 30) والتي تعطي الحق للمواطنين الأسبان المقيمين في المغرب في الترشيح و التصويت في الانتخابات المحلية المغربية و في إطار المعاملة بالمثل تعطى كذلك للمواطنين المغاربة المقيمين في اسبانيا بصفة شرعية الحق في الترشيح والتصويت في الانتخابات البلدية الإسبانية . من شأن هذه الخطوة العمل على تحويل المغرب والمغاربة من موضوع للمزايدات الإنتخابوية والسياسية في اسبانيا إلى عنصر يعمل بشكل ايجابي على الإعداد لتصور مستقبلي واعد لما فيه مصلحة الدولتين. شرط أخر متوقف عليه إنجاح هذه الخطوة هو التفكير والعمل على خلق وتكريس ممارسة قنصلية و ادارية جديدة تكون قادرة على فهم و استيعاب تطلعات وامال مغاربة الدستور الجديد.