إن ما يطبع، في الغالب، علاقتي و لقاءاتي بمحمد عنيبة هي الصدفة، من خلال صديقيه الحميمين بوجمعة أشفري وعادل حدجامي.. وإن كنت أعرف شاعرنا منذ عقود، بطريقة غير مباشرة عبر قصائده، فإن أول لقاء مباشر لي معه، يعود إلى عهد قريب بإحدى المقاهي بمحيط ثانوية الإمام مالك صحبة عادل حدجامي. لقد حولت اللقاءات اللاحقة الانطباع الذي كونته عنه في هذه الجلسة إلى حقيقة يقينية. إذ هو على عكس بعض المثقفين الذين من فرط تفكيرهم في البؤس وحده أو لبؤسهم النفسي لا يستقبلونك إلا بوجه عبوس متشائم. تراه في كل مرة على نفس الإيقاع النفسي وقد ارتسمت على محياه بشائر الحياة السعيدة من سكينة ومرح وكرم واحتفاء بالغير. وسأركز في هذه الكلمة المقتضبة على هذه الخاصية المميزة لشخصيته. أما عن شعره فلست مؤهلا للحديث عنه، بل أكتفي بالقول إنني، كواحد من أبناء جيلي، تفاعلت معه عندما كان أداة نضالية، وأستمتع به الآن بعد أن اختمر واتخذ منحى فلسفيا وجوديا. إن شهادات الشاعرين إدريس الملياني وبوجمعة أشفري والأستاذ عادل حدجامي كلها تصب في هذه النتيجة: إن الشاعر عنيبة إنسان سعيد. وإذا كان عادل قد احتفى بمحمد عنيبة باعتباره شاعرا للحياة مؤولا غياب تيمة الموت من شعره تأويلا ديموقرطيا (نسبة إلى ديموقريطس)، وإذا كان الملياني وأشفري قد استحضرا لحظات المرح والاستمتاع بالحياة التي جمعتهم بالشاعر راسمين طقوسها وفضاءاتها، فإنني أول هذه السعادة تأويلا أبيقوريا، مع التذكير بأن أبيقور عندما يتخذ من المتعة مبدأ وغاية الحياة السعيدة، فهو لا يقصد أبدا الجري وراء المتعة المتفسخة، لأن المتعة الحقيقية هي تلك التي لا تلحق الأذى بالأنا ولا بالغير ولذلك تقتسم مع الأصدقاء. وبعبارة أخرى فإن المتع الجزئية التي تحدث عنها الملياني وبوجمعة ما هي إلا وسائل لإدراك الغاية المتمثلة في هدوء وسكينة النفس الدائمين. وهو ما يرتسم باستمرار في ملامح وكلمات وحركات شاعرنا العزيز.