تكريما لفارس القصة المغربية سي أحمد بوزفور، وفي أحد مطاعم البيضاء، اجتمع، مساء الثلاثاء الماضي، عشاق الكلمة، عشاق الشعر... صدحوا بصوت واحد: نأتي من جحيم الكلام الصامت، ضاع منا مقام الكلام غير المحرم في الزمان والمكان... واشياء أخرى بعيدة. عنيبة الحمري ويوسف فاضل، الهاربان من زحمة طهي الكلام والباحثان عن قوس قزح بكيا شعرا في مجلس البسطاء، بعيدا عن أعين الرقيب، في هذا الصرح الكولونيالي الذي احتضن كلام الشعراء ورسم للكلمة منصة رغم الأعداء والأصداء ورجع الصدى. الطفل الذي يشبه يوسف يصعب عليه أن يولد مرة أخرى. طفل يسأل «شكون أنا؟»، وأحمد ابن يوسف لا يعرفه! صنع الشعراء ذلك المساء لحظة عشق وعناق، قبل أن يأتي إدريس الملياني ليطلب من الجميع أن لا يطلبوا منه الرحيل: «ما تقولوش ليا ارحل، فأنا لا أعرفها إلا سماعا أحباء القلب، أحباء العين. أحمد بوزفور، ابن بلدي، في الحضرة الجميلة يكون الاعتراف المتبادل. من تعاليم بوزفور الفاضلة: من يصمد دهرا لا يهزمه زمن! حيث تختلط رائحة بن جرير بمدام غيران: اخرج منها! وتلك المفاضلة القاتلة: نحن لاكرامة لنا!.. شخص عنيف نصا لعل هذا لذاك وطرح السر في هذه الكاد. الكتابة زرقاء والضمير حضاري». يأتي المولع بالدرس الفلسفي عثمان بنعليلة ليصدح: « كأن التحدي والتجاوز سمة فلسفة تأبى الخنوع كي تكتب جملة واحدة، وعودة الأهل وقصة صغيرة جدا... بوزفو من أبرز رجال التعليم الذين رحلوا جهة الإبداع، كتخلي الحبيب عما يحبه، كمن تأبط عزلة...» بوجمعة أشفري، عاشق الجمال والجماليات، رسم بورتريه للمحتفى به: «المهووس بالآخر على حد تعبير صديقه بورخيس». الفاعلة لجمعوية ليلى ناسمي لم تخلف الموعد وأنشدت ترجمتها إلى الفرنسية لقصيدة لحسن سلمان مهداة ل«سيد الأحلام».وكانت وقد ألح الحضور على الشاعر حميد جماهري كي يتذكر سنوات الحب والجمر «حين يختلط الكلام بالواقع، حيث يحضر الندم والارتباك والمواقف». وقد باح صاحب «بنصف معنى فقط» لسي أحمد: «في الأخير، أنا مثلك متردد في أن أكون صخرة ، ولكن دائما أحبك...» وقد ساهم أيضا في هذا التكريم، الذي سيكون له ما بعده، كل من الروائي نور الدين وحيد الذي وصف بوزفور بأنه «مغرب اللغة المغربية...»، والناقد والباحث الجامعي محمد سكري: «بوزفور مؤسس الكتابة في مجال القصة القصيرة، إنه النظرة الأخرى، حارس ملعبه...» والصابري، أستاذ الرياضيات، الذي يعرف الوجه الآخر لبوزفور «المعتقل في 1965 بطان طان، رفيق أحمد الملاقاة وأحمد المزكلدي وعلال الأزهر، وهم جميعا تلاميذ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب حينذاك، ومن مؤسسي الحركة اللينينية بالمغرب.» محمد بوجبيري، الصادق في الكلمة مثلما في الحياة، اختتم اللقاء التكريمي بكلمة بمسافة قصة قصيرة، مستحضرا أول لقاءاته بسي أحمد التي ظلت عالقة بذاكرة الذي يحضن الطين عاريا، وخاصة في بيت الراحل العربي باطمة، ليتفقا، بمعية المبدعين يوسف فاضل وحميد جماهري، ليتفقوا على خلق عالم جميل. وبالطبع، كما يقتضي المقام الاحتفائي، قام فارس القصة النوراني بقراءة نص قصصي ممتع «يوم في حياتي»، لينفض مجلس الحب وتلتهمه غابة الإسمنت في انتظار موعد جديد يرتبه بوجمعة أشفري، صاحب مبادرة الاحتفاء بسي أحمد بوزفور.