توافدت على مدينة طنجة، خلال الأسبوع الماضي، تعزيزات مكثفة من مختلف التشكيلات الأمنية، استعدادا لتدخل أمني أصبح وشيكا، حسب مصادر متطابقة، لمواجهة زحف البناء العشوائي الذي استفحل بالعديد من المناطق، وخاصة بمقاطعة بني مكادة. فمنذ صبيحة اليوم الموالي لاقتراع 25 نونبر، شرع العشرات من المواطنين في بناء مساكنهم من دون توفرهم على تراخيص البناء، رافعين شعارات تطالب الحزب الفائز في الانتخابات بالتدخل لحمايتهم مما اعتبروه تعسفا من الإدارة الترابية. سلطات الولاية حاولت التدخل لمنع البناء غير المرخص، لكن ارتفاع حدة التوتر والمقاومة العنيفة التي أبداها السكان وإصرارهم على الدخول في صدامات مفتوحة مع السلطات، نتج عنها إصابة بعض رجال وأعوان السلطة بجروح متفاوتة الخطورة، دفع الإدارة الترابية إلى تجنب المواجهة المباشرة مع السكان، وفضلت مراقبة الوضع مع ضرب طوق أمني لمنع دخول مواد البناء إلى المناطق المعنية، والتزمت بالمقابل بمنحهم تراخيص البناء بعد أن تم الاتفاق على تبسيط مساطر الترخيص، حيث تم عقد اجتماعات ماراطونية مع رؤساء المقاطعات المعنية(بني مكادة، مغوغة وطنجة المدينة) والوكالة الحضرية ومختلف الإدارات المتدخلة في مجال التعمير، أسفرت عن تشكيل لجان دائمة بالمقاطعات لمنح رخص البناء من دون التقيد بضوابط تصاميم التهيئة، غير أن هاته الإجراءات التي كان الهدف منها السيطرة على الوضع، والتخفيف من وتيرة البناء العشوائي، لم تزد الأمور إلا استفحالا. فعلى الرغم من الطوق الأمني المضروب على هاته المناطق، فقد سجل دخول منتظم للشاحنات المحملة بمواد البناء إلى هاته المناطق ليلا واجتيازها حواجز المراقبة بسلام، بحيث عرفت أثمنة مواد البناء ارتفاعا مهولا جراء الطلب المتزايد عليها، مثلما تضاعفت أجور عمال البناء. غير أن الأوضاع سرعان ما اكتست طابع الخطورة، وأصبحت تنبئ بالخروج عن السيطرة، بعدما اجتاح المئات من السكان، مساحات شاسعة من أراضي الجموع والخواص، والغابات وحتى المقابر بمناطق الزويتينة، بوحوت3 ، الخربة، دار القنفود، خندق الورد، الرهراه، المرس، الشجيرات.... وشرعوا في تقسيم الأراضي بشكل عشوائي ورسم حدود البقع باستعمال الجير وحفر الأساسات. خطورة الأوضاع دفعت مسؤولي الولاية إلى المسارعة بطلب التعزيزات الأمنية، لوقف هذا الاجتياح، حيث تم إنزال أعداد كبيرة من مختلف التشكيلات الأمنية بلباس الميدان إلى المناطق المعنية، وشرعت بعض الجرافات صبيحة الخميس الماضي في هدم بعض الأساسات، لكن سرعان ما توقفت الجرافات عن الهدم تخوفا من اندلاع مواجهات مفتوحة مع السكان وانفجار الأوضاع بشكل يصعب معه التحكم في تداعياته المحتملة. وفضلت السلطات مرة أخرى نهج سبل الحوار، وإقناع السكان بضرورة وقف زحفهم على أراضي الجموع والخواص، مع تقديم وعود بالبحث عن حلول لمن لا يتوفر على السكن!!!، مع إبقاء القوات مرابطة بعين المكان لمراقبة الأوضاع، ويبدو أن السلطات نجحت نسبيا في التخفيف من وتيرة الهجوم على الأراضي، من دون أن تتمكن من وضع حد له، إذ تبقى الأوضاع مرشحة للانفجار في كل لحظة. مصادر متطابقة، أكدت في تصريحها للجريدة، أن استفحال البناء العشوائي بهاته الخطورة يرجع بالأساس إلى السياق الذي مرت في انتخابات 25 نونبر وما أفرزته من نتائج دفعت المواطنين إلى الإحساس بنوع من الاستقواء على السلطات، يضاف إلى ذلك المشاكل والتعقيدات التي ترافق مساطر الحصول على رخصة البناء والابتزاز الذي يخضع له المواطن من طرف رجال السلطة وبعض المنتخبين، لكن ما يبعث على القلق حقا، تضيف ذات المصادر، هو الموقف المرتبك للإدارة الترابية التي تجد نفسها عاجزة عن اتخاذ إجراءات صارمة لوقف عمليات اجتياح الأراضي من طرف مافيا منظمة باحترافية كبيرة، خوفا من انفجار الأوضاع خاصة في هاته الظروف الحساسة، لكن ارتباك الإدارة الترابية لن يزيد الأوضاع إلا استفحالا، ولنا أن نتخيل خطورة المشاكل التي ستنفجر جراء افتقاد هاته العشوائيات للبنيات التحتية من ماء، كهرباء، طرق وصرف صحي، إذ ستصبح هاته المناطق، قنابل موقوتة قابلة للانفجار في كل لحظة.