طنجة تتأهب لأمطار رعدية غزيرة ضمن نشرة إنذارية برتقالية    تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المغرب    نشرة انذارية…تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المملكة    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين يشتبه في تورطهم في قضية تتعلق بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات الرقمية    توقيف 3 صينيين متورطين في المس بالمعطيات الرقمية وقرصنة المكالمات الهاتفية    ريال مدريد يتعثر أمام إسبانيول ويخسر صدارة الدوري الإسباني مؤقتًا    ترامب يعلن عن قصف أمريكي ل"داعش" في الصومال    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    "بوحمرون".. الصحة العالمية تحذر من الخطورة المتزايدة للمرض    الولايات المتحدة.. السلطات تعلن السيطرة كليا على حرائق لوس أنجليس    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب ودمج CNOPS في CNSS    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    الشراكة المغربية الأوروبية : تعزيز التعاون لمواجهة التحديات المشتركة    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    حجز أزيد من 700 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة بطنجة    توقعات احوال الطقس ليوم الاحد.. أمطار وثلوج    اعتبارا من الإثنين.. الآباء ملزمون بالتوجه لتقليح أبنائهم    انعقاد الاجتماع الثاني والستين للمجلس التنفيذي لمنظمة المدن العربية بطنجة    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    شركة "غوغل" تطلق أسرع نماذجها للذكاء الاصطناعي    البرلمان الألماني يرفض مشروع قانون يسعى لتقييد الهجرة    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    BDS: مقاطعة السلع الإسرائيلية ناجحة    إسرائيل تطلق 183 سجينا فلسطينيا    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    رحيل "أيوب الريمي الجميل" .. الصحافي والإنسان في زمن الإسفاف    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    زكرياء الزمراني:تتويج المنتخب المغربي لكرة المضرب ببطولة إفريقيا للناشئين بالقاهرة ثمرة مجهودات جبارة    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    تنس المغرب يثبت في كأس ديفيس    بنعبد الله يدين قرارات الإدارة السورية الجديدة ويرفض عقاب ترامب لكوبا    "تأخر الترقية" يخرج أساتذة "الزنزانة 10" للاحتجاج أمام مقر وزارة التربية    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    المغرب التطواني يتمكن من رفع المنع ويؤهل ستة لاعبين تعاقد معهم في الانتقالات الشتوية    توضيح رئيس جماعة النكور بخصوص فتح مسلك طرقي بدوار حندون    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    العصبة الوطنية تفرج عن البرمجة الخاصة بالجولتين المقبلتين من البطولة الاحترافية    الولايات المتحدة الأمريكية.. تحطم طائرة صغيرة على متنها 6 ركاب    بنك المغرب : الدرهم يستقر أمام الأورو و الدولار    المغرب يتجه إلى مراجعة سقف فائض الطاقة الكهربائية في ضوء تحلية مياه البحر    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    انتحار موظف يعمل بالسجن المحلي العرجات 2 باستعمال سلاحه الوظيفي    السعودية تتجه لرفع حجم تمويلها الزراعي إلى ملياري دولار هذا العام    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    غزة... "القسام" تسلم أسيرين إسرائيليين للصليب الأحمر بالدفعة الرابعة للصفقة    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    حركة "إم 23" المدعومة من رواندا تزحف نحو العاصمة الكونغولية كينشاسا    هواوي المغرب تُتوَّج مجددًا بلقب "أفضل المشغلين" لعام 2025    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الممثلة امال التمار تتعرض لحادث سير وتنقل إلى المستشفى بمراكش    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    نتفليكس تطرح الموسم الثالث من مسلسل "لعبة الحبار" في 27 يونيو    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الرحيم بوعبيد وأجواء مؤتمر طنجة 1958

في أوائل أبريل 1958، وقع الاتفاق بين المرحوم المهدي بن بركة وبيني على ضرورة إطلاع علال الفاسي على تحليلنا للحالة في المغرب العربي, اتجهنا معا إلى منزله بطنجة, حيث كان مقيما منذ رجوعه من الخارج.
وبعد هذه الجلسة مع السي علال, تقرر بإجماع الثلاثة، الإعلان فورا عن الدعوة التي توجه من طرف حزب الاستقلال إلى الحزبين الشقيقين في كل من تونس والجزائر, من أجل عقد مؤتمر لتدارس الوضع في المغرب العربي، والعمل على تحديد آفاقه حالا ومستقبلا.
أما بقية أعضاء اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال فلم يخبروا بهذا القرار إلا فيما بعد، لكن لم يكن أي اعتراض من طرفهم فيما إذا كانت الظروف مناسبة أولا فيما يخص جدول الأعمال. أما المحجوب بن الصديق, الكاتب العام للاتحاد المغربي للشغل، فكان رأيه على ما يظهر أن المبادرة ربما اتخذت قبل أوانها المناسب...
كان جواب جبهة التحرير الجزائرية بالقبول مجرد توصلها بالدعوة. أما حزب الدستور التونسي فلم يعلن عن قبوله ومشاركته إلا بعد مرور بضعة أيام.
وعندما تم الاتفاق بين المنظمات الثلاث ، تقرر عقد المؤتمر ابتداء من 27 أبريل 1958 بمدينة طنجة, وكان محمد الخامس رحمه الله يتتبع عن كثب كل مرحلة من مراحل هذه المساعي, مؤملا أن تنتهي إلى توحيد الخط، وإبراز الأهداف المشتركة بين الأطراف الثلاثة.
وبالفعل، انعقدت الجلسة الأولى لمؤتمر طنجة يوم 27 أبريل 1958 بقصر مرشان، في جو مؤثر من الحماس الشعبي وبحضور عدد كبير من رجال الصحافة العربية والأجنبية والعديد من الملاحظين الأجانب من مختلف التيارات والبعثات الدبلوماسية, وكان الوفد الجزائري يتضمن السادة بوصوف, بومنجل وعبد الحميد المهري, وكان هذا الأخير كثيرا ما يتكلم أثناء الجلسات باسم الوفد الجزائري. أما الوفد التونسي، فكان تحت رئاسة الباهي الادغم, ويضم من بين أعضائه مدير الحزب، السيد شاكر والتليلي كممثل للاتحاد العام للعمال التونسيين. أما الوفد المغربي فكان يتضمن أساسا علال الفاسي والمهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد ومحمد البصري بصفته ممثلا لأعضاء جمعية المقاومة وجيش التحرير، وأضيف إلى الوفد المغربي بمبادرة من علال الفاسي السيد الداي ولد سيدي بابا، الشيء الذي أثار شيئا من التحفظ من طرف الوفد التونسي، نظرا لموقف تونس آنذاك من قضية موريطانيا، لكن هذا الحدث لم يؤثر في النهاية على صحوة الجو بين الاطراف, حيث لم تدرج قضية موريطانيا في جدول أعمال المؤتمر.
انعقد مؤتمر طنجة في أجواء المؤامرات العسكرية والدبلوماسية التي كان يقوم بها آنذاك الاستعمار الفرنسي والاسباني, ضدا على الحركات التحررية من المغرب العربي, وليتسنى للقارئ أو الباحث الإحاطة بأهم المعطيات والأحداث العسكرية التي كانت شعوب المغرب العربي تواجهها من أجل الحفاظ على استقلالها ومواصلة الكفاح لاستكمال وحدتها الترابية. وهنا يجب التذكير بأطماع الاستعمار الفرنسي للسيطرة على جميع المناطق الصحراوية، ليجعل منها منطقة تابعة للسيادة الفرنسية. والتأكيد اعتمادا على المصادر الفرنسية والاسبانية ,أن تلك الأطماع لم تكن مجرد نظريات أو تخمينات, بل كانت تنطلق من عمليات استراتيجية عسكرية وديبلوماسية.
1 - بتاريخ 8 فبراير 1958 هجم سلاح الطيران الفرنسي على قرية ساقية سيدي يوسف بتونس,حيث توجد قواعد عسكرية لجبهة التحرير الجزائرية, هجوم خلف خسائر بشرية ومادية فادحة، فأثار الهجوم الغادر استنكار الرأي العام الدولي، وكان المغرب بالطبع في طليعة من أدانوا تلك العملية الوحشية المدبرة، لكن المهم من هذا الحدث الشنيع هو إظهار عزم الجيش الفرنسي في الجزائر, الذي كان يتصرف باستقلال عن حكومته المركزية بباريس، على توجيه ضرباته التخريبية إلى كل من تونس والمغرب، نظرا لمساندة القطرين لجبهة التحرير في كفاحها ضد الاحتلال. كما تبين للرأي العام الدولي أنه بدون تحرير الجزائر، فمن المحتمل أن تمتد الحرب إلى كل من تونس والمغرب وتشمل الاقطار الثلاثة, الأمر الذي سيتولد عنه وضع خطير في البحر المتوسط.
2 - وبتاريخ 10 فبراير 1958، أي يومين بعد الهجوم على ساقية سيدي يوسف وقع هجوم من طرف الجيش الفرنسي والجيش الاسباني على وحدات الجيش
المغربي، في كل من وادي الذهب والساقية الحمراء، وذلك بمقتضى حلف عسكري سري أبرز بين قادة الجيش الفرنسي وقيادة الجيش الاسباني. جيش التحرير استطاع منذ سنة 1955 أن يحرر الصحراء المغربية بأجمعها، حتى اضطر الإسبانيون الى الاحتفاظ بالعيون والداخلة فقط. أما الجيش الفرنسي فكان يرى في احتلال جيش التحرير لمجموع الصحراء (الغربية) خطراً على شمال موريطانيا، وبالأخص على قاعدة تيندوف. الأمر الذي كان يخشاه الجيش الفرنسي، هو أن تصبح هذه المنطقة من الصحراء المحررة واجهة جديدة تصبح في متناول جيش التحرير الجزائري.
وكثيراً ما يقال إن هذه العملية المشتركة بين المستعمرين، الفرنسي والإسباني، تسمى بعملية «إيكوميون». والحقيقة أن العملية العسكرية كانت تحمل اسم «أورگان». والجزء منها الذي قام بتنفيذه الجيش الفرنسي انطلاقاً من جنوب الصحراء هو الذي أطلق عليه اسم «إيكوميون». أما الجزء الذي وُكل إلى الجيش الإسباني، انطلاقاً من الساقية الحمراء فكان يُدعى بعملية «تايدي».
وليس المجال هنا لوصف هذه العملية العسكرية بكل ما يلزم من دقة، لكن الأمر الذي يجب إبرازه هو أن الجيش الفرنسي كان يخشى أن تصبح الصحراء (الغربية) قاعدة جديدة، في إمكان جيش التحرير الجزائري استعمالها لفتح واجهة جديدة في الجنوب الصحراوي. لذلك تدخل الجيش الفرنسي بكيفية مكثفة وأباح للجيش الإسباني أن يسترجع احتلاله على أهم مناطق الصحراء المغربية.
3 والعامل الثالث الذي كان يُلفت الأنظار، أثناء انعقاد مؤتمر طنجة، هو الهيجان السائد في الجزائر. إذ أصبحت الجالية الفرنسية وبمساندة جيش الاحتلال تعتبر نفسها في شبه استقلال بالنسبة لحكومة باريس، التي كان الغلاة الفرنسيون يتهمونها بالتخاذل والخيانة. فيما يرجع لمستقبل الجزائر. وعلى أي حال، تبين بعد مرور أسبوعين على مؤتمر طنجة، إن الجمهورية الرابعة الفرنسية انتهى أجلها وجاء الجنرال دوكول في أواخر ماي 1958 بضغط من الجالية والجيش الفرنسي في الجزائر.
وهكذا دخلت حركة التحرير الجزائرية ومجموع أقطار المغرب العربي، مرحلة جديدة في كفاحها.
إذن انعقد المؤتمر (مؤتمر طنجة) في الظروف الداخلية والخارجية التي أشرت الى بعض الجوانب منها. في جلسة الافتتاح، فوجئنا بمبادرة من السيد باهي الأدغم، الذي اقترح باسم الوفد التونسي أن تسند رئاسة المؤتمر وتسيير جلساته الى علال الفاسي. فكان الإجماع على المقترح التونسي.. وهنا تجب الإشارة إلى أن الحاج أحمد بلافريج لم يلتحق بالوفد المغربي إلا في جلسة الختام.
استمرت الجلسات طيلة ثلاثة أيام في جو من الصفاء والشعور بخطورة المسؤولية لا بالنسبة لماضي المغرب العربي، ولكن أساساً بالنسبة إلى المستقبل.
أما أهم القرارات التي اتُفق عليها بالإجماع، والتي أعلن عنها أثناء ندوة صحفية، يوم اختتام المؤتمر، فهي تتلخص في النقط التالية:
1 حق الشعب الجزائري في استرجاع سيادته الكاملة وإعلان الاستقلال. والتزام الشعبين التونسي والمغربي وحكومتهما إزاء الجزائر المجاهدة، ببذل المساعدة الكاملة، ماديا وماليا وديبلوماسيا إلى نهاية التحرر من الوجود الاستعماري في هذه المنطقة من المغرب العربي.
2 قررت الأطراف المشاركة في المؤتمر أن تؤسس في أقرب وقت حكومة جزائرية مؤقتة، وذلك باستشارة مع كل من المغرب وتونس، لتكون هذه الهيئة المؤسسة الشرعية الناطقة باسم الشعب الجزائري.
3 يندد المؤتمر بالمساعدات المالية والعسكرية التي يتوصل بها الاستعمار الفرنسي من طرف بعض الدول الغربية، وخاصة منها دول الحلف الأطلسي، ويوجه المؤتمر إنذاراً لهذه الدول مفاده أن المغرب وتونس لا يمكنهما أن لا يقوما بردود الفعل اللازمة، إزاء هذا التصرف العدواني.
4 يقرر المؤتمر أنه حان الوقت للعمل على تشييد أسس المغرب العربي الكبير، وفقاً للأماني المشتركة لكافة شعوب الأقطار الثلاثة. ويعتبر المؤتمر أن الوحدة المنشودة من الممكن أن تكون على شكل فيدرالي، اعتباراً للمعطيات الخاصة التي يتسم بها كل قطر من الأقطار الثلاثة.
5 وفي هذا الصدد، وفي انتظار أن تتحرر الجزائر من الاحتلال الأجنبي، يوصي المؤتمر بتأسيس مجلس استشاري للمغرب العربي، يضم أعضاء من المجالس الوطنية في كل من تونس والمغرب، وأعضاء من مجلس الثورة الجزائري.
وتكون مهمة هذه المؤسسة المشتركة دراسة القضايا المتعلقة بوحدة المغرب العربي، من النواحي الاقتصادية والثقافية والبشرية، واتخاذ مراقب في شكل ملتمسات وتوصيات توجه إلى حكومات الأقطار الثلاثة، وبالجملة يكون دور هذه المؤسسة القيام بكل أشكال الدراسات اللازمة، والعمل على تعميق الوعي لدى شعوب المنطقة بالأخبار والمداولات العلنية والحرص على السير في طريق الوحدة بفعالية ومسؤولية.
5 تأسيس كتابة دائمة لمؤتمر المغرب العربي, مهمتها العمل على تطبيق المقررات السابقة، وتنسيق العمل بين الأحزاب الثلاثة والدعوة، إن اقتضى الحال إلى عقد اجتماع كلما اقتضت ذلك الظروف الداخلية والخارجية.
وطبقا لهذه المقررات، شكلت ثلاثة وفود مشتركة لتبلغ نتائج المؤتمر، الى كل من جلالة الملك محمد الخامس، والرئيس الحبيب بورقيبة وجلالة الملك ادريس السنوسي بليبيا.
وكان السيد بوصوف هو المكلف برئاسة الوفد الذي اقتبل من طرف جلالة محمد الخامس, وكان الاستقبال حارا من طرف العاهل المغربي، حيث أكد بصفة خاصة ضرورة تأسيس حكومة جزائرية مؤقتة، تكون الناطق باسم الشعب الجزائري في المحافل الدولية، كما أعطى الأمر بتقديم مساعدة مالية لجبهة التحرير الجزائرية، كأول دعم مادي للثورة التحريرية.
واسند للمهدي بن بركة رئاسة الوفد الذي قدم نتائج المؤتمر الى الملك ادريس السنوسي.
تلك هي القرارات التي أعلن عنها عند انتهاء المؤتمر، لكن الجلسات تناولت مواضيع أخرى دون أن يتخذ فيها قرار أو توجيه.
فالوفد المغربي طرح نوعية العلاقات التجارية والاقتصادية مع أقطار السوق الأوربية المشتركة. وكانت سنة 1958، سنة الدخول في حيز التطبيق لمعاهدة الدول الأوربية الست، فاقترح الوفد المغربي تأسيس لجنة خاصة لدراسة الموضوع، واقتراح خطة مشتركة, على الأقل بين تونس والمغرب إزاء دول السوق الأوربية المشتركة .وفي نهاية الأمر تبين أن الموضوع يتطلب وقتا لدراسة علاقات كل طرف من الأطراف المغربية إزاء الأقطار الأوربية وخاصة منها فرنسا.
كما طرح الوفد إنشاء مؤسسة مشتركة لتنسيق تسويق منتوجاتنا إلى الخارج، وبالأخص منها الفلاحية والمعدنية والبحرية، بدلا من أن تستمر المنافسات بين هذه المنتوجات التي يستفيد منها أرباب المصالح الأوربية على حسابنا.
وأخيرا تقدم الوفد المغربي باقتراح يرمي إلى اتخاذ قرار يتعلق بإنشاء وحدة جمركية، تضم الأقطار الثلاثة، على أن يتدرج المشروع على عدة مراحل فيما يخص البضائع، وفيما يخص الزمن، حيث ذكر الوفد المغربي عدة بضائع مغربية يمكنها أن تباع في السوق التونسية، وفيما بعد في السوق الجزائرية، وكذلك الأمر فيما يتعلق ببعض المنتوجات أو البضائع التونسية أو الجزائرية بالنسبة للسوق المغربية.
كل هذه المقترحات كانت ترمي إلى تمتين روابط التعاون بطرق تدرجية واقعية، تأخذ بعين الاعتبار المعطيات الخاصة لكل قطر، لتكون في نهايتها هادفة إلى انشاء منطقة تعاون متضامن في الميدان الاقتصادي والتجاري، حتى تصبح لوحدة المغرب العربي أسس صلبة تتطور بحسب الظروف مع تطور الزمن.
لكن بعد مداولات صريحة, تغلب الرأي الذي كان يقول بإرجاء البت في كل هذه القضايا والمقترحات إلى لقاءات قادمة...
تلك كانت نظرتنا، نحن في المغرب الى المنهج الذي كان يجب سلوكه لبناء صرح المغرب العربي الموحد. وهي نظرة تتسم في رأينا بالواقعية، واعتبار العقبات الظرفية أو المحلية، ولكنها جادة في سيرها الى الأمام، تجعلنا نتغلب بأكثر فعالية على رواسب الاستعمار في الداخل، ونستطيع أن نوجه كذلك، بأكثر فعالية وبعمل منسق متواصل علاقاتنا مع الخارج، أعني مع الدول الصناعية.
ماذا يمكن القول اليوم وقد مرت 25 سنة على مؤتمر طنجة؟ الجواب واضح: كل الإلتزامات التي تعهدت بها الأطراف ظلت حبرا على ورق. بل أصبح التوتر بين أقطار المغرب العربي على أشده، خاصة منذ سنة 1974.
كانت اطماع الاستعمار الفرنسي، سنة 1958، تهدف إلى الاحتفاظ بالسيطرة على كل المناطق الصحراوية، شرقا وغربا، وسعت فرنسا للتفرقة بيننا، كأقطار مجاورة. وفشلت هذه المساعي بتنسيق العمل ووحدة الرأي ، وإعطاء الأولوية لقضية الشعب الجزائري المجاهد. هذا ما يشهد عليه التاريخ وكنا نأمل, بل نريد أن يحول المخطط الاستعماري الى مخطط يجمع شعوب المغرب العربي لتصبح المناطق الصحراوية وخيراتها المادية و البشرية مناطق استغلال مشترك، يكون ركنا أساسيا لبناء المغرب العربي، كل ذلك في إطار احترام السيادة الوطنية لكل طرف من الأطراف.
كل ذلك لم يكن, وهذا هو الواقع الملموس والذي يؤسف له. فالمناطق الصحراوية، بدلا من أن تجمع بيننا، تحولت إلى عامل التفرقة والمواجهة الحادة الخطيرة.نحن في الاتحاد الاشتراكي، نقول، ومازلنا نقول ذلك، أنه لو تأسس مثلا المجلس الاستشاري للمغرب العربي, كما تقرر ذلك في مؤتمر طنجة، وأصبح يباشر مهامه في تخطيط مراحل البناء المشترك، وتدليل العقبات، والتغلب على عوامل الخلط والتقييم الخاطئ،لكنا استطعنا أن نتجنب حرب الرمال سنة 1963، وقضية الصحراء التي أثيرت على الشكل المعروف سنة 1974، ولكانت شعوب المغرب العربي قد استطاعت أن تتبع الأحداث وتطوراتها من خلال مداولات هذا المجلس وتكون لها سلطة القرار إزاء الأجهزة الحاكمة.
إن لكل طرف من الأطراف مسؤولياته الخاصة، إزاء شعوب المغرب العربي، بمن فيهم سكان المناطق الصحراوية. لكن التعبير اليوم عن مشاعر الأسف والحسرة لا يفيد في شيء، لتجديد العزم - إن كان هناك عزم - لتلافي الأخطاء.
إذا كانت ذكرى مؤتمر طنجة مفيدة، حيث تجعلنا نقيم الوضع الجديد, فإن الفائدة كل الفائدة المؤملة هي أن تدفعنا هذه الذكرى جميعا في انطلاقة جديدة خالصة لأداء الرسالة ا لمنوطة بنا في صدق وأمانة وواقعية، وذلك بالتخلي عن روح الهيمنة و«الوطنية» الضيقة.
وهكذا دخلت حركة التحرير الجزائرية ومجموع أقطار المغرب العربي، مرحلة جديدة في كفاحها.
إذن انعقد المؤتمر (مؤتمر طنجة) في الظروف الداخلية والخارجية التي أشرت الى بعض الجوانب منها. في جلسة الافتتاح، فوجئنا بمبادرة من السيد باهي الأدغم، الذي اقترح باسم الوفد التونسي أن تسند رئاسة المؤتمر وتسيير جلساته الى علال الفاسي. فكان الإجماع على المقترح التونسي.. وهنا تجب الإشارة إلى أن الحاج أحمد بلافريج لم يلتحق بالوفد المغربي إلا في جلسة الختام.
استمرت الجلسات طيلة ثلاثة أيام في جو من الصفاء والشعور بخطورة المسؤولية لا بالنسبة لماضي المغرب العربي، ولكن أساساً بالنسبة إلى المستقبل.
أما أهم القرارات التي اتُفق عليها بالإجماع، والتي أعلن عنها أثناء ندوة صحفية، يوم اختتام المؤتمر، فهي تتلخص في النقط التالية:
1 حق الشعب الجزائري في استرجاع سيادته الكاملة وإعلان الاستقلال. والتزام الشعبين التونسي والمغربي وحكومتهما إزاء الجزائر المجاهدة، ببذل المساعدة الكاملة، ماديا وماليا وديبلوماسيا إلى نهاية التحرر من الوجود الاستعماري في هذه المنطقة من المغرب العربي.
2 قررت الأطراف المشاركة في المؤتمر أن تؤسس في أقرب وقت حكومة جزائرية مؤقتة، وذلك باستشارة مع كل من المغرب وتونس، لتكون هذه الهيئة المؤسسة الشرعية الناطقة باسم الشعب الجزائري.
3 يندد المؤتمر بالمساعدات المالية والعسكرية التي يتوصل بها الاستعمار الفرنسي من طرف بعض الدول الغربية، وخاصة منها دول الحلف الأطلسي، ويوجه المؤتمر إنذاراً لهذه الدول مفاده أن المغرب وتونس لا يمكنهما أن لا يقوما بردود الفعل اللازمة، إزاء هذا التصرف العدواني.
4 يقرر المؤتمر أنه حان الوقت للعمل على تشييد أسس المغرب العربي الكبير، وفقاً للأماني المشتركة لكافة شعوب الأقطار الثلاثة. ويعتبر المؤتمر أن الوحدة المنشودة من الممكن أن تكون على شكل فيدرالي، اعتباراً للمعطيات الخاصة التي يتسم بها كل قطر من الأقطار الثلاثة.
5 وفي هذا الصدد، وفي انتظار أن تتحرر الجزائر من الاحتلال الأجنبي، يوصي المؤتمر بتأسيس مجلس استشاري للمغرب العربي، يضم أعضاء من المجالس الوطنية في كل من تونس والمغرب، وأعضاء من مجلس الثورة الجزائري.
وتكون مهمة هذه المؤسسة المشتركة دراسة القضايا المتعلقة بوحدة المغرب العربي، من النواحي الاقتصادية والثقافية والبشرية، واتخاذ مراقب في شكل ملتمسات وتوصيات توجه إلى حكومات الأقطار الثلاثة، وبالجملة يكون دور هذه المؤسسة القيام بكل أشكال الدراسات اللازمة، والعمل على تعميق الوعي لدى شعوب المنطقة بالأخبار والمداولات العلنية والحرص على السير في طريق الوحدة بفعالية ومسؤولية.
6 تأسيس كتابة دائمة لمؤتمر المغرب العربي, مهمتها العمل على تطبيق المقررات السابقة، وتنسيق العمل بين الأحزاب الثلاثة والدعوة، إن اقتضى الحال إلى عقد اجتماع كلما اقتضت ذلك الظروف الداخلية والخارجية.
وطبقا لهذه المقررات، شكلت ثلاثة وفود مشتركة لتبلغ نتائج المؤتمر، الى كل من جلالة الملك محمد الخامس، والرئيس الحبيب بورقيبة وجلالة الملك ادريس السنوسي بليبيا.
وكان السيد بوصوف هو المكلف برئاسة الوفد الذي اقتبل من طرف جلالة محمد الخامس, وكان الاستقبال حارا من طرف العاهل المغربي، حيث أكد بصفة خاصة ضرورة تأسيس حكومة جزائرية مؤقتة، تكون الناطق باسم الشعب الجزائري في المحافل الدولية، كما أعطى الأمر بتقديم مساعدة مالية لجبهة التحرير الجزائرية، كأول دعم مادي للثورة التحريرية.
واسند للمهدي بن بركة رئاسة الوفد الذي قدم نتائج المؤتمر الى الملك ادريس السنوسي.
تلك هي القرارات التي أعلن عنها عند انتهاء المؤتمر، لكن الجلسات تناولت مواضيع أخرى دون أن يتخذ فيها قرار أو توجيه.
فالوفد المغربي طرح نوعية العلاقات التجارية والاقتصادية مع أقطار السوق الأوربية المشتركة. وكانت سنة 1958، سنة الدخول في حيز التطبيق لمعاهدة الدول الأوربية الست، فاقترح الوفد المغربي تأسيس لجنة خاصة لدراسة الموضوع، واقتراح خطة مشتركة, على الأقل بين تونس والمغرب إزاء دول السوق الأوربية المشتركة .وفي نهاية الأمر تبين أن الموضوع يتطلب وقتا لدراسة علاقات كل طرف من الأطراف المغربية إزاء الأقطار الأوربية وخاصة منها فرنسا.
كما طرح الوفد إنشاء مؤسسة مشتركة لتنسيق تسويق منتوجاتنا إلى الخارج، وبالأخص منها الفلاحية والمعدنية والبحرية، بدلا من أن تستمر المنافسات بين هذه المنتوجات التي يستفيد منها أرباب المصالح الأوربية على حسابنا.
وأخيرا تقدم الوفد المغربي باقتراح يرمي إلى اتخاذ قرار يتعلق بإنشاء وحدة جمركية، تضم الأقطار الثلاثة، على أن يتدرج المشروع على عدة مراحل فيما يخص البضائع، وفيما يخص الزمن، حيث ذكر الوفد المغربي عدة بضائع مغربية يمكنها أن تباع في السوق التونسية، وفيما بعد في السوق الجزائرية، وكذلك الأمر فيما يتعلق ببعض المنتوجات أو البضائع التونسية أو الجزائرية بالنسبة للسوق المغربية.
كل هذه المقترحات كانت ترمي إلى تمتين روابط التعاون بطرق تدرجية واقعية، تأخذ بعين الاعتبار المعطيات الخاصة لكل قطر، لتكون في نهايتها هادفة إلى انشاء منطقة تعاون متضامن في الميدان الاقتصادي والتجاري، حتى تصبح لوحدة المغرب العربي أسس صلبة تتطور بحسب الظروف مع تطور الزمن.
لكن بعد مداولات صريحة, تغلب الرأي الذي كان يقول بإرجاء البت في كل هذه القضايا والمقترحات إلى لقاءات قادمة...
تلك كانت نظرتنا، نحن في المغرب الى المنهج الذي كان يجب سلوكه لبناء صرح المغرب العربي الموحد. وهي نظرة تتسم في رأينا بالواقعية، واعتبار العقبات الظرفية أو المحلية، ولكنها جادة في سيرها الى الأمام، تجعلنا نتغلب بأكثر فعالية على رواسب الاستعمار في الداخل، ونستطيع أن نوجه كذلك، بأكثر فعالية وبعمل منسق متواصل علاقاتنا مع الخارج، أعني مع الدول الصناعية.
ماذا يمكن القول اليوم وقد مرت 25 سنة على مؤتمر طنجة؟ الجواب واضح: كل الإلتزامات التي تعهدت بها الأطراف ظلت حبرا على ورق. بل أصبح التوتر بين أقطار المغرب العربي على أشده، خاصة منذ سنة 1974.
كانت اطماع الاستعمار الفرنسي، سنة 1958، تهدف إلى الاحتفاظ بالسيطرة على كل المناطق الصحراوية، شرقا وغربا، وسعت فرنسا للتفرقة بيننا، كأقطار مجاورة. وفشلت هذه المساعي بتنسيق العمل ووحدة الرأي ، وإعطاء الأولوية لقضية الشعب الجزائري المجاهد. هذا ما يشهد عليه التاريخ وكنا نأمل, بل نريد أن يحول المخطط الاستعماري الى مخطط يجمع شعوب المغرب العربي لتصبح المناطق الصحراوية وخيراتها المادية و البشرية مناطق استغلال مشترك، يكون ركنا أساسيا لبناء المغرب العربي، كل ذلك في إطار احترام السيادة الوطنية لكل طرف من الأطراف.
كل ذلك لم يكن, وهذا هو الواقع الملموس والذي يؤسف له. فالمناطق الصحراوية، بدلا من أن تجمع بيننا، تحولت إلى عامل التفرقة والمواجهة الحادة الخطيرة. نحن في الاتحاد الاشتراكي، نقول، ومازلنا نقول ذلك، أنه لو تأسس مثلا المجلس الاستشاري للمغرب العربي, كما تقرر ذلك في مؤتمر طنجة، وأصبح يباشر مهامه في تخطيط مراحل البناء المشترك، وتدليل العقبات، والتغلب على عوامل الخلط والتقييم الخاطئ،لكنا استطعنا أن نتجنب حرب الرمال سنة 1963، وقضية الصحراء التي أثيرت على الشكل المعروف سنة 1974، ولكانت شعوب المغرب العربي قد استطاعت أن تتبع الأحداث وتطوراتها من خلال مداولات هذا المجلس وتكون لها سلطة القرار إزاء الأجهزة الحاكمة.
إن لكل طرف من الأطراف مسؤولياته الخاصة، إزاء شعوب المغرب العربي، بمن فيهم سكان المناطق الصحراوية. لكن التعبير اليوم عن مشاعر الأسف والحسرة لا يفيد في شيء، لتجديد العزم - إن كان هناك عزم - لتلافي الأخطاء.
إذا كانت ذكرى مؤتمر طنجة مفيدة، حيث تجعلنا نقيم الوضع الجديد, فإن الفائدة كل الفائدة المؤملة هي أن تدفعنا هذه الذكرى جميعا في انطلاقة جديدة خالصة لأداء الرسالة المنوطة بنا في صدق وأمانة وواقعية، وذلك بالتخلي عن روح الهيمنة و«الوطنية» الضيقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.