احتضنت المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير, التابعة لجامعة الحسن الأول بسطات, ندوة حول «الوضع السياسي الراهن بعد الإصلاحات الدستورية» وذلك مساء يوم الأربعاء 28 دجنبر 2011. وقد قدمت الطالبة هاجر مكري كلمة باسم طالبات وطلبة هذه المؤسسة، في حين نشط اللقاء الأستاذ جمال الحطابي، الذي ركز في أسئلته الموجهة إلى الضيفين، على ثلاثة محاور أساسية أطرت النقاش، ويتعلق الأمر بالديمقراطية وسؤال الساعة. المواطن، خاصة الشباب والطرق الجديدة للتعبير، والتأطير السياسي والدور الجديد للأحزاب السياسية.وقد تميزت هذه الندوة بتفاعل طلبة وطالبات المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير، ,حيث أبدوا وجهات نظرهم وطرحوا أسئلتهم فيما يتعلق بالمستجدات وواقع الحال الذي شهده مغرب اليوم،و أبانوا عن دراية ووعي كاملين بالحياة السياسية والحزبية. نبه عبد الحميد اجماهري إلى أن طرح سؤال الديمقراطية في المغرب يجب أن يعفينا من استحضار التاريخ، وكشف عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية, الذي كان يتحدث أمام طلبة المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير التابعة لجامعة الحسن الأول بسطات يوم الأربعاء 28 دجنبر 2011، إن الحركة الوطنية التي ناضلت من أجل استقلال المغرب، وجدت نفسها خارج دائرة الحكم مباشرة بعد الاستقلال، وهو ما شكل مفارقة غريبة. وأشار إلى أن الخطيئة الأولى التي ارتكبت تمثلت في تحالف القصر مع الجيش لمحاربة المقاومة وجيش التحرير والحركة الوطنية عموما للانفراد ببناء الدولة، لكن في المرحلة الثانية سجل اجماهري التناقض الذي حصل بين القصر والجيش، والحصيلة وقوع انقلابين, لتليهما محطة ثانية استغنت فيها الدولة المركزية عن التحالف مع الجيش، ولجأت إلى صناعة أحزاب إدارية. لتكون امتدادا لها في الصراع مع قوى اليسار وعلى رأسه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، هو المسلسل, يرى القيادي الاتحادي, الذي سيفضي إلى صراع قوي بين الدولة والإدارة إلى غاية التسعينات، حيث بدأ الحديث عن دورة ثانية في الحياة السياسية، هذا المعطى كان من ورائه أساسا العنصر الداخلي، ثم العنصر الخارجي المتمثل في سقوط جدار برلين، الذي يقاس اليوم بالربيع العربي، أدى إلى بداية مسلسل الانفراج السياسي. وبذلك يقول عبد الحميد اجماهري، فإن أهم درس يمكن استخلاصه، هو أن المغرب لم يقع في الاستحالة السياسية السلمية, وتجسد ذلك من خلال الانفراج، وهوامش الممارسة الديمقراطية، هذه الدورة بنيت على التوافق، الذي يرى أنها استنفدت مهمتها قبل سنة 2007 حيث اتسمت هذه المرحلة ببروز كل عناصر التوجس السياسي وغياب الثقة بين المواطن والمجتمع السياسي، وكذلك الانفصام بين القرار الانتخابي والقرار السياسي، وأيضا خروج 10 ملايين مواطن من دائرة الفعل السياسي، إذ نظر المغاربة إلى السياسة كونها تمارس حين لا توجد السياسة من خلال العديد من الفضاءات سواء في البرلمان, حكومة الظل، وغير ذلك. ومع مجيء الربيع العربي، حركة 20 فبراير, يقول اجماهري, بدأ الطلب على الإصلاحات السياسية، فبرزت العديد من المطالب، كالمطالبة بالملكية البرلمانية، فصل السلطة السياسية عن السلطة الاقتصادية، المطالبة بالحرية والكرامة ومحاربة »»الحكرة» إلى غير ذلك من القيم، كل ذلك يأتي بالموازاة مع خطاب لدى السياسيين، الذين في نظرهم أن السياسة لا تحتاج إلى جرأة أو أخلاق، واعتبر أن المهم في المسلسل هو إطلاق المسلسل نفسه والخلاصة.و كجواب عن محور الديمقراطية وسؤال الساعة، يجيب الجماهري بالتأكيد أننا أبعد عن المواجهات الدموية، والبحث عن قواعد اللعبة الواضحة، قبله البعض واعترض عليه البعض الآخر، لقد دخلنا إلى منطق سقفه عال, ومن ثمة لا يمكن العودة إلى الوراء مستقبلا. وفي خضم أجوبته عن الأسئلة المرتبطة بالمواطن، خاصة الشباب وطرق التعبير الجديدة قال, إن الشعوب التي تؤمن بحرارة شبابها تموت من الصقيع، مبرزا أنه يجب أن نملك ما يمكن من التواضع لهذا الشباب الذي قام بهذا الحرك الاجتماعي. لقد كان ناضجا أكثر من عتاة المعارضين، وذكر بأول ندوة صحفية نظمتها حركة 20 فبراير، حيث تحدث فيها بنعمرو وكشف النضج التي تضمنته الأرضية السياسية التي دافعت على إقرار الملكية البرلمانية، وتسمية الأسماء بمسمياتها، وحينما تعلق الأمر ببنود الدستور، قال إن الأحزاب الديمقراطية والتقدمية الحقيقية في البلاد هي التي من مسؤوليتها هذا الأمر، وبالتالي لابد من الإشادة بهذا النضج في هذه المرحلة الصعبة، وذكر بأن الشباب يعيد الشعوب إلى التاريخ، فهو يتمثل نماذج، ويجب ألا نؤجل الحياة ببساطة، إذ لا يمكن تأجيل ما لا يمكن تأجيله، فالشباب من خلال هذا الحراك أسقط ثلاثة طابوهات، إذ إلى حدود 2011، كان يدعي أن الشباب لا يهمه إلا العمل، كما أكدت ذلك الدراسات الوطنية أو الدوليةواستطلاعات الرأي، فالعكس هو الذي حصل، إذ آمن الشباب بأن الشغل يأتي عن طريق السياسة, كما رفع شعار الكرامة والإصلاحات السياسية والدستورية وشدد على أهمية شرط الانتخابات في التغيير، فالشعب كان هو مصدر السيادة، والشباب هو مصدر لها أيضا، ويجب أن يمارسها، لأنها ضرورة لرسم السياسة العامة، كما طالب بضرورة تكثيف الجهود بين المناضلين التقدميين وعموم الشباب الذين يحبون بلدهم، وكذلك المجتمع المدني، على أساس انضاج الشرط الديمقراطي النهائي، فمن العبث أن يمر نصف قرن وأكثر على استقلال المغرب دون أن نتفق على قواعد اللعب. وهو ما يتجلى في النقاش كل مرة حول نمط الاقتراع وغيره، في حين تعتمد البلدان الديمقراطية نموذجا وتمارسه في انتظار حلول دورة أخرى جديدة، صحيح يقول الجماهري أن نسبة المشاركة تعدت 45%، لكن الحذر مازال يقارب 60%، وبالتالي هناك مجهود يجب أن يقوم به المجتمع للخروج من هذا الحذر. ليس دفاعا عن الدولة, بل دفاعا عن التاريخ لكي يتطور. والدولة عليها أيضا أن تعي ذلك وترشد عقلنة التاريخ أو تلعب دور الفرملة وهو يعني طرح سؤال هل الدولة بمركز واحد أو أكثر. وذكر أيضا بالتراكمات التي عرفها المغرب للوصول إلى هذه المحطة، حيث تم اغتيال واختطاف المناضلين ورميهم في السجون. واستمر هذا الوضع إلى سنة 1975. واستنكر اجماهري الهجمات الشرسة التي تقودها بعض الصحف المستقلة والتشهير بالشهداء كالشهيد عمر بنجلون، وبالتالي فهناك حملة ادعائية من جل تخريب حزب الاتحاد الاشتراكي. ورأى أن من شروط روح السياسة فتح نقاش عمومي داخل الإعلام السمعي البصري، الذي دعا إلى إعطائه الحرية الكاملة، كل ذلك من أجل الدفع بسمو الأفكار عوض النميمة لصنع الرأي العام. كل ذلك من أجل الدفاع عن التعددية والحفاظ على المصداقية للعبة السياسية، وذكر أيضا بالسياق الذي رفع فيه الاتحاد الاشتراكي مذكرته إلى جلالة الملك، وما صاحب ذلك من تشهير ضد الحزب رغم أن الاتحاد دق جميع أبواب الأحزاب بدون استثناء لتكون هذه المذكرة مشتركة، دون أن يستجيب أي أحد إلى هذا المطلب, متهمين الاتحاد أنه يبحث عن مقاعد إضافية ويريد لي يد الملك. وحدد اجماهري الخطايا الكبرى للاحزاب السياسية المغربية، منها طغيان الاستراتيجية الفردية التي تنال من الاستراتيجية العامة، الانفصام مع فئات المجتمع, غياب الطرق التواصلية، غياب لغة جديدة متبناة تتماشى والظروف الحالية، عدم تجديد النخب مما ادى الى اختناق بين الاجيال، سيادة الخلط واللجوء الى الماضي. محمد الساسي القيادي في حزب اليسار الاشتراكي الموحد, ذكر في مداخلته بالقواعد الديمقراطية المحسوم فيها. والمتمثلة في السيادة الشعبية، التي هي انتصار للانسان بدون وصاية طبقا للمادة 21 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان، القاعدة الثانية هي فصل السلطات، القاعدة الثالثة التمثيل النيابي الدوري, القاعدة الأخيرة تتمثل في ضمان حقوق الانسان والحريات العامة بمفهومها الكوني. وفي الحالة المغربية يقول الساسي تنتفي هذه القواعد. ومع ذلك يرى ان هذا لا يعني ان المغرب بلد ديكتاتوري. بل هو في الحالة بين الديمقراطية والديكتاتورية. سواء من خلال الدستور السابق او الدستور الحالي. مذكرا أن الملكية لا يمكن أن تكون ديمقراطية. الا بكونها برلمانية. وسلطة الملك يجب ان تمكن المنتخبين من ممارسة سلطاتهم، اذ ان خارج اللعبة السياسية ليس للملك برنامج، وهو ما موجود في الانظمة الديمقراطية, يمكن ان يتدخل حينما تكون هناك ازمات اجتماعية فيعلن عن انتخابات جديدة. وقال ان في الحالة المغربية اليوم. الملك يتدخل في هيكلة الحكومة التي جاء بها عبد الاله بنكيران كما عرج في مداخلته على ان الشعب في العالم العربي خرج للمطالبة بالديمقراطية بدون تقسيط، معترفا ان حركة 20 فبراير مازالت نخبوية. مطالبا بضرورة ان نكون مثل باقي الشعوب. ونريد ديمقراطية كاملة. هذه الديمقراطية التي تم تعليقها لسنوات مما أدى الى الفساد وعن عزوف الشباب، أشار الى أنه برز في المغرب ما يسمى بالحزب الالكتروني, هذا العزوف الذي يتردد أكثر من مرة ينطلق من غياب المشاركة الانتخابية، على اعتبار كما يرون ان الطريقة الوحيدة للممارسة السياسية تمر عبر الممارسة الانتخابية. لكن الحقيقة ان الشباب المغربي كان يمارس السياسة، وأعطى مثالا لما كان حاصلا في الشبيبة الاتحادية حينما كان كاتبا عاما لها، وكذلك في عهد عبد الهادي خيرات أول كاتب عام للشبيبة الاتحادية في منتصف السبعينات. حيث كانت هذه المشاركة اكثر. لكن الشباب المغربي عرف ثلاثة هجرات. هجرة الى المجتمع المدني عوض الالتحاق بالاحزاب السياسية. للدفاع عن قضايا محددة وملموسة. خدمة لقيم سياسية, سواء في المجال الحقوقي او النسائي او غير ذلك خاصة اطر اليسار. ومجموعة اخري التحقت بالحركات الاسلامية على اختلاف انواعها. على اعتبار ان السياسة اصبحت وسخة واصبحت هذه الفئة متعلقة بالزعيم الروحي على اساس انه المنقذ من الضلال. والبحث عن الحلول للمشاكل المستعصية في الماضي. الهجرة الثالثة. هي الهجرة الى الانترنيت, ونجد ان الشباب ينتقد النخب والممارسة في البيت العنكبوتي عوض البيت الحزبي لما يوفره من امكانيات لابداء وجهات النظر. وذكر ايضا بالخطاب الملكي ل9 مارس، الذي جعل حركة 20 فبراير تطالب بضمانات عوض زعماء الاحزاب السياسية, ومن ثمة يقول خرج الشباب الى الشارع لممارسة السياسة بطريقة اخرى ولم يعد يقتصر الامر على ممارستها من خلال الحلبات المعروفة. وهو المعطى الذي جعل الدولة تتنازل وتقوم بإصلاحات سياسية ودستورية. لكن رأى انها تراجعت إلى الوراء لتفادي هذه الموجة. وبعد خفوت حركة 20 فبراير عادت الدولة الى ممارستها. وعينت الهمة مستشارا للملك، وذكر ان التاريخ يمشي بصفة خطية وفي بعض المرات تكون هناك طفرة. وهو ما نعيشه اليوم بعد احراق البوعزيزي لنفسه، وعلينا ان نتمثل الزمن السياسي الجديد واذا لم نتمثل ذلك سنكون محافظين، فالتقدميون يفهمون ذلك، واعطي مثالا بخصوص ترتيب المغرب في التنمية البشرية. الذي جعل المغرب الى جانب الصومال، أما في المؤشرات الخاصة بالتنمية السياسية. فكنا متقدمين على تونس، مع ذلك نتساءل ماذا يكون وضعنا اذا نجح الانتقال في تونس ومصر وليبيا. اين سيكون موقعنا, مشيرا الى أن المغرب كان دائما يقوم باصلاحات، لكن دون ان تكتمل هذه الاصلاحات، وفي هذه اللحظة اما علينا ان نكمل ذلك او نكون في ذيل الدول العربية, كما تطرق الى الاحزاب المؤسساتية واحزاب الشارع، مؤكدا ان الزمن السياسي الجديد يتطلب عقلية جديدة، وبخصوص الحركة الحزبية قال بشأنها انها نشأت في خضم النضال الوطني من اجل تحرير البلاد سنة 1956 الا انه لاحظ ان أول دستور في المغرب كان سنة 1962 متسائلا لماذا هذا التأخير. ويرد على ذلك بالتأكيد على ان ميزان القوى انذاك ابان الاستقلال كان في صالح الحركة الوطنية، لكن القصر رفض ذلك حتى يتم تقوية نفسه عن طريق الجيش والامن.وهي الوسائل التي استعملت لصد الحركة الوطنية. كما انشأ احزابا ادارية التي كانت وظيفتها هي الحزبية المضادة. في ذات السياق لم يخف الساسي ما تحقق في البلد من خلال مدونة الاسرة التي اعتبرها ثورة اجتماعية حقيقية. وتوصيات هيئة الانصاف والمصالحة وتقرير الخمسينية. لكن يضيف حينما نترك السلط في يد واحد. ماذا يكون الوضع ان اخطأ. ففي الديمقراطية يمكن اصلاح الاخطاء والعكس صحيح. وبخصوص الاحزاب، قال بشأنها ان ما يميز الاحزاب الديمقراطية الحقيقية والاحزاب الادارية هو الاستقلالية في اتخاذ القرار، وكذلك نزاهة الوسائل المستعملة, كما اشار الى مجموعة من الفاعلين السياسيين «المفعول بهم.» معطيا في هذا الاتجاه بعض الامثلة على ذلك واعتبر الساسي ان الحياة السياسية في المغرب بنيت على الازدواجية بين الشكل والمضمون, وحذر في الوقت نفسه من استهداف الحزبية.ففي ذلك دفاع عن الاستبداد. كما انتقد اصطفاف حزب التقدم والاشتراكية مع حزب الحركة الشعبية, هذا الاخير الذي سبق ان صوت ضد البرنامج الحكومي لعباس الفاسي، قبل ان يلتحق بالحكومة في منتصف الطريق. وحين سئل محند العنصر، قال ان الحقائب الوزارية التي يتولاها حزبه لا علاقة لها بالبرنامج الحكومي. متناسيا التضامن الحكومي, في حين اختار الاتحاد الاشتراكي المعارضة. وفي اطار تقديم نقد ذاتي اكد الساسي انه بمعية رفاقه لم يستطيعوا فرض بديل لتجربة التناوب التوافقي التي عارضوها واعتبروها مغامرة تاريخية. باءت بالفشل, حسب وصفه, مطالبا بتجميع اليسار. وبيمين مستقل عن الدولة.