نظمت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش، بشراكة مع معهد جنيف للحقوق الإنسانية، يوما دراسيا حول «واقع وآفاق تدريس حقوق الإنسان في المغرب» في الأسبوع الثالث من شهر دجنبر الجاري، حضره باحثون أكاديميون ومتخصصون في الشأن الحقوقي المحض. حاولوا من خلال هذا اللقاء الأكاديمي طرح السؤال الجوهري المرتبط بأهمية تدريس حقوق الإنسان كمادة مدرجة في الإصلاح الجامعي الأخير مع استحضار التشخيص الموضوعي لمكامن الخلل في هذه التجربة، واقتراح حلول عملية عميقة لتجاوز أعطاب البداية في هذه التجربة الأكاديمية الفتية . الباحثون في هذا اليوم الدراسي انتبهوا من خلال تقييم الوضع الحالي لوجود مجموعة من المعوقات والإكراهات التي تحد من فعالية تدريس حقوق الإنسان، مرجعين السبب في ذلك إلى متغيرات عديدة تبدأ بعدم تطابق المضامين والمناهج المستعملة في تدريس هذه المادة، وصولا إلى اتساع الهوة بين النظرية والتطبيق ،حيث أن مبادئ تعليم واحترام حقوق الإنسان تبقى بعيدة عن الواقع، ناهيك عن افتقار بيداغوجيا التدريس للخبرة العملية لمهنيي قطاع حقوق الإنسان كالمؤسسات الحكومية وجمعيات المجتمع المدني، دون إغفال اقتصار تدريس هذه المادة على كليات الحقوق وحدها. فيما ذهب النقاش أيضا في هذا اليوم الدراسي الأكاديمي إلى محدودية التجارب الأولى للتحصيل العلمي على مستوى سلك الماستر في حقوق الإنسان.. ضعف إقبال الطلبة والطالبات بشكل خاص على هذا التخصص، مقارنة بالعدد الكبير الذي يتجه إلى التكوينات المتخصصة الأخرى. كما توقف الباحثون عند افتقار خزانات الكليات للمراجع والكتب والمجلات المتخصصة في حقوق الإنسان، مما يؤثر أوتوماتيكيا سلبا على نتائج البحث العلمي. وسجل هذا اليوم الدراسي في نقاشاته صعوبة إيجاد فرص للتدريب والولوج للمعلومة في المؤسسات العمومية ذات الصلة بحقوق الإنسان، بسبب ضعف التعاون بين الجامعات وهذه المؤسسات.. إن لم نقل عدم فهم المؤسسات لدور البحث العلمي في ترسيخ وإشاعة ثقافة حقوق الإنسان . وفي تصريح لجريدة «الاتحاد الاشتراكي»، قال الدكتور ادريس لكريني الباحث في العلاقات الدولية وحقوق الإنسان إن الإصلاح الأخير للتعليم العالي مكن من إدخال مجموعة من المستجدات على النظام التربوي المغربي، الذي اعتبر تدريس حقوق الإنسان من المواد الجديدة التي أدخلت ضمن التخصصات القانونية داخل كليات الحقوق بهدف بيداغوجي وعلمي واضح، يفسر معنى وحدود النصوص والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، ومن جهة ثانية يتناول بالتحليل المنجزاتالتي حققها المغرب في هذا الإطار، مع التركيز على الاتفاقيات المصادق عليها والآليات المتبناة من أجل حماية وضمان حقوق الإنسان. وأضاف الكريني أن تدريس مادة حقوق الإنسان يقوم على المنهج المقارن الوطني والدولي، والذي لا يقصي البعد التاريخي لحقوق الإنسان، على اعتبار أن هذا الأخير هو الذي يِؤسس كونية هذه الحقوق، إضافة إلى الاعتماد على استراتيجية وطنية للتربية المواطنة والتي تهدف إلى تهيئ الطفل والتلميذ والطالب للعيش والتفاعل الإيجابي داخل المجتمع. ولتجاوز هذه العراقيل والصعوبات، اقترح المشاركون في هذا اليوم الدراسي توصيات همت التكوين والبحث في مادة حقوق الإنسان، الشراكات مع المهنيين الفاعلين في المجال الحقوقي ، التواصل والولوج إلى المعلومة ذات الصلة، و حماية حقوق الإنسان والنهوض بها. فعلى مستوى التكوين والبحث في مادة حقوق الإنسان، خلص المشاركون إلى ضرورة تحديث طريقة وآليات تدريس مادة حقوق الإنسان، ومراعاة التخصص عبر التكوين المستمر للأساتذة والأطر في هذه المادة، وتأهيل الأستاذ المدرس وضرورة تمكينه من المعرفة المتطورة، مع جعل مقاربة حقوق الإنسان منسجمة مع المتطلبات والحاجيات المتميزة لكل من العالمين الحضري والقروي وتدريس ونشر الثقافة الحقوقية ..العمل على إحداث مجموعات ومختبرات ومراكز بحث متخصصة وتحفيز الطلبة، وإشراكهم في اللقاءات العلمية ذات الصلة وإجراء دورات تكوينية لهم على المستوى الوطني والدولي في حقوق الإنسان، وتشجيعهم أيضا على إنجاز بحوث ودراسات في مادة حقوق الإنسان.. تدريس اللغات الأجنبية الحية التي تنشر بها البحوث والتقارير الدولية.. برمجة الدروس التوجيهية والتطبيقية في مادة حقوق الإنسان.. انفتاح التدريس الأكاديمي على الخبرات الوطنية والدولية.. وتعميم تدريس مادة حقوق الإنسان على الكليات الأخرى.. واستحضار مقاربات العلوم الاجتماعية،وتوسيع الفئات المهنية والشرائح الاجتماعية المستهدفة من التكوينات في مادة حقوق الإنسان، وبلورة مؤشرات لتقييم نتائج تدريس مادة حقوق الإنسان. أما على مستوى الشراكات مع مهنيي حقوق الإنسان، فقد انتهى المشاركون في هذا اليوم الدراسي المتميز إلى موضوعية تقوية التعاون والشراكات بين الجامعات المغربية في مجال التدريس والنشر، وإشراك جمعيات المجتمع المدني في التربية والتكوين على حقوق الإنسان ..خلق وتقوية الشراكة بين الجامعات المغربية والمؤسسات الجامعية الأجنبية والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.. فيما أكدت التوصيات المهمة التي صدرت بعد نقاش مستفيض في جزء منها على أهمية التواصل، وتقوية التنسيق بين الفاعلين في مجال حقوق الإنسان والحاجة إلىإحداث شبكة وطنية للمهنيين والمعنيين بحقوق الإنسان، واعتبار المشاركين في لقاء كلية الحقوق مراكش نواة إلكترونية للأبحاث والدراسات المنجزة، وتجميع المواثيق والاتفاقيات ذات الصلة بحقوق الإنسان، وتصنيفها ووضعها رهن إشارة الباحثين والمهتمين والطلاب في إطار بنك للمعلومات. اليوم الدراسي المذكور الذي احتضنته جامعة القاضي عياض، حضره النقاش والتأصيل الأكاديمي المسؤول والرصين والجدية في التعاطي مع موضوعة حقوق الإنسان، وكان مناسبة أيضا لالتقاء العديد من الوجوه والنقاش حول الراهن الحكومي في الحياة السياسية المغربية.