لم يفلت العهد الجديد من نقاش سياسي يتمحور حول دور المستشارين وقوتهم في صناعة النخبة المغربية أو الدفع بعناصر منها إلى مركز القرار, وقد ثار النقاش كثيفا وقويا عند تشكيل حكومة عباس الفاسي، وبدأت القيادات السياسية تكشف عن دور المستشارين، الشئ الذي دفع بمحمد معتصم و المرحوم مزيان بلفقيه، آنذاك، الى الخروج عن صمتهما والادلاء بشهادة حول ما وقع. هل صدقنا بالفعل ما قاله المستشاران,يصعب القول بالإيجاب، ولعل ذلك جزءا من بورتريه المستشارين، ومن لعبة الظل التي تحيط بهم (بهما) غير أن الموضوعية تقتضي الاعتراف للمستشار بوضع خاص، وبكفاءة تكون أحيانا غير مألوفة لا يكون سببها هو فقط الاقتراب من الملك, وبعيدا عن النظرة الذاتية، ما هي حالة الاستشارة الملكية في مغربنا؟ في تاريخ المستشارين ، الذين طبعوا السلطة السياسة في العالم الغربي، كان مكيافيل يقدم نصائحه للأمير من أجل أن يقدم له دليلا لممارسة السلطة? ولعل قلب هذه الممارسة هو القوة والمكر والمزاوجة بينهما وبين الهبات والاكراميات, لكن كتاب الأمير مكيافيللي ، كان أيضا دليلا بالنسبة للشعب ونخبه في معرفة كيفية ممارسة السلطة وكيفية تصريفها العملي. في التاريخ الحديث للمغرب، لا بد من أن نعود الى مرحلة المغفور له محمد الخامس، ومن كانوا يسمون مستشاري التاج، محمد بلعربي العلوي ، والحسن اليوسي والمختار السوسي, ما يلاحظ عنهم أنهم كانوا من عناصر السلفية الوطنية المتنورة، وكان دورهم التربوي ، القصير بطبيعة الحال، ما يميز عملهم. لم يطل المقام بشيخ الإسلام بلعربي العلوي طويلا في استشارية التاج، وسرعان ما انحاز إلى التيار التقدمي في الحركة الوطنية بقيادة المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي ولفقيه محمد البصري وعبد الله ابراهيم والمحجوب بن الصديق وغيرهم من قادة المقاومة وجيش التحرير والنخبة التحررية والعمالية, وهو ما يدل على الاجواء السياسية الحادة آنذاك ومطمح بناء الدولة الحديثة، حيث يخرج رجل دين وعلم من اطار المستشارية الى ترؤس المؤتمر الوطني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية (الاتحاد الاشتراكي حاليا) مع مرحلة المرحوم الحسن الثاني، أصبح للمستشار احمد رضى اكديرة دور مركزي، وعرف بالنسبة للكثيرين من المؤرخين للعالم السياسي بأنه رجل يسهل مأمورية التوازن السياسي، بدون تحديد لها..! لم يكن اكديرة شخصا بارزا عندما اختاره الملك الراحل مدير ديوانه وصانع جزء كبير من سلط الدهاليز, وقد سبق أن تحدث عنه السي عبد الرحيم بوعبيد ، رحمه الله، وعن وصوله الى ديوان الحسن الثاني ومن تم الى مربع المستشارين, في حين ظلت اسماء المستشارين الآخرين ، ومنهم ادريس السلاوي ومحمد عواد وعبد الهادي بوطالب،في الظل تقريبا ، وتمثلت في أحسن الأحوال في دور المستشار في القضايا ذات العلاقة بالعالم الاسلامي مثلا وغيرها، بدون أن يؤسس المستشارون حضورا خاصا بهم، اللهم عبد الهادي بوطالب بسبب ماضيه السياسي من جهة، وبسبب علمه وتنوع اهتماماته وقدرته على السجال من جهة ثانية, في حين كدنا ننسى علال السي ناصر وادريس السلاوي..! واللافت للانتباه أن المستشارين الخاصين للملك الراحل، وجدوا إلى جانب شخصيات نافذة قوية ، منها أوفقير واحمد الدليمي وادريس البصري، في نفسه المربع الصغير المحيط بالحسن الثاني, وبالتالي فقد كان هذا الأخير يأتمن الأمنيين على السياسيين ، بحيث أن اليد الحقيقية للدولة كانت هي الثلاثي الأمني ومن تبعهم، عوض المستشارين المدنيين? هناك مفهوم خاص فيما يبدو، كان الحسن الثاني يجعل مهمة المستشار ذات بعد واحد، وبدون سلطة يضعها في يد رجال الجيش والأمن. أزولاي الذي عينه الحسن الثاني في وقت متأخر، انتقل من قضايا الاعلام الى الاقتصاد، وأسس شبكة سياسية للمغرب، بعضها معروف وأغلبها يدخل في اسرار البلاط, وقد مثل وجها آخر للمستشارين، سيصبح له، بعد التناوب التوافقي دور خاص للغاية, وهو الأمر الذي جعله ، في أحد ايام بداية سنة 2002 في مواجهة مع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي فتحها على صفحات الجريدة, ففي شهر يناير من نفس السنة كانت يومية لوموند الباريزية قد نشرت ملفا عن التجربة التوافقية للمغرب, ومن بين ما قدمته تصريحات للمستشار أندري أزولاي, فقد قال بأن النتائج الاقتصادية لم تكن مرضية نظرا لانعدام تجربة أعضاء الحكومة، وكان هذا هو ثمن التناوب, فجاء رد الاتحاد الذي كان يقود تجربة التناوب وقتها مباشرا تحت عنوان مستشارو جلالة الملك وواجب التحفظ, وجاء فيه إن هذا التصريح يطرح مشكلا سياسيا كبيرا, فبالإضافة الى أنه مجانب للحقيقة، وأن ما عرف به السيد أزولاي في تعامله مع الحكومات السابقة كان دائما هو تجميل وتلميع صورة سياساتها، فمن شأنه أن يغذي عددا من الاستنتاجات التي آلت إليها بعض الأقلام، مثلا ان هناك حكومة ظل موازية للحكومة المؤسسة، وأن لها أدوارا توجيهية في القرار السياسي والتعيينات و،،،إلخ.. في حين أن جلالة الملك لم تفته فرصة لتجديد ثقته في وزيره الأول وكان آخرها الرسالة الملكية المتعلقة بإنعاش الاستثمار وتعيين الوزير الأول، كرئيس للجنة المتابعة. ما نعرفه في الأعراف السياسية هو أن دور المستشار ليس هو التدخل في شؤون مؤسسة دستورية، وبالأحرى تقديم أحكام حول أدائها وعلى أعمدة صحافة أجنبية لم تتردد في نقد التجربة المغربية وبأعنف الأشكال. إن مستشار جلالة الملك يحظى في أعين المغاربة بالاحترام الذي يمنحه إياه موقعه بجانب ملك البلاد الذي حرم على نفسه، كعادة الأسلاف، التدخل في الحياة السياسية بتقديم أحكام، ولكن تدخلاته كانت دائما بالمبادرات وفتح الأوراش ومنح التوجيهات التي تحفز الحكومة وتؤازرها، وليس ذلك بغريب، إنها حكومة جلالته, وكان بالفعل مقالا مواجهة مع أزولاي ولا شك، ولكن مع فكرة وجود قوة سياسية أخرى غير التي يعرفها المغاربة، ويمكن استعاريا أن نتحدث عن لعبة الظل عندما تمتد الى واجهة العمل السياسي.