كادت رحلة قمت بها إلى اسبانيا أن تتحول من «مهمة صحفية» إلى «مهمة البحث» عن عناصر مافيوزية اتخذت من إسبانيا أرضية لاشتغالها. فحوالي منتصف يوم الخميس الماضي بالقرب من جادة زقاق بايلين وسط العاصمة الكطالونية برشلونة، بينما كنت متوجها مع مرافقي إلى ساحة كطالونيا المعروفة باستقطابها لعدد كبير من السياح، الذين يزورون برشلونة، اعترض طريقنا رجل طويل القامة أسمر اللون وبسحنة مواطني أوروبا الشرقية. بلغة انجليزية متكسرة قدم لنا نفسه أنه قادم من بلغاريا، وطلب منا إذا ما كنا قادرين على أن نوجهه إلى حيث يوجد ملعب «كامب نو» في برشلونة، لن نتردد. أخذت المبادرة، وحين كنت أخبره أن الملعب بعيد عن وسط المدينة وأنه يصعب أن يصل إليه دون ركوب الميترو والقطار، فوجئت بقدوم شخص آخر توجه إلينا بالسؤال «هل انتما سائحين؟» و«هل ترافقان بعضكما البعض؟». فتح هذا الشاب، طويل القامة أبيض البشرة مصاب بعرج خفيف. فتح محفظته الصغيرة بسرعة مبينا لنا شارة ما، وقال لنا إنه من الشرطة الاسبانية. ما أن سمع مرافقي هذه الجملة، حتى فطن إلى أن الأمر لن يكون إلا «خطة محبوكة» للنصب علي، فليلة الاربعاء كان ضحية الشبكة ذاتها. فما أن يتحكم الشرطي المزعوم في الضحية المشبوهة (البلغاري) ويوهم الضحية الحقيقية أن الأمر جدي، فيطلب مراقبة الجوازات والتأشيرة، والتأكد من أن النقود غير مزورة، لحظتها بسرعة يسحب منك بعض الورقات، ثم يسحب الضحية المشبوهة إلى سيارته. ليلة الأربعاء تمكن الشرطي المزعوم والضحية المشبوهة من الحصول على مئتي أورو نتيجة الفخ الذي نصبوه لمرافقي، غير أن الخميس، وكأنهم يتتبعون خطى الوفد المغربي الذي يسكن ذات الزقاق، حيث وضعا سيارتهما، كانت الحصيلة صفر لأنه بعدما قلت لهم إني صحفي تغير السلوك وسحب الشرطي المزعوم الضحية المشبوهة نحو السيارة، وكأنه يقبض عليه. طلبنا مرافقتها فرفض الشرطي، وحين تتبعناهما وجدنا أن ثالثا كان في انتظارهما و كانا يتحدثون لغة من لغات أوربا الشرقية امتطوا السيارة فهربوا . لقد، ارتأينا عدم الاتصال بالشرطة لسبب واحد هو صعوبة التواصل اللغوي الأشبه بالمستحيل، غير أننا علمنا فيما بعد أننا كنا ضحية مافيا من أوروبا الشرقية، تتعقب الأجانب ومنهم من يتعقب الوفود الأجنبية في الميترو والقطارات ليحدد سكناهم، ويبدؤون في نصب الفخاخ، وعلمنا في ما بعد أن السلوك الذي اتبعه الشرطي المزعوم ليس مسطرة الشرطة الإسبانية سواء في الإفصاح عن هويتها أو تحديد هوية المشتبهين، فتأكدنا أن ثمة من ينتحل صفة الشرطة الإسبانية للنصب، غير أن الأمر لا يتوقف على رعايا من أوروبا الشرقية، بل بعض الإسبان أيضا من لا تعتقد إنه سيضع يده في جيبك مثلما سائق الطاكسي الذي أوصلني إلى مطار برشلونة، والذي اغتنم ضيق الوقت وانشغالي بمكالمة هاتفية فسرق مني 10 أوروهات وانطلق «بلحشمة». فليحذر المغاربة خلال زيارتهم، بعض الاسبان ورعايا الدول الشرقية، فالأزمة جعلت بعضهم يروا في الأجانب العرب خاصة، خزائن من مال. وأكدت مصادر الشرطة لذات اليومية الاكثر انتشارا بإسبانيا، فإن الجاني كان يعمل في محل جزارة، كما أنه كان رئيسا لمطعم للكباب، هذا و لم تستبعد الشرطة أن السكين المستخدمة في الجريمة جاءت من محل الجزارة. وحسب أحد أفراد العائلة، فإن الضحية والجاني ولدا بتازة، مضيفا كون (فاطمة) انتقلت الى إسبانيا في عام 1998 كخادمة لتنظيف المنازل في المنطقة، تزوج بها (ع. د) قبل ثماني سنوات، نتيجة لهذه العلاقة، ولدت ثلاثة أطفال، لكنها عانت معه الإيذاء الجسدي والنفسي، ورغم ذلك لم تبلغ عنه من قبل، نزولا عند رغبتها في تنشئة أبنائها في جو عائلي.