سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في حوار مع الأستاذ الباحث عبدالله كَيغير رئيس مصلحة الشؤون الإجتماعية بالجماعة الحضرية لأكَادير .. في الحاجة إلى مأسسة العمل الاجتماعي وتنظيمه وتفعيله بالجماعات المحلية
للعمل الجماعي بالمؤسسات التمثيلية وخاصة الجماعية، دور كبير في الإستجابة لتطلعات المجتمع المدني بكل ما يحمله هذا المصطلح من معنى ولطموحات الجمعيات العاملة في مجال الطفولة والمرأة وباقي الفئات الهشة وكذا الجمعيات الحرفية والمهنية والثقافية والرياضية مما يلزم حاليا مأسسة هذا العمل وتنظيمه وتفعيله، لأنه بكل بساطة يقارب معظم فئات المجتمع وفئات محيط الجماعات المحلية، وبالتالي لا أهمية لرصد ميزانية لهذا العمل ما لم يؤسس على قواعد مستمدة من السوسيولوجيا وعلم النفس الإجتماعي تعالج ظاهرة جماعية واجتماعية في آن واحد، وما لم يعتمد على أطر مختصة قادرة على التأطير ومعالجة المشاكل ذات الصبغة الإجتماعية الصرفة، حتى يتجاوز العمل بهذه المصالح الجانب التقني إلى العمل الإجتماعي. و لتطارح هذا الموضوع الذي ظل طي الكتمان إلى حد الآن، ومسكوتا عنه لاعتبارات عديدة داخل عمل الجماعات المحلية،ارتأينا أن نناقشه مع الأستاذ الباحث عبدالله كَيغير رئيس مصلحة الشؤون الإجتماعية بالجماعة الحضرية لأكَاديرالحاصل على الإجازة في علم الإجتماع وشهادة الماستربالرباط في تخصص التهيئة والتنمية المحلية وإعداد المجال، لكونه راكم تجربة في عدة وظائف تقلدها بالجماعة الحضرية لأكَادير منذ1989، زيادة على اهتمامه وإلمامه بموضوع مأسسة العمل الإجتماعي بالجماعات المحلية. هل يمكن لك الحديث عن تخصصات هذه المصلحة وعن الخدمات التي قدمتها وتقدمها، مع الإشارة إلى السنة التي أحدثت فيها؟ أحدثت المصلحة سنة 2005 ، وقبل هذا التاريخ كان ماهو"اجتماعي" يدبره بشكل مباشرالرئيس ونوابه. في السابق كان هناك ما يسمى بقسم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والإدارة العامة، ولكن هذا القسم (أو المصلحة) لايمارس أي اختصاص له علاقة بما هو اجتماعي ولا حتى ماهو اقتصادي اللهم بعض الخدمات أو المهام المرتبطة بالشرطة الإدارية.هذه المصلحة تسمى حاليا مصلحة الشؤون الاقتصادية والشرطة الإدارية. واضح إذن أن الشؤون الاجتماعية كانت تدبر بشكل ارتجالي ، وهذا يصدق على كثير من المؤسسات في المغرب ، فتدبير الاجتماعي بشكل منظم وممأسس كان ، ولا يزال ، شبه منعدم. لكن هذا لايعني مطلقا بأن الهاجس الاجتماعي كان غائبا، بل يمكن القول بأن اهتمام المسؤولين في السابق كان منصبا على القطاع الاجتماعي أكثر من أي قطاع آخر. هذا العمل الاجتماعي كان مع الأسف يفتقر إلى التنظيم والمأسسة. وأعتقد بأن الفرصة كانت سانحة آنذاك للتأسيس لعمل اجتماعي دائم ومستمر ممكن أن تستفيد منه الساكنة الشيء الكثير. أما بخصوص المهام والتخصصات التي تمارسها المصلحة في الوقت الراهن فهي مرتبطة أساسا بالإشراف على مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كالنادي النسوي، دار الحي، السوق البلدي بحي تدارت/أنزا والمركب التجاري ذي الطابع السياحي، مركب التكوين الحرفي وتسويق المنتوجات ببنسركاو المركز والمركب التجاري، السياحي، الاجتماعي، الثقافي والتكوين الحرفي، روض الأطفال وكذا المركب المتعدد الاستعمالات، روض الأطفال و دار الحي بأغروض/بنسركاو إضافة إلى المركب المتعدد الاستعمالات و الملاعب الرياضية ببئرأنزران/تكوين، والمركب المتعدد الاستعمالات ودار الحي و السوق البلدي بالحاجب تكوين. بالإضافة إلى هذه المشاريع ، هناك فضاءات اجتماعية تابعة لهذه المصلحة تهم بالخصوص روض الأطفال والنوادي النسوية وخلايا المواكبة الاجتماعية الموجودة بدور الأحياء، و نقوم كذلك بدراسة ملفات الجمعيات ومتابعة بعض أنشطتها واقتراح الشراكات مع بعض المؤسسات ذات الطابع الاجتماعي. هذا دون إغفال التقاطع الحاصل بخصوص بعض المهام مع المصالح الأخرى كمصلحة الثقافة ومصلحة الرياضة والمكتب الصحي. ماهي الميزانية السنوية التي يتم رصدها لهذه المصلحة؟ بالنسبة لسنة 2010 ، بلغت الميزانية المرصودة مايناهز 4.000.000.00 درهم. وكيف تم إعداد خريطة إنفاق هذه الميزانية ؟ قسط كبير منها يصرف كإعانات للجمعيات أو المؤسسات الاجتماعية التي تربطها شراكات مع البلدية. من خلال تجربتك كأستاذ باحث تعرف خبايا المشاكل الاجتماعية بالمنطقة، إلى أي حد استطاعت هذه المصلحة تغطية هذه الحاجيات والمشاكل؟ بالنسبة للسؤال الأول، تعمدت أن لا أجيبك عن شقه الثاني لأن فيه إحراجا بالنسبة لي، ومع ذلك مازلت تصر على طرح السؤال نفسه بصيغة أخرى. بداية لدي تحفظ على كلمة «مشاكل» اجتماعية، لأن فيها تبسيطا شديدا للمعضلة الاجتماعية. فاليوم لدينا إشكاليات اجتماعية تحول دون التطور الاجتماعي السليم؛ مثلا الشخص في وضعية إعاقة لايعتبر مشكلا اجتماعيا ، بل يعتبر واقعا اجتماعيا يجب تقبله والتفكير فيه باستمرار مثله مثل الشخص السوي. هذا يقتضي منذ البداية أن نكف عن اعتبار التعامل مع هذه الفئة الاجتماعية تعاملا يدخل في باب الإحسان أو الشفقة أو شيء من هذا القبيل. الشخص في وضعية إعاقة له الحق في أن يعيش حياة كريمة مثله مثل الآخرين. نحن إذن أمام إشكالية إدماج فئة اجتماعية لها وضع خاص ولها متطلبات خاصة؛ وبالتالي فعندما نكون بصدد التخطيط لأي مشروع يجب أن يكون السؤال الاجتماعي حاضرا في التصور. وحتى أكون صريحا ، فنحن في مصلحة الشؤون الاجتماعية،ربما لم نصل بعد إلى طرح ومعالجة الأسئلة الاجتماعية بمثل هذا المستوى من التفكير،ولكن لا نذخر جهدا في توضيح تصورنا وطرحه للنقاش باستمرار مع المسؤولين.أما في ما يخص نوع الأسئلة الاجتماعية التي تطرح علينا فهي كثيرة ومتنوعة. فقد اقترح المجلس على الجمعيات ميادين متعددة لكي تشتغل عليها وتقدم مشاريع بصددها حتى تستفيد من الدعم المادي، رغم أن بعض الجمعيات تعتبر هذا الدعم نظرا لقيمته المالية مجرد اعتراف معنوي ليس إلا، فهناك بعض الجمعيات لديها أعباء كثيرة وبالتالي مصاريف كبيرة نظرا لما تقدمه من مساعدات مادية وعينية...وفي هذا الإطار، ومن خلال تجربتي المتواضعة، أعتقد أن المجلس عليه أن يفكر في صيغ أخرى للتعامل مع مثل هذه الجمعيات إذا كنا فعلا نريد مأسسة العمل الاجتماعي. مع الإشارة إلى كون الجماعة الحضرية لأكَادير تعتبر رائدة في هذا المجال بالمقارنة مع الجماعات الأخرى. لكن مع ذلك لا أحد ينكر مدى حاجة المجتمع إلى المساعدين والباحثين والأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين؛ هل يبذل هذا القسم مجهودا لتوفيرهم؟ افتقارالمؤسسات في المغرب إلى هذه الفئة من المؤطرين يشكل عائقا كبيرا لتحقيق التنمية الاجتماعية. فهناك ظواهراجتماعية وما يترتب عنها من أمراض نفسية وعصبية مافتئت تنخر جسم المجتمع مسببة للأفراد والجماعات معضلات كان بالإمكان تجنبها لو توفر ما يكفي من الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين. فهناك أبحاث وأطروحات قيمة أنجزها باحثون ومختصون مغاربة في مجال السوسيولوجيا وعلم النفس، لكن مع الأسف مؤسسات الدولة لاتستعين بهذه الأبحاث العلمية في مقاربتها للظاهرة الاجتماعية.ربما يرجع السبب في ذلك إلى طغيان الهاجس التقني لدى المسؤولين أكثرمن أي شيء آخر، وهذا بدوره يطرح مشاكل كثيرة ومجانية في نفس الوقت، فكم هي كثيرة المشاريع الفاشلة بسبب هذه النظرة الضيقة في التصور. فالتقني والفني والجمالي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي... كلها مجالات مرتبطة يفترض في صاحب القرار/المشروع أن يأخذها كلها بعين الاعتبار، بحيث يكون التعامل تعاملا تركيبيا لا تجزيئيا.هذا معناه تحقيق نوع من التوازن بين هذه المكونات حتى نضمن نسبة كبيرة من النجاح لأي مشروع.هناك أمثلة كثيرة ممكن الإدلاء بها في هذا الشأن، لكن وضعي كموظف - مع الأسف- يحتم علي اجتناب الخوض في التفاصيل حتى لايفهم من حديثي أشياء أخرى غير مقصودة. بالنسبة للشق الثاني من سؤالك، سأجيبك بأن هناك خصاصا كبيرا بالنسبة لهذه التخصصات، كما أن المسؤولين مهتمون بتوفير مناصب شاغرة لحاملي الشواهد العليا في المجال الاجتماعي. انطلاقا من تجربتكم ، كيف تتعامل مصلحة الشؤون الاجتماعية مع مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية؟ هذا الموضوع في الحقيقة يتطلب ملفا خاصا من أجل مقاربته بشكل شمولي، ومع ذلك سأستغل هذه الفرصة لأؤكد على أن هذه المشاريع هي مشاريع كبيرة ومهمة جدا، وإذا كانت تعتريها بعض النواقص، فهذا لاينقص من قيمتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. كما أنه لا يمكن محاربة الإقصاء الاجتماعي بالوسط الحضري إلا بمثل هذه المشاريع ،أي مشاريع القرب ، حيث أنجزت كلها في الأحياء الهامشية التي هي في حاجة ماسة إلى مثل هذه المشاريع السوسيوثقافية( أندية نسوية ، روض أطفال، فضاءات متعددة الاستعمالات ،أسواق جماعية، ملاعب رياضية...). وهذا شيء جميل ومفرح في الوقت نفسه، لأنه عندما ترى هذا الإقبال الكبيرللساكنة على مختلف الأوراش المتواجدة بهذه الفضاءات يعتريك إحساس بالثقة في المستقبل، وهذا الإحساس هوالذي يولد لدى الفرد الطمأنينة وحب الحياة وبالتالي الاندماج الإيجابي و الفعلي في المجتمع. كما قلت لك في البداية حبذا لو نخصص لهذا الموضوع ملفا خاصا. ماهي تطلعاتكم لمستقبل المؤسسات الاجتماعية وكذلك الجمعيات العاملة في هذا الميدان بالجهة؟ أعتقد بأنه لم يعد ممكنا وجود المؤسسات الاجتماعية بشكل صوري وسطحي. هناك انتظارات كثيرة بدأت تفرضها التغيرات التي يعرفها المجتمع. إذا سلمنا بأن المقاربة الاجتماعية هي التي تحاول تحديد العناصر الأساسية التي تضمن استقرارالمجتمع وتحقق استمراريته، فكل المقاربات السوسيولوجية للمجتمع المغربي خلصت إلى ضرورة الاهتمام بالشأن الاجتماعي المؤسساتي. هناك مؤشرات إيجابية تروم التأسيس لهذه الثقافة الجديدة، ثقافة مأسسة العمل الاجتماعي والقطع مع كل ماهو مناسباتي وموسمي.لايمكن تجاهل مايقوم به المجتمع المدني في هذا الشأن. من خلال مواكبتي للعمل الجمعوي- ليس من حقي تفضيل جمعية على أخرى لهذا لايمكن ذكرالأسماء- عاينت جمعيات تقوم بأدوارطلائعية في العمل الاجتماعي، بالنظر للأعمال التي تقوم بها يمكن القول بأنها جمعيات تقوم مقام مؤسسات الدولة.لهذا اقترحت في بداية الحوار أن يتبنى المجلس- بتمويل من الدولة بطبيعة الحال- صيغا أخرى جديدة للتعامل مع هذه الجمعيات الفاعلة. كما أود في النهاية أن أغتنم هذه الفرصة لاؤكد على أن مصلحة الشؤون الاجتماعية هي رهن إشارة جميع الجمعيات الاجتماعية التابعة لنفوذ هذه الجماعة، فلدينا طموح كبيرفي أن نؤسس لعلاقات جديدة ترتكز بالأساس على المقاربة التشاركية، علاقات مبنية على التعاون وتبادل التجارب والخبرات ولم لا إعداد برامج اجتماعية موحدة، وذلك في إطار البرنامج العام للتنمية البشرية، تكريسا لفلسفة مشاركة الجميع في إعداد التصورات وتحديد الأهداف المشتركة.