يقوم التمرين الديموقراطي على ركيزتين اثنتين. الأولى هي الأغلبية، وقد استطاع الناخب المغربي أن يفرز الأغلبية التي يريد، من خلال التصويت بكثافة على حزب العدالة والتنمية، وأيضا من خلال التصويت على حزب الاستقلال، والحركة الشعبية. ويتضح أن المنحى المحافظ حقيقة سياسية ومجتمعية لا غبار عليها. وستكون العائلة السياسية التي أفرزتها صناديق الاقتراع منسجمة فعليا، إن هي حافظت على هذا التناغم بين مكوناتها وعرفت نفسها بهذا الاتجاه. وأعلنت بالفعل أنها تتجاوب مع التوجه المجتمعي اليوم، والذي لا يخفي هويته. والأغلبية اليوم التي أفرزتها صناديق الاقتراع وعرفت بها، هي عائلة سياسية يقترح القاموس السياسي لها اسم المحافظة. وهي تسمية ليست قدحية ولا تنقيصية، بقدر ما هي إجرائية للتداول السياسي ووضوح الخطاب. ومقابل ذلك، اختار الناخب المغربي معارضة هذه الأغلبية، وهي معارضة دعا إليها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، على قاعدة احترام الناخب وخياراته، وقناعته بأن الوضوح السياسي يقتضي أن تكون هناك مشاريع متباينة تساعد على الفهم ومصالحة المغاربة مع السياسة ، بل أيضا مساعدتهم على التموقع ثقافيا ومجتمعيا، وللاختيار بين رؤى مباينة للوجود وللحياة وللعلاقات بين الاطراف المجتمعية، وكذلك اختيار تموقع واع في المسيرة العامة للمغرب. ومما لا شك فيه أن ما بعد تشكيل الحكومة، سيكون مغايرا من وجهة النظر هاته عما سبقه. ويحتاج التمرين الديموقراطي أيضا معارضة تعرف بنفسها وهويتها. وليست المشاركة، هي السياسة الوحيدة الممكنة للأحزاب التي تحترم نفسها. بل ليست المشاركة هي العنوان الوحيد للسياسة. إن المعارضة هي أيضا مشاركة في الحياة المؤسساتية للبلاد، كما أن المعارضة هي إعلان هوية وليست تكتيكا فارغا، ولا محاولة لرد الاعتبار . المعارضة اليوم تعني إعلان هوية سياسية ومشروعاتية. فالمغاربة يعرفون أن مشروع حزب العدالة، المحترم والجدي، ليس هو مشروع الاشتراكيين الديموقراطيين، حتى ولو كانت الكثير من التقاطعات اليوم تبني بينهما شراكة إجرائية وسياسية، من قبيل محاربة الفساد وإسقاط التحكم والانتقال النهائي الى الديمقراطية. تفترض الحيوية الديمقراطية أيضا أن تملأ كل الأطراف، الفضاءات المؤسساتية التي يسمح بها الدستور. ولا يمكن أن يبقى فضاء المعارضة، وهي المرة الأولى التي أصبحت دستوريا ممأسسة، ولها أدوات عمل غير مسبوقة، فضاء شاغرا أو يدخل في الاحتمال السياسية الممكن. الوضوح السياسي اقتضى إعلان نهاية التجمع الثماني، كما أنه اقتضى أيضا طرح سؤال الكتلة الديموقراطية. هذه الأخيرة استطاعت أن تخلق وضعا سياسيا في البلاد ، بسبب نضالها المستميت ، وأيضا بسبب التاريخ المغربي المعاصر. ولا يمكن أن يحدث تطور في وضع البلاد ولا تتأثر به الكتلة، وإن كانت الاشياء الكثيرة التي تحققت استراتيجيا في بلادنا، بمساهمتها. كما أن كيان الكتلة الديموقراطية لا يمكنه أن يبقى في منأى عن تطور الممارسة السياسية في بلادنا، أو يكون ذريعة لعدم الوضوح. والكتلة ليست بالضرورة تطابقا عقيما في تناول الوضع المترتب عن انتخابات 25 نونبر، بل هي مجموعة قيم لا بد منها للتوجه الى المستقبل، وأيضا لإيجاد الصياغة الممكنة لتعايش منتج ورفيع بين الأغلبية والمعارضة. لقد ترتب عن موقف الاتحاد الاشتراكي نوع من النقاش السياسي حول الفرز بين مكونات الحقل السياسي، لا يمكن أن نرفضه بدعوى »إفشال الكتلة التاريخية». وهو مصطلح يجب أن نعود إليه في المستقبل لكي نتحدث فعليا عن مضمونها الذي دعا إليه الفقيد الكبير عابد الجابري. والأهم اليوم هو أن تثبت وصفة الدستور الجديد فعاليتها، في الحكومة وفي الأغلبية. وتنزيل الدستور الجديد يحتاج الى قوةإصلاحية ذات وظيفة تاريخية، متمثلة في الاتحاد الاشتراكي وقوى اليسار عموما من أجل بناء دستوري يليق بمغرب المستقبل ،وقادر على تأطير التقاطبات التي سيعرفها المجتمع من الآن فصاعدا. إن المعارضة القوية هي مطلب سياسي للمجتمع أيضا، الذي يريد أن تكون: مؤسساتية، قادرة على التعبير عما يمور في الشارع المغربي، وقادرة على تقديم بديل واقعي، تاريخي وسياسي..