تم خلال الجمعة الماضية بالخزانة الوسائطية إدريس التاشفيني بالجديدة حفل تقديم وتوقيع المجمعة القصصية الأخيرة للكاتب المغربي مبارك حسني. وذلك في أمسية باذخة عرفت حضور أسماء أدبية من المدينة وعلى رأسها أعضاء مكتب «جمعية البريجة إبداع» المنظمة للنشاط. وقد بدأ النشاط الثقافي هذا بكلمة منشط الحفل الأديب والمسرحي محمد كابي الذي رحب بالجميع في أمسية جديدية باردة يدفئها الإبداع وألق الكتابة. وقد أعطى الكلمة للناقد السينمائي والسيناريست خالد الخضري الذي قدم نبذة مختصرة عن الكاتب مبارك حسني، مبديا تنوع الأنشطة الكتابية التي يتعاطاها منذ أكثر من عقدين من الزمان، وكما خبر ذلك من خلال علاقة الصداقة التي تربطه به. فأشار بأنه قاص وشاعر وناقد سينمائي وفني، يكتب باللغتين الفرنسية والعربية كما له إلمام كبير بالأمازيغية بما أن عائلته تنحدر من جنوب البلد، ويدل على ذلك الكم الكبير من النصوص والمقالات التي نشرها مغربيا وعربيا وفي منابر غربية. ثم أردف قوله بجرد إصدارات الكاتب المنحصرة لحد الساعة في المجاميع القصصية الثلاث «رجل يترك معطفه» سنة 2006، و»الجدار ينبت ها هنا» سنة 2008، ثم «القبض على الموج» هذه السنة. بعد ذلك دعا المنشط المغني الملتزم ذو الصوت الهادئ العميق جمال بودويل، فشنف مسامع الحضور بقصيدة فصيحة نالت الاستحسان. وهي قصيدة من تأليف الشاعر الجديدي سعيد التاشفيني سليل أسرة الفقيه العلامة الإمام إدريس التاشفيني التي تحمل المكتبة اسمه. وهو ذات الشاعر الذي قدم فيما بعد دراسة وافية شاملة عاشقة في مجموعة الكاتب المحتفى بكتابه الأخير.وقد غاصت في مجاهيل النصوص ودلالتها ومدى تمكنها من إبداع صور وحالات ومشاهد غاية في المتعة والإثارة المدهشة. نصا نصا، في تجاوب مكتمل لعبت فيه حاسته الأدبية الفصيحة وذائقته الشعرية القوية دور المحرك الذي لا تفلت منه العبارة الموحية واللحظة السردية المتميزة. وهو ما نال قبولا جميلا من لدن الحضور ومن لجن الكاتب خاصة. وقد رأى هذا الأخير حين منحت له الكلمة في الأخير أن الشاعر سعيد التاشفيني كان أبلغ من ناقد أو أكاديمي ذي منهج قار، بما أنه قرأ قصص المجموعة بالعاطفة المرهفة للشاعر. وفي معرض تناوله لتجربته القصصية والكتابية عامة، لم تفت الكاتب الإشارة إلى الحراك العام الذي يعرفه المغرب ومحيطه القريب والبعيد، ولكن من منظور انحسار الثقافة والمكتوب والتي يشكل الكتاب الإبداعي عصبه ومركز ثقله، انحسارها عن النقاش العام، كما أبدى تخوفا عن التراجع المهول الذي يعرفه المجال مقارنة مع العقود السابقة متمنيا أن يكون التغيير السياسي الحاصل حاليا في صالحها. لكنه أشار أيضا إلى أن تنظيم نشاط توقيع كتابه المتواضع وتجربته المتواضعة على حد قوله هو من قبيل الإمساك بالجمرة في زمن التجهيل، وما مثال وجود الجمعية المذكورة أعلاه سوى جزء من المقاومة الثقافية لما فيه خير مدينة الجديدة الثقافية بامتياز، وخير البلد. وقد قام الأستاذ محمد كابي باختيار قراءة قصة «مساء السبت» على الجمهور الحاضر، والتي ذكر بأنها ذكرته بقصيدة له بعنوان الكأس السادسة. هذ القراءة التي صاحبتها معزوفات رقيقة موافقة على العود من طرف الفنان جمال بودويل، والذي أبى سوى أن يهدي الكاتب مبارك حسني أغنية أخرى صفق لها الحاضرون كثيرا. وبما أن الحفل أريد له أن يكون متنوعا وشاملا فقد أعطيت الفرصة للشاعر الزجال عبد الإله المتوكل فألقى قصيدة من قصائده الجديدة أبدى معها الحاضرون تجاوبا حسيا وفنيا جميلا. وفي الأخير وقع الكاتب القاص مبارك حسني نسخا من كتابه. والحقيقة أن فضاء المكتبة الأليفة المتواجدة بالحديقة التاريخية لمدينة الجديدة والتي كانت تحمل اسم حديقة «سبيني» وبما تحمله من ألق قديم، وبما سجلته من أحداث راسخة في ذاكرة الجديدين وعشاق «مازاكان» لا يمكن إلا أن تكون أهلا لنشاط إبداعي يتأسس على الكتابة.