بالنسبة لبعض المدرسين فإن كلمة «كفاية» تزعج : هي كلمة تنطبق مع «مصنع للغاز» أو أنها اغتيال للمعارف والبرامج صحيح أن العمل بالكفايات يخبئ «أحابيل مروعة « ، لكن على الرغم من ذلك ، ثمة مدرسون آخرون مقتنعون بأهمية المقاربة بالكفايات : أن نتعرف بدقة على أقسامنا وعلى تلامذتنا ، فردنة المسارات ، السعي إلى جعل الجميع يحزرون تقدما ، تحويل تصحيحاتنا العقيمة للدروس إلى معالجات وتقويمات . من المؤكد أن العمل بالكفايات لن يكفي ، لكنه سيكون تهيئة أولى ثمينة ، كذلك ليس هذا العمل منهجية بيداغوجية في حد ذاتها ، بل أداة مفيدة تخدم التصورات البيداغوجية ومفاهيمها. في هذا المقال ، مقاربة تلخيصية من مجلة خصصت محورها لموضوع العمل بالكفايات. مشاكل بحاجة إلى حل انطلاقا من فكرة أنه ليس هناك أي سبب لحل المشاكل ، وهي لم تطرح منذ أمد بعيد ، فإنني سأحاول التطرق لبعضها بخصوص الكفايات في حقل التربية المدرسية. لماذا ، وبصفة خاصة لمن نريد إمالة نهج التربية المدرسية بتخصيصنا حيزا أوسع للكفايات ؟ إذ ما تجاهلنا مفعول روح العصر ، فإن الأسباب أحيانا هزيلة جدا بالنظر للتحولات ، ثم إنه بصفة خاصة لا نقول بوضوح أن هذا الإصلاح يتوجه بالأساس إلى هؤلاء الذين لن يتابعوا دراستهم لأمد طويل ، ولن يغادروا التعليم الجامعي بشهادات عليا بهوية ، بمعارف ، بكفايات ذات مستوى رفيع ، من ثمة فإن الكفايات ليس تقدما حقيقيا إلا بالنسبة للتلاميذ الذين لا يتجاوزون مستوى البكالوريا ، بل مستوى شهادة الدراسات . هل من المفروض أن تنزاح جميع غايات التربية المدرسية نحو الكفايات ؟ أم هل يجب تخصيص – مكان - ما هو المكان ولماذا؟ - لأهداف أخرى ، مثلا لقيم ، لهوية ، لتطوير فكري لموقف ؟ ماذا سنربح من إعادة تعريف جميع المكتسبات ككفايات أو موارد في خدمة الكفايات ، في تخوف من خلط الأوراق ؟ هل يتوجب ربط جميع الأصناف المعرفية بالكفايات أم هل يجب أن نلقن تلقائيا بعضا منها كأسس لمعارف لاحقة ؟ ماذا سنربح من إحالتنا جميع المعارف إلى وضعيات معقدة ؟ هل توجد ، وإذا كان الجواب نعم ، هل يجب تطوير كفايات عرضانية ، أي تلك التي من شأنها الانتشار بخصوص موضوعات جد متنوعة مستمدة من أصناف معرفية مختلفة ؟ بالاشتغال على المعرفة /التحليل ، هل نعتقد بجدية التهيئ لتحليل و تفحص صخرة ، طبق مطبوخ ، راديوغرافيا ، أوبيرا ، مباراة في كرة القدم ، سوق ، عطر أو حملة انتخابية ؟ هل نحن مستعدون لأن نتعامل بجدية مع الصلة بين كفاية وفئة من وضعيات نواجهها خارج المدرسة ، سواء كان طفلا مراهقا أو راشدا ؟ إلى أي وضعيات تحال ومندرجة ضمن أي ممارسات وعلائق اجتماعية ؟ هل بإمكاننا أن تصور تحديد الكفايات والموارد انطلاقا من تحليل لحياة الناس في القرن الواحد والعشرون ومن مشاكل يواجهونها وسيواجهونها فرادى أو جماعات ؟ أين نريد أن نعثر في البرامج الموجهة نحو تطوير الكفايات على كل ما تدرسه المدرسة منذ القرن الواحد والعشرين ؟ هل في نيتنا تغيير مفتاح التوزيع بين الأصناف المعرفية ؟ أن ندمج ضمنها أصنافا جديدة مثل القانون ، الاقتصاد ، علم النفس...؟ هل نقبل بالتقليص داخل المواقيت المدرسة من الزمن المخصص لاكتساب معارف جديدة كي ندفع التلاميذ لاستعمال الموارد المكتسبة ؟ بتعبير آخر ، هل بإمكاننا إيجاد توازن ما بين تراكم المعلومات وتعلم كيفية تعبئتها في وضعية ملائمة ؟ هل نحن مستعدون لإعطاء الأولوية – عند وضع البرامج – لهؤلاء الذين لا يتبعون المسلك الرفيع للدراسات الطويلة ؟ وعند الحاجة بأن نؤخر قليلا تكوين نخب المستقبل ؟ ما هي التحولات في آليات التعليم / التلقين والتقييم يفترضها النهج الجديد ؟ أي تكوين ، أية مواكبة ، أية وسائل نقترحها على المدرسات و المدرسين ؟ الجذع المشترك شيء استثنائي لا أحد بإمكانه الحسم في هذه المسائل ببساطة ، هذا علاوة على أننا محتاجون إلى إجابات جماعية، بمعنى بحاجة إلى توافقات ذكية بقدر الإمكان . من سوف لن يحلم بمجتمع قادر على تنظيم نقاش حول هذه المسائل قبل إعادة تحديد الغايات من التربية المدرسية ، ومما لا شك فيه أن المنهجية السلطوية أو بالأغلبية تكون جد سريعة ، لكن وفق أي ثمن ؟ قد يكون الأسوأ هو تفويت فرصة السير قدما بالنهج بسبب الإفراط في التعجل وفي غياب نقاش حقيقي لعمق المسألة ، أي حول العلائق بين الثقافة والفعل ، المدرسة والحياة ، تكوين النخب وتكوين الآخرين ، العلاقة ما بين المعارف والكفايات ، غايات التربية المدرسية . المقارنة بين النصوص البرمجية للسبعينات والنصوص الجاري بها العمل حاليا مقارنة مثيرة . فقد انتقلنا من التقديم الذي يشبه فهرس مرجع مدرسي تدريجيا إلى صياغة أكثر تدقيقا مع إشارات ديداكتيكية تتعلق بالكفايات المطلوب اكتسابها . ويرجع استعمال كلمة كفاية في التعليم العام إلى بداية السبعينات في تحديد الدبلومات المهنية . كان «الجذع المشترك للمعارف والكفايات» لبداية سنة 2000 شيئا استثنائيا على أكثر من صعيد إدراجه ضمن القانون ، صياغته من داخل الأصناف المعرفية المدرسية ، التعريف الذي يخصصه لمصطلح «كفاية» . ضمن خط سير الجذع المشترك ، أعطت البرامج الجديدة للمتمدرس الإجباري (مدرسة وإعدادية) مكانة جديدة تماما للكفايات ، وقد شجب البعض في هذا التغيير اختيارا إيديولوجيا ، أو انتصار الشكل من «البيداغوجيزم»(pédagogisme ) ، بعيدا عن كل ذلك يتوجب علينا ببساطة الابتهاج لكون المقاربة بالكفايات هي الإجابة الوحيدة الممكنة لصياغة وتصور برامج لعصرنا . إن الرفع من كمية وتنوع معارف يحمل انتقاء ما يجب تدريسه خلال فترة التكوين الأولية صعبا جدا ، أين نتوقف في برامج التاريخ ؟ في أي مرحلة يجب تحديد الأعمال الأدبية التي ينبغي دراستها ؟ هل ينبغي التخلي عن تدريس «السيدا» لكونها اكتشفت حديثا ولأن ثمة لايقينيات حول الجانب العلمي ؟ فإذا كانت الإجابات عن هذه الأسئلة من قبيل التعسف وبالتالي من قبيل نقاشات بلا نهاية ، فإن بإمكان التوافق أن يتم بسهولة كبيرة بخصوص تحديد الكفايات التي يجب الانشغال عليها منذ التمدرس الإجباري ، بل وحتى داخل الثانويات. لا يمكننا إلا أن نبدي اندهاشا للتباعد بين لا فعالية التأملات البيداغوجية التي شرع فيها منذ عشرين سنة بخصوص الأخذ في الاعتبار الكفايات في التعليم ، وسرعة إدراجها في النصوص البرمجية (الجذع المشترك) ، ثمة صعوبة كبيرة تتعلق بمسألة التقييم ، كيف نحكم بصحة التحكم من كفاية ، وذلك بتفادي ، بصفة خاصة ، الكثير من الذاتية المؤذية لتلاميذ؟ ثمة انتقاد آخر متواتر ، تقييم كفايات محدودة في الملء اللانهائي لشبكة البرامج ، إلا أنه من الممكن تقييم عمل تلميذ دون البحث عن الاستفاضة قبليا في الكفايات المطلوب تعبئتها . إن الخبرة البيداغوجية ، هي ميسمة بعض العناصر الأساسية في عمل تلميذ وتواترها ، تقييم أهميتها نتائجها أو تبعاتها على التعلمات اللاحقة ، لا يتخذ تقييم تحليلي من هذا القبيل كمرجع إنتاجا متثاليا قد نقارنه بإنتاج التلاميذ ، بل ينطلق على العكس من ذلك ، من إنتاج كل تلميذ بحثا عن ميسمة الثوابت التي من شأنها أن يتم الاشتغال عليها ثانية من أجل تحسين الإنجاز . بعيدا عن المسألة الأساسية للتقييم ، فإن الإدراج ضمن الممارسات التعليمية للكفايات المطلوب تطويرها عند التلاميذ ، يفضي إلى إعادة النظر بعمق في مهنة أستاذ في سير وتنظيم ساعة داخل الفصل ، بإمكان أستاذ أن يقدم المعرفة التي يمتلكها ، لكن لا يمكنه على النحو نفسه تطوير الكفايات لدى تلامذته . الكفاية رغبة في التطوير هل الجذع المشترك أداة أصيلة للعمل بالكفايات ؟ هل يسمح «الجذع المشترك» الفرنسي كما تمت صياغته على العمل بالكفايات فعلا ؟ يجب السهر من جهة على الطريقة التي يفسر بها التلاميذ وضعيات العمل ، ومن جهة أخرى أن يفهموا الرهانات الحقيقية للمهام المدرسية . يتطلع – الجذع المشترك – خلال التمدرس الإجباري إلى بناء كفايات سبع كبرى (ممارسة لغة أجنبية حية ، أهم عناصر الرياضيات والثقافة العلمية والتكنولوجية ، ثقافة إنسانية ...). قد يكون من اللاتبصر الاعتقاد أن تلميذا يحسن «أخذ مبادرات» يكون في نفس الآن قادرا على فعل ذلك في حل مسالة رياضية ن ما ننتظره من التلاميذ هو أن يكونوا قادرين – في حالات فريدة نسبيا – على اختيار الإجراءات الملائمة من بين تلك التي تم تدريبهم عليها ينطبق هذا الأمر على المعنى الذي نعطيه لكلمة «كفاية» عندما نقول عن شخص أنه ذو كفاية في مجال معين ، فهذا معناه الاعتراف له لا فقط بالتمكن من حركات نمطية ، بل بصفة خاصة بقدرته على التمييز تساعد – أمام وضعيات غير منتظرة- على تحديد الحركات التي يكون ملائما تعبئتها . إننا إذا أخذنا في الاعتبار هذا البعد لكلمة «كفاية» فإن بناء كفايات عند التلاميذ معناه الرغبة في تطوير قدرتهم على التمييز من تلقاء أنفسهم وإعطائهم استقلالية فكرية ، من هنا يأتي السؤال الأساسي كيف يمكننا أن نطور عند تلامذتنا القدرة على تعبئة ، بمعرفة منهم ، للإجراءات الأساسية التي دربوا عليها ؟ المسألة البيداغوجية هي إيجاد وسائل لتوجيه التلاميذ نحو نوع تأويل الوضعيات التي تتطلبها المعارف المدرسية ، هناك بعض التلاميذ ، سيما المنحدرين من أوساط متميزة ثقافيا ، يستوعبون للتو ضبط الوضعيات التي ينتظرها المعلم لكن البعض الآخر لا يرى هذا الضبط إلا من حين لآخر ، لا يوجد أي شيء غير مشروع في هذا الضبط للوضعيات لكنه لا يتطابق مع التأويل الذي تنتظره المدرسة . ماذا بإمكان المدرس فعله بالنسبة لهذه الفئة الثانية من التلاميذ ؟ لا يوجد جواب خارق لهذا السؤال بل أبحاث حالية تتجه إلى ثلاث مسالك : - المسلك الأول هو أن للتلاميذ سهولة أكبر في اختيار الإجراءات الملائمة لوضعية جديدة ، عندما يكونون بتواتر يواجهون مهام معقدة نسبيا وفريدة ، وليس فقط مهام منمطة لا تلزم إلا التطبيق المباشر لإجراء . - المسلك الثاني هو أن طفلا لا يتحكم في إجراءات لتنفيذها في مهمة معقدة ، لا تكون له فرصة مهمة للوصول إلى نتيجة . - المسلك الثالث هو أنه يتوجب على التلاميذ بغية اكتساب نمط لتفسير الوضعيات التي تفرضها المدرسة ، التخلي عن النمط الذي يكون لديهم عفويا . إجمالا نرى أين أهمية مفهوم الكفاية ، إنه مفهوم لا يؤدي إلى تغيير طبيعة ما نلقنه ، بل إنه يجبرنا على التركيز على مشكل التعبئة بدراية شخصية. الربط بين الكفايات العمل بالكفايات لا يرتجل ، ذلك أن التكوين ضروري بالطبع ، ما هي الأهداف من أجل التكوين ؟: - الإخبار حول جذع الكفايات والمعارف ، بدون لغة خشبية وذلك بإعادة وضع الجذع في سياق تاريخه وإبراز أنه ليس بالإمكان أن يوجد جذع في الواقع إلا إذا اشتغلنا بالكفايات . - المساهمة في نفس الآن في تحفيز الإعداديات التي قررت الدخول إلى التجربة . لا يمكن أن تكون الأهداف هي نفسها بالنسبة لهؤلاء الذين يريدون معرفة “ كيف “نعمل بالكفايات ، وبالنسبة لهؤلاء الذين يتساءلون عما إذا توجب العمل بالكفايات . - الربط بين الكفايات عبر الأصناف المعرفية ، لكن على أساس ألا نظهرها كآليات حربية ضد الأصناف المعرفية . - بعيدا عن الجوانب التقنية التي تكون أساسية حاسمة لكي تشتغل التداريب ، يتوجب أن يتم تصور التكوين للعمل بالكفايات بالتفكير في المعيقات ، في الصعوبات الذاتية والموضوعية ، هناك أسئلة تبرز هنا : - هل الكفايات قابلة للتوفيق مع البرامج التي لا تتم صياغتها على أساس كفايات ؟ - ماذا يحمل العمل بالكفايات من جديد بالفعل ؟ - ما هي العلاقة بين الجذع المشترك والعمل بالكفايات ؟ - هل من الممكن أن يتم الاتفاق داخل المؤسسة على كفايات مشتركة ؟ - متى نقرر أن كفاية تكون مكتسبة ؟ وماذا نفعل عندما لم يتم اكتساب الكفاية؟ سبق قول الكثير عن الكفايات ، عندما نتحدث عن المدرسين في المدارس كما مع زملائهم في الإعداديات ، فإنهم يقولون إنهم لقنوا(الأهداف) أهداف خصوصية وكفايات عرضانية . هل الكفايات قابلة للذوبان داخل البرامج؟ خلال يوم تكويني بخصوص العمل بالكفايات وبراج اللغة الفرنسية ، طلبت من المتدربين ما هي الكفاية التي مكنهم درس اللغة الفرنسية من اكتسابها عندما كانوا تلاميذ ؟ إجابات مختلفة “التمكن من فكر نقدي، الإحاطة بالمضمر داخل النص ، تنظيم أفكاري ، إلخ...” سمحت الإجابات بفهم أفضل لمفهوم الكفاية ، في معنى إيجاد إجابة على مشكل . كيف إذن جعل تقاطع لعمل بكفايات وبرامج في مادة واسعة مثل الفرنسية؟ ثمة علاقة قليلة بين الكفايات اللغوية المتحكم فيها جيدا وبين سن طفل . اصطدمت إقامة عمل عن الكفايات اللغوية بثلاث صعوبات أساسية : - تكدس في الأقسام ، من المستحيل تسيير ورشة لغوية بعدد من التلاميذ يصل إلى ثمانية وعشرين . - صعوبة مرتبطة بأطفال في سن الحضانة . - لا يدرك التلاميذ أهمية ، وأقل من ذلك رهان هذا النشاط الأساسي. العدد 476 من مجلة cahiers pédagogiques