يتوقع أن يكون الجو صحوا غدا، 25 نونبر، لتستعيد السماء شمسها وضياءها...و هو اليوم نفسه الذي يتوقع أن تتبدد فيه غيوم اليأس، ليشرق في فضاء الوطن الأمل وتعطر أجواءنا أنفاسه. يوم قاد إليه تاريخ، عبر منعرجات ومطبات وآلام وأفراح... ويعِد بأن يفتح مجرى مخصبا للتاريخ. حمولة اقتراع 25 نونبر، جاوزت حدود وزنها الانتخابي المعتاد في كل عملية انتخابية... ذلك الاقتراع، غدا ، له بعد اختراق حاجز المعتاد والمألوف والمكرور في السياسة الرائجة عندنا. لا يتعلق الأمر بمجرد انتخاب مجلس للنواب، على شاكلة المجلس المنتهية ولايته...النواب فيه، أكثرهم يتدثرون فيه بحصانتهم، وأكثرهم مميزون برطانتهم، وأكثرهم أهم نشاط لهم فيه، ما بين غفوتين، التصفيق الحار، وفي أغلب الحالات الضار بالديمقراطية والمجلس والحكومة والبلاد. المجلس النيابي الذي سيشكّل من صناديق اقتراع الجمعة، المأمول أن يكون مجلسا آخر... مشبع بتأصيل دستوري رفع منسوب قدراته التشريعية والتوجيهية لحركية الحكامة السياسية... مجلس بفعالية المحرك الأساس لآليات النظام السياسي، ومنتج لمعظمها... مجلس لتجسير العبور الثابت، السلس والآمن لهذا الوطن نحو المزيد من رحابة الفضاءات الديمقراطية، إنه المجلس الموكول له مسؤولية إحراق سفن اليأس، والقطع مع التردد والمراوحة في الانتظارات، وإنتاج طاقات الأمل الدافعة لاقتحام المستقبل المفعم بمعنويات وماديات التقدم. الصوت في انتخابات الجمعة مغاير للصوت في سوابق الانتخابات... صوت بدوي تفجير طاقات تسريع وتكثيف التغيير... صوت به يكون يوم الاقتراع، فعلا وأقوى من ذي قبل، يوم ممارسة الشعب لسلطته التقريرية في إنتاج مؤسساته التشريعية والتنفيذية ... إنه صوت المشاركة وليس مجرد المباركة، صوت التقرير وليس مجرد التمرير. هذه الانتخابات، تمثل المشاركة فيها أهم نتائجها... وإن كانت تميزت أصلا بمشاركة شعبية عارمة في حملتها الدعائية، أسهم فيها، أيضا، مقاطعوها وبحيوية... البعد السياسي للمشاركة الشعبية في الانتخابات تحقق أصلا، عبر حرارة التنافس الحزبي، حتى وقد تخللته ملاسنات متفاوتة الحدة وبعضها خارج متطلبات اللياقة، بما يؤشر على الوعي بمفصلية نتائج هذا الاقتراع على التدبير السياسي لإدارة البلاد، وارتباط ذلك بروح ومضمون الدستور الجديد، ويؤشر في الآن نفسه على الثقة في مصداقية الانتخابات، وما سيتولد عنها من تشكيل جديد لتضاريس العمل السياسي النيابي و الحكومي... أهمية هذه الانتخابات وممكنات تأثيرها في تجديد الممارسة السياسية، تلك الأهمية، ترشح من حماس فصائل التطرف السياسي والإيديولوجي لمقاطعتها، ليكون بإمكانهم، في ما بعد، «تجيير «العزوف الانتخابي (ومعظمه مجرد لامبالاة وبغير معنى سياسي) لصالح دعوتهم لمقاطعة الاقتراع... بدل التموقع داخل الدورة الديمقراطية والإسهام في تحريكها والفعل الإيجابي فيها... اختار بعض الرفاق و بعض الإخوان «التواجد» في هوامشها...عموما «أفكار» التطرف تتناسل من وفي الهوامش الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. التصويت في الانتخابات هو المعطى الذي يستنفر الاهتمام... وهذا لا يقلل من أهمية النتائج الانتخابية، وما ستؤدي إليه من تشكيل أغلبية نيابية ومعارضتها ونوعية الحكومة التي ستتولد عنها ... غير أن البعد السياسي الفارق لهذا الاقتراع سيبقى الأهم، بما هو ناتج عن عودة السياسة إلى أصلها وموضوعها وهو المواطن (الرجل والمرأة) الذي يمارسها مع أو ضد هذا الاختيار السياسي والمجتمعي أو ذاك ...برزت لدينا اصطفافات حزبية وعقائدية متمتعة بحرارة انتماءات شعبية...وهذا مدخل هام لترسيخ الممارسة الديمقراطية بما تفرضه من صراع و تنافس بين أطراف. تتبعنا كيف «تصارعت» الاختيارات الحزبية وتراشقت بالأرقام والمقترحات والالتزامات البرنامجية، وذلك إنما عزز مكانة «الحزب» باعتباره الخلية الأساس في الممارسة السياسية المغربية، وعزز مكانة الأحزاب المستحقة صفة الحزبية، بجاذبيتها الشعبية، اتساع تمثيليتها وجديتها السياسية. وهذا يعني أن التأطير الحزبي للمشاركة الشعبية في تدبير الشأن العام إنما سيتعاظم بعد الانتخابات، وذلك ما قد يمكننا من استمرار اليقظة الشعبية في تتبع أداء المؤسسات التشريعية والتنفيذية... تلك اليقظة تسمى «ضغط الرأي العام»، وهو مكسب هام لتأمين السلامة المعنوية و المادية للديمقراطية المغربية، وهو من إفرازات هذه الانتخابات. المشاركة في الاقتراع يوم 25 نونبر ذات أبعاد وإفرازات تاريخية على فعالية المواطن في الانتصار لقضايا الوطن. وهي بهذه المعاني، يكون حافزها الإيمان بأمل التغيير والتقدم... ذلك الأمل هو ما أوصلنا إلى هذه اللحظة التاريخية، وهو نفسه ما يحرك إصرار المغاربة على اقتحام المستقبل. لا خيار آخر أمامنا، عدا أن نرفع عاليا صوت وأنفاس الأمل، ليس لمجرد مقاعد في مجلس النواب... من أجل الرفع من مكانة المواطن في حياة الوطن ومكانة الوطن في تقدير وأمل المواطن. غدا سيقول المغاربة بصوت قوي ...التاريخ نحن نصنعه...مشاركتنا هي أساسا انحياز لنصاعة وفعالية الأمل.