أسفر إضراب المستخدمين عن شل الحركة بالرصيف التابع لمجموعة «أوروغيت» بميناء طنجة المتوسطي، وعن مضاعفة نشاط ميناء الجزيرة الخضراء الإسباني. وبعد أن تزامن هذا الشلل الجديد مع انطلاق مسلسل تفويت التدبير المفوض للرصيف الثالث بالدارالبيضاء، ومع تعرض الأسطول البحري المغربي لضغوط من الأطراف التي يفترض فيها أن تكون خير مدافع عنه في ظل ظرفية دولية ووطنية تهدده بالإفلاس، فقد صار من المنطقي التساؤل عن الجدوى من الاستثمار في قطاع استراتيجي باهظ الكلفة إذا كان المشرفون عليه يتقنون فن إبعاد كل دخيل على محيطهم، ولكنهم لا يملكون القدرة على حماية المكتسبات المحققة منذ انطلاق العمل بمعلمة اقتصادية رائدة من عيار «ميناء طنجة المتوسطي». لقد انتقلت عدوى شل الحركة عبر الإضراب من ميناء الدارالبيضاء إلى ميناء طنجة المتوسطي. ومع أن هذا الشلل كبد الميناء خسائر تتجاوز حدود الجانب المالي لتطال سمعة المغرب على مستوى الملاحة التجارية الدولية، فإن الأجهزة الوصية على القطاع تلتزم الصمت وكأن شل الحركة بميناء طنجة المتوسطي ليس أولى من خوض الحملة الانتخابية. الإضراب الذي تسبب في شل الحركة بميناء طنجة المتوسط يحتم بالضرورة البحث عن أسباب تأجج الصراع بين المشغلين وبين المستخدمين، ولكنه يحيل بالأساس على القوانين المنظمة للمهنة وعلى دفتر التحملات المعتمد في تفويت حق استغلال الرصيف للقطاع الخاص، فكما أن الفائز بالصفقة يهمه أن يرفع الإنتاجية والمردودية إلى نفس المستويات المحققة في باقي الموانئ الدولية، فإن المستخدمين يهمهم أن يتقاضوا أجورا ومستحقات في نفس المستويات التي يحصل عليها نظراؤهم في موانئ الضفة الشمالية من حوض البحر الأبيض المتوسط. والتوفيق بين الموقفين المتضاربين لا يتم عبر ترحيل الخدمات من المغرب إلى أوربا، وإنما بتدبير النزاع الاجتماعي على أسس قانونية وموضوعية. وإذا كان الأجانب يجدون في أرصفتهم الأوربية ورقة ضغط قوية، ليس على المستخدمين المغاربة فقط وإنما كذلك على الدولة المغربية، فإن مكانة ميناء طنجة المتوسط في الخيارات الاستراتيجية الوطنية تحتم على المسؤولين المغاربة المعنيين بتدبير هذا القطاع، أن يبادروا إلى تقديم ما يكفي من الشروح وأن يعجلوا بالتوصل إلى حل منصف يعيد للميناء نشاطه في هذه الظرفية الدولية المتميزة بالركود الاقتصادي، وبحرص الدول الأوربية الشديد على توفير مناصب الشغل داخل التراب الأوربي. وتفاديا لتكرار حالة الشلل في المرافق المينائية المغربية، وخاصة منها ميناء الدارالبيضاء، فإن صفقات التدبير المفوض يفترض فيها أن تتم عبر دفاتر تحملات تؤمن للمغرب تحقيق أهدافه من الاستثمار في مشاريع تنموية استراتيجية. فإذا كان سوء التدبير قد حال دون التزام الفائز في طلب العروض الخاص بتفويت «كومناف» بالتزاماته وخاصة منها تجديد الأسطول، فإن مكانة الأنشطة البحرية في تأمين السيادة الوطنية وفي تحقيق المخططات التنموية، لم تعد تقبل التجريب أو إسناد المهام لمن هم ليسوا في مستواها علما بأن المغرب لا تنقصه الموارد البشرية الكفؤة في كافة الميادين .