في مدينة مراكش هواة الكرة الحديدية يمارسون لعبتهم على هامش الفضاءات.. ليست هناك أندية قائمة بذاتها على شكل ما نراه في البيضاء والرباط.. أندية صغيرة جدا.. وممارسون كُثر.. قاسمهم المشترك المعاناة، التهميش، اللامبالاة.. شخصيا لم أحظ بالاستمتاع بفنون هذه اللعبة في المدينة الحمراء.. لكن كثيرا ما أثارتني مشاهد هذه الرياضة على هامش دوار «أكيوض» في طريق السويهلة غير بعيد عن ثانوية فيكتور هيكو بحي جليز.. فضاء ضيق على حافة بقايا ما يسمى بجبل جليز، بضعة كراسي، وكرات حديدية، وأناس يمارسون هذه اللعبة في ظل هذه الظروف.. آخرون على شاكلتهم يفعلون نفس الشيء مباشرة بعد تجاوز مستشفى ابن سيناء العسكري في الساحة الخالية المحاذية للسور الذي يخفي تلك الدور البسيطة للعسكريين.. هناك أيضا كان يجد ممارسو هذه اللعبة ضالتهم، لكن بأية طريقة وبأي أسلوب؟؟ وإذا عرجنا من شارع يعقوب المنصور إلى الطريق الرابط بين السجن المدني «بولمهارز» وكلية الطب سنجد مجموعة أخرى من عشاق هذه الرياضة يتجمعون في خلاء قبالة المقبرة المسيحية، وعلى بعد أمتار قليلة من الطريق الصاخب الذي لا تكاد حركته تتوقف على مدار اليوم.. طبعا قد يكون آخرون في مناطق أخرى من هذه المدينة، لكن الأكيد أن الجميع يبحث عن متنفس في الساحات الخلاء لممارسة هذه الرياضة.. يقول أحد الممارسين الهواة: «كثيرون يعتبرون أن ممارسي هذه الرياضة هم من المتقاعدين ممن انتهت صلاحية دورهم المهني، هكذا يعتقد الكثيرون، لذلك فماداموا على هامش العمر فرياضتهم أيضا يجب أن تكون على الفضاءات المهمشة.. لكن الذي لا يدركه الكثيرون أن هذه اللعبة الرياضية ليست مجرد تنافس لتحريك الأيدي والمشي بالأرجل ورمي الكرات الحديدية ووضعها في المواقع، لكنها أيضا رياضة للفكر والعقل إذ يتمرن الممارس على التركيز، ما يوفر له مساحة شاسعة من التفكير تساهم لا محالة في جعله أكثر صبرا ودقة وأكثر رؤيا..» هذا على الأقل ما يبدو حاليا على الساحة، لكن ما هو موقع الأندية المنضوية تحت لواء الجامعة الملكية للكرة الحديدية؟ في أية فضاءات تمارس هذه اللعبة بهذه المدينة؟ من هم أبطالها؟ ما وضعيتهم؟ ما هو الدعم الذي تتلقاه من السلطات المحلية ومن المجالس المنتخبة؟ هذه الأسئلة وغيرها شكلت بالنسبة لنا هاجسا حيث حملناها معنا إلى المجهول نبحث عن خريطة هذه الرياضة في جغرافية مراكش.. مساحة ترابية محاطة ببعض الكراسي وجدار يفصلها عن الطريق المؤدي إلى السويهلة، وتحث رعاية جبل جليز.. متقاعدون وشباب يمارسون شغب لعبتهم.. اقتحمت فضاءهم.. سألت شابا منهم عن اللعبة وقال: «هذا ليس ناديا بالمعنى الحقيقي للنادي ولكنه فضاء تطوع متقاعدون عسكريون لتهييئه.. كان المكان عبارة عن حافة خلاء ومرتع للأزبال وملجأ للمتسكعين.. غير أن متقاعدين عسكريين فكروا في أن يحولوا هذا الفضاء إلى ساحة لممارسة لعبة الكرة الحديدية، فملأوا الحافة بالتراب عن طريق الشاحنات وثبتوا كراسي على تماس الساحة وبنوا جدارا واشتروا مصابيح كهربائية وتحول الفضاء إلى ملعب رياضي يسمح بممارسة لعبة الكرة الحديدية. قلت لمخاطبي، هل يمكن أن تحدثني عن الأندية الممارسة لهذه اللعبة في مراكش؟ فقال:« لا يتجاوز عددها أربعة، وهي: النادي المراكشي-النادي البلدي-النادي الحسني- الكوكب المراكشي..» وبأسف شديد قال: «في هذه المدينة ليس هناك ناد يتوفر على مدخول قار كما هو الشأن لدى بعض الأندية في مدن أخرى.. علما أن مدينة مراكش كانت هي أول مدينة احتضنت مقر الجامعة في عهد الاستعمار وكانت تتوفر على ثلاثة أندية لها من الشهرة والباع الكثير وهي: لاسام، وتاركة بول، وزيزي هذا الأخير مازال كإسم لكنه مجرد حانة ليس إلا.. أحالني ممارسوا هذه الرياضة على رجل أسمر بقبعته وجلبابه الأبيض يُدعى المصطفى الزريعي..متقاعد من الجيش، قالوا إنه موسوعة مراكش في الكرة الحديدية.. كان رئيسا ومؤسسا للنادي الرياضي للمتقاعدين، هو من أسس نادي الكوكب للكرة الحديدية كان عضوا بعصبة تانسيفت للكرة الحديدية.. ابتسم قبل أن يرد عن سؤالي وقال: «الكرة الحديدية بنت الزنقة» ليس بالضرورة أن يكون ممارسوها خريجي مدارس أو معاهد لا وجود فيها لشواهد، سهلة الممارسة والتعرف على خباياها لا يتطلب علما أو معرفة خاصة، لكن « شوكتها صعيبة ..»» وأضاف: «الواقع أن هذه الرياضة لا تلقى العناية اللازمة بمراكش، وحتى الدعم الذي يتم تقديمه للجمعيات من طرف الجماعة الحضرية لا تستفيد منه إلا الجمعيات التي يصنعها الأعضاء المنتمون لهذه المؤسسات في إطار سياستهم المبنية على المصالح الانتخابوية..» المصطفى يحمل جبلا من هموم هذه اللعبة وله فيها الكثير من التفاصيل وله دراية بمسالكها ودروبها ودهاليزها الخفية..قال: «إن القادم من بعيد أو عابر السبيل يثيره هذا الفضاء ويخلق لديه فضولا.. لكن سرعان ما يتحول إلى عاشق مولع بهذه الرياضة.. أعتقد أننا في هذا الفضاء البسيط والمفتوح على المارة نربي الكثيرين على عشق ما هو أجمل.. أليس الأفضل أن نقضي وقتنا هنا بدل فضاءات أخرى تكون أقرب إلى الانحراف..» المصطفى أضناه الحديث عن معاناة الكرة الحديدية وفضل الحديث عن مزاياها يقول: « ممارس هذه الرياضة يضرب مسافات طويلة في مساحة ضيقة دون أن يدري، قد تصل إلى سبعة كيلومترات بين وضع الكرة في مكانها والعودة إلى موقع الانطلاق والالتقاط وهكذا دواليك.. سبع كيلومترات دون عناء، الكثيرون يعتقدون أن ليس هناك مجهودا بدنيا يبذل في ممارسة الكرة الحديدية، لكن الواقع يؤكد أن هناك حراكا بدنيا لكن دون شعور وهذا هو سر ممارسة هذه الرياضة في أي مرحلة من العمر » المصطفى يعتبر المغاربة متميزين عالميا في هذه اللعبة حيث يقول: «صحيح ليست لدينا الإمكانيات المتوفرة لممارسي هذه الرياضة في فرنسا وإسبانيا، لكن المغاربة يتوفرون على مهارات خارقة وقدرات فائقة حيث ألفوا منذ صغرهم ممارسة اللعبة الشعبية (اللبي) و(الطرومبية) لذلك فلا غرابة أن يتسيدوا العالم في البطولات العالمية في كثير من المرات..» كان الحديث جميلا مع المصطفى ومحزنا لما تعانيه أندية الكرة الحديدية التي قال بأنه في السابق مرتبطة في مداخلها برخص بيع الكحول لكن اليوم بمراكش مداخيل ناديين فقط تأتي من مقهايين عاديين قلت له مازحا كانت الكرة الحديدية إذن محمولة على كأس من نبيد.. ابتسم وتركت الفضاء رغم أني ما أزال أحمل معي حزمة من الأسئلة تحتاج إلى كثير من الأجوبة وقد نصيغها بشكل أخر في القادم من الأيام.