هي مرحلة دقيقة وحاسمة في تاريخ المغرب تمر منها البلاد الآن، مرحلة قد ينجم عن اللعب بالنار فيها تداعيات قد تتخذ أبعادا تزيد من حالة اليأس وفقدان الثقة في المؤسسات بالمغرب. فعندما خرجت حركة 20فبراير إلى الشوارع مطالبة بالتغيير وبإسقاط الفساد، وعندما هتفت الحناجر بعفوية مطالبة بمحاسبة المفسدين ومستعملي المال الحرام، وعندما تحركت آلاف الجماهير بعفوية في البداية آملة في استنشاق هواء نقي، فإن ذلك لم يكن سوى مؤشر دال على أن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس بكل تأكيد، وأن مغرب الغد لايمكن أن يكون على مقاس قناصي الفرص ومن تعود الاصطياد في الماء العكر. إن شعار إسقاط الفساد الذي رفعه المغاربة في شوارع مدننا هو شعار لايمكن اختزاله في الأسماء التي قيل عنها بأنها رمز للفساد بالمغرب والتي تضمنتها لافتات المحتجين والمتظاهرين، قد تكون تلك الأسماء جزءا ظاهرا من الفساد ولكنها ليست هي كل الفساد، فهناك مفسدون تواروا إلى الخلف حين العاصفة وهم الآن يطلون برؤوسهم علينا ليحتلوا مقعدا مريحا تحت قبة البرلمان. فما الذي سيتغير إن عادت نفس الوجوه وما الذي سيتغير في مغرب الغد إن تحكمت نفس العقليات في مجلسنا التشريعي بغرفتيه وفي حكومة العهد الجديد المبشر بها؟ لاشيء سوى أن الأزمة ستزداد تعمقا وستفقد هذه المؤسسات المصداقية . الأخبار المتوالية علينا من مجموع التراب الوطني تفيد أن حمى التزكيات والتي انطلقت قبل فترة تنذر بعودة مجموعة من المفسدين الذين رفضهم الشارع بل منهم من تم رفع شعارات ضدهم مباشرة هنا وهناك وصدرت لوائح شعبية تطالبهم بالرحيل بل في مناطق عديدة .هناك تهديد شعبي بأن تزكية هؤلاء يعني إجبار المواطنين على مقاطعة الانتخابات البرلمانية وهو أمر تدركه الجهات المسؤولة جيدا، فالتقارير الاستخباراتية المرفوعة لابد أنها تتضمن إشارات إلى انشغالات الشارع المغربي وبالتالي فإن منطق منح التزكيات وإن كان يخضع لرغبة الأحزاب إلا أنه لايبرر إغفال صوت الشارع المغربي إرضاء لنزوات ومصالح شخصية أو حسابات حزبية ضيقة. لقد طالب الشارع المغربي مجموعة من الرموز بالرحيل ويصر البعض على فرضها على الجماهير. لقد طالب الشارع المغربي بمحاسبة الفساد والمفسدين، ويصر البعض على تزكيتهم ولسان حالهم يقول « اللي ماعجبو الحال يمشي يطلع للجبل»! لقد طالب الشارع المغربي بالتغيير ويصر البعض على الاحتفاظ بنفس الوجوه ونفس رموز الفساد في تحد صارخ لإرادة الشعب. لايهم إن ساهم ذلك في فقدان الثقة في المؤسسات المنتخبة، لايهم إن ساهم ذلك في تفتيت البنى التحتية لبعض الأحزاب السياسية وضرب العمل الحزبي محليا بالشكل الذي يبعث اليأس في المستقبل ويجعل الشارع المغربي يصرخ من جديد بإسقاط الفساد بعد أن تأكد له بأن هناك أحزابا هي رمز الفساد أو أنها تحمي الفساد بسلوكها هذا والذي يجعل بعض مرشحيها يقولون للهيئة الناخبة « عائدون رغم أنفكم..