صار من حق المغاربة أن يتتبعوا عن كثب خطوات كل من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية أنغيلا ماركل بشأن توحيد آراء رؤساء الدول السبع عشرة المنخرطة في العملة الأوربية الموحدة «الأورو» لمواجهة مشاكل المديونية الأوربية. فبعد أن اتخذ ساركوزي من مواجهة الأزمة الأوربية المعبر الأوفر حظا للفوز في الانتخابات الرئاسية لسنة 2012، لم يعد في وسعه غير المزيد من التركيز على حماية المصالح الأوربية حتى ولو كان ذلك على حساب الالتزامات المعلن عنها مسبقا تجاه شركاء الاتحاد الأوربي، بمن فيهم دول الجوار الذين منعوا من الانضمام للاتحاد رغم أنهم حققوا معايير ماكرواقتصادية أحسن بكثير من التي حققتها العديد من الدول الأوربية. فمن فاز بصفقة القطار الفائق السرعة دون المرور عبر مسطرة «طلبات العروض» يمكنه أن يفوز بصفقات أخرى حتى لو كان ذلك على حساب أولويات المغرب. إن فرنسا التي تورطت، إلى جانب بلجيكا، في أزمة بنك «داكسيا DAXIA» ثم في صعوبة استرجاع الديون المترتبة على اليونان، وجدت نفسها بدورها تعاني من البطالة والغلاء، ووجدت نفسها مطالبة بالرد على انتقادات الولاياتالمتحدةالأمريكية وصندوق النقد الدولي الداعية إلى إعادة رسملة البنوك الأوربية، علما بأن الولاياتالمتحدة نفسها تواجه تجذر الحركات الاحتجاجية المعادية للنظام المالي العالمي واتساعها لتشمل عدة مدن أمريكية بعدما انطلقت من المركز المالي وول ستريت بنيويورك. فإذا كان أغنياء أوربا غير مستعدين لتمويل عجز الحكومات الأوربية، حيث يرتقب أن يصل الدين العمومي في منطقة الأورو بمفردها سنة 2012 إلى 88.7% من ناتجها الداخلي الخام وإلى 83.3% في مجموع الدول السبع والعشرين، بعدما كانت هذه النسبة محصورة سنة 2007 في 66.3% في دول الأورو و 59% في مجموع دول الاتحاد الأوربي، فمن أين للحكومات الأوربية ، التي تواجه في نفس الوقت تبعات شيخوخة ساكنتها، أن تسدد الديون المتراكمة وتحافظ على وحدتها السياسية والنقدية؟ لقد سجل المتتبعون إجماع البرلمانيين الألمانيين على تقديم المزيد من التضحيات لحل الأزمة اليونانية ، ضدا على إرادة الناخبين الذين يعتبرون أنهم غير ملزمين بتمويل أزمات باقي الدول الناتجة عن سوء التدبير، كما سجلوا التقارب الألماني مع فرنسا حول تدبير الأزمة الأوربية. وإذا كانت كل هذه الإجراءات تتخذ شكلا استثنائيا، يمكن تفادي الرجوع إليه باعتماد إجراءات تفرض على الدولة المعنية بالأزمة أن تكون هي أول من يتحمل الكلفة والتبعات، فإننا كمغاربة، يحق لنا أن نتساءل عن المواقف التي سيتخذها الاتحاد الأوربي تجاه المغرب في حال ما إذا أسفرت الخيارات المفروضة عليه من طرف شركائه الأوربيين عن أزمة لا قدرة له على مواجهتها دون اللجوء إلى العون الأجنبي. إن المغرب الذي حصل على «شهادة» أوربية تؤهله للاستفادة من «الوضع المتقدم» في مختلف أوجه التعامل مع شركائه الأوربيين، لا يزال يعاني من التماطل الأوربي في التصديق على الاتفاقية الفلاحية، علما بأن أوربا تمثل شريكه التجاري الأساسي، وعلما بأن الامتيازات التي تؤمن للعديد من الاستثمارات الأوربية الاستقرار في المغرب، تخولها الحق في تحويل أرباحها بالعملة الصعبة إلى مواطنها الأصلية. وبينما كان من المفروض أن يسفر التعاون المغربي مع الاتحاد الأوربي عن معالجة الخلل الذي يهدد التوازنات الماكرواقتصادية، فإن الإحصائيات الرسمية تؤكد استمرار الهيمنة الأوربية على مبادلات المغرب الخارجية، إذ بلغت حصتها من مجموع المبادلات المسجلة خلال الأشهر الثمانية من السنة الجارية 59.3% في حين بلغ العجز التجاري المغربي تجاه أوربا 62909,6 مليون درهم. وإذا ما استمر الوضع على هذا النحو، فإن المغرب سيتحول عمليا إلى دولة تخدم المصالح الأوربية أكثر مما تخدم مصالحها الحيوية، فمفهوم «الوضع المتقدم» له دلالات عند الأوربيين تختلف كثير الاختلاف عن التفسير الذي يعطيه المغاربة لهذا المفهوم، وإذا كان الأوربيون قد أكدوا مسِِؤولية كل دولة في تدبير أزماتها، فقد آن الأوان لكي تتخلى أوربا عن فرض خياراتها التي تسعى إلى معالجة مشاكلها الداخلية على حساب شعوب الدول الشريكة، الطموحة إلى اعتماد علاقات الشراكة مع الاتحاد الأوربي كدعامة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.