يعتبر سلس البول أو التبول الإرادي مرضا جد متواتر خاصة مع التقدم في السن، بحيث يشكل نسبة 50 في المائة من حالات استشارات طبيب المسالك البولية، وهو يصيب النساء أكثر من الرجال بسبب ضعف عضلات الحوض لديهن. ويتميز سلس البول عند الكبار بتأثيره السلبي على جودة الحياة والآثار النفسية الجسيمة المصاحبة له، ويقدر الأشخاص المصابين بالسلس البولي في العالم ب 200 مليون شخص، وتصل النسبة العامة للإصابة عند النساء ب 38 في المائة، وترتفع مع الزيادة في السن بحيث تتغير نسبة الإصابة من 20 إلى 30 في المائة في فترة الشباب، لتصل إلى 50 في المائة في سن الشيخوخة. وتقدر نسبة الإصابة بسلس البول ما بين 15 إلى 30 في المائة عند الساكنة المسنة، ويلاحظ الباحثين تغيرات في نسبة الإصابة بين الدول والقارات، بحيث تعرف الصين في أسيا اقل نسبة إصابة ب فقط 4 في المائة، كما تعرف اسبانيا في أوروبا نسبة ضعيفة ب 11 في المائة مقارنة مع الدول الأوربية الأخرى ..ويفرق الأخصائيين بين خمسة أنواع من السلس البولى : التبول الإرادي الذي يحدث أثناء الضغط والجهد أو أثناء السعال، والسلس البولي المصاحب بالاستعجال، أو تسرب البول الاضطراري، والنوع الثالث هو السلس البولي الذي يجمع بين الاثنين، ثم السلس البولي الوظيفي، وخامسا السلس البولي الذي يحدث أثناء النوم. ومن أبرز أسباب التبول الإرادي ضعف عضلة صمامة المثانة، وعدم القدرة على الاحتفاظ بالبول بالمثانة نتيجة التقدم في العمر، أو تكرار مرات الحمل والولادة، وكذلك السمنة، أو ممارسة الرياضة العنيفة، أو بلوغ سن اليأس عند السيدات، والإصابة بالأمراض العصبية أو تضخم البروستاتا عند الرجال . ويعتبر السلس البولي مشكلا اجتماعيا عند الساكنة المسنة خاصة مع التغير الديمغرافي الذي تعرفه بلادنا وارتفاع الساكنة المسنة، بحيث لا يسلط كثير من الضوء على هذا المرض، ويبقى الأشخاص المصابين يعانون في صمت بدون تحفيزهم على معرفة المرض، والتحلي بالجرأة الكافية لاستشارة الطبيب والبوح بالمعاناة والأعراض التي يشتكي منها المريض، ويجب في هذا الإطار التحسيس بالمرض ودفع الأشخاص الذين يعانون منه إلى الاستشارة المبكرة، مع محاربة الوصم الذي يصاحبه والرفع من التربية العلاجية. وتبين الإحصائيات أنه في سن 59 سنة تقدر نسبة الأشخاص الذين عانوا من فترة أو أكثر من السلس البولي ب 30 في المائة، و 18 في المائة من الأشخاص عانوا من السلس البولي كما تعرفه الجمعية العالمية للسلس البولي. وتشير الدراسات إلى أن من مضاعفات السلس البولي، القابلية إلى التعفن الجلدي للحوض، الاضطرابات النومية، ارتفاع نسبة الإصابة بالكسور، ومن التأثيرات النفسية نجد تقلص في التقدير الذاتي، الانعزال الاجتماعي، الكآبة، الاضطرابات الجنسية. وترجع الدراسات السبب إلى التغيرات الفيسيولوجية المصاحبة بتقدم السن، وضعف الأعصاب والموصلات العصبية. ويعرف السلس البول بخروج قليل من البول لا إراديا عند حدوث ضغط داخلي مرتفع في التجويف البطني، ومن أهم أسباب سلس البول، الضغط العام في عضلات الحوض أو المثانة وصمامها الخارجي، أمراض الجهاز العصبي المركزي، والأمراض التناسلية الموضعية . وتعتمد المقاربة العلاجية على معرفة سبب سلس البول، بحيث يعتمد العلاج على التمارين لتقوية عضلات المثانة والحوض، كالتمرين الذي ينام فيه الشخص على ظهره والساقين مفتوحين، ويحاول أن يقبض عضلات مجرى البول والمستقيم، ويحاول أن يحافظ على هذا الانقباض من ثلاثة إلى خمسة ثواني، ثم يستريح ضعف وقت الانقباض، ثم يكرر هذا التمرين مع التركيز على الإحساس بالعضلة مشدودة ورؤيتها وهي تنقبض ثم وهي تسترخي. ويتكون برنامج تقوية هذه العضلات من أربع مجموعات من التمرين كل يوم، كل مجموعة تتكون من 10 انقباضات مستمرة، مع فترة استرخاء بين كل انقباض ومن 10 إلى 20 انقباض سريع، مع زيادة العدد كل يوم بمعدل 10 انقباضات عن كل مجموعة للوصول إلى 200 تكرار للتمرين يوميا على الأقل، ويلاحظ أداء هذه التمرينات والمثانة غير ممتلئة، ويمكن أداء نفس التمرين أثناء التبول، مع تكرار ذلك عدة مرات، وكذلك التمرين المتدرج للعضلات المتحكمة في منع خروج البول ويسمى تمرين المصعد. كما تعتمد المقاربة العلاجية على العقاقير والأدوية، منها التي تقلل من تقلص عضلات المثانة أو التي تسبب تفريغا أفضل للمثانة، وأخرى تزيد من فعالية صمام الإحليل، كما أن هناك العلاج بالتحفيز الكهربائي لتنشيط عضلات الحوض. إضافة إلى ذلك فإن هناك وسيلة علاجية أخرى تتمثل في القسطرة لإفراغ المثانة إذا كان السلس ناتجا عن اعتلال للأعصاب المغذية للمثانة، أو الإحليل بسبب إصابة في النخاع الشوكي أو أورام في المخ أو النخاع. ويعتمد العلاج كذلك على العلاج بالهرمونات خاصة عند المرأة بعد سن اليأس لتنشيط وتفعيل عضلات الحوض، العلاج بالحقن بالكولاجين التي تقوي صلابة الإحليل وتمنع تسرب البول من خلاله. ويكون اللجوء للجراحة في آخر المطاف بعد فشل الوسائل الأخرى، كإرجاع المثانة وتثبيتها وفي بعض الأحيان، زرع صمام في الإحليل، وكذلك علاج أورام البروستاتا. كما ينصح الطبيب المعالج الأشخاص الذين يتناولون عقاقير «الف بلوكون» أو مدرات البول لعلاج ارتفاع في الضغط الدموي، ويعانون من سلس بولي، بتبديل نوع العقاقير العلاجية، وكذلك بالنسبة للسيدات اللواتي يعالجن بهرمون الاستروجين والذي يمكن أن يساعد على حدوث السلس البولي، وبدون إغفال علاج الأمراض المصاحبة للسلس البول كمرض السكري والأمراض الدماغية. وفي الختام ولتقريب القارئ من الجبل الثلجي العائم لمرض سلس البول، فإنني أحيله على بحث استجوابي شمل 7772 امرأة بعد سن الأربعين، أنجزته الجمعية الأمريكية لأمراض النساء والمسالك البولية، ومن النتائج المستخلصة من البحث تبين أن 41.2 من النساء يعانين من المرض، والربع منهن يشتكين من الإصابة منذ سنتين أو اقل، و 27 في المائة لمدة 2 إلى أربعة سنوات، و 24 في المائة منهن يشتكين من المرض لفترة تزيد عن خمس سنوات. نصف النساء المستجوبات أقررن بأعراض سلس بولي خفيف، و 25 في المائة بأعراض ذات حدة متوسطة أو حادة. كما بين البحث أن 28 في المائة فقط من النساء اللواتي شملهن البحث بحثن عن علاج طبي، و 20 في المائة استفدن من العلاج، و 12 في المائة فقط تم إلحاقهن بمراكز طبية مختصة.