قرر الطيب وهبي الابتعاد نهائيا عن رياضة الملاكمة، وعدم تحمل أية مسؤولية حاليا بالجامعة. فعند لقاءه، كشف وهبي عن صدمته أزاء ما حدث في انتخابات عضوية الاتحاد الدولي، وعبر عن حسرته تضييع مقعد ظل المغرب يشغله منذ سنة 1986. الطيب وهبي الإسم الذي يرجع له الفضل في تكوين العديد من الأسماء الوطنية في مجال التحكيم، ابتعد عن أجواء الصراع الطاحن في محيط الجامعة، واختار الانعزال في مسكنه بمدينة المحمدية.. ومع ذلك، لبى طلب الجريدة، وأجاب عن كل الاستفسارات: «لأنني أعرف مدى مصداقية جريدة «الاتحاد الاشتراكي»، لم أتردد في الاستجابة لطلبكم والمشاركة معكم في مناقشة موضوع الملاكمة المغربية. أولا، لابد أن أعبر لكم عن شدة صدمتي وحسرتي وأنا أعاين كيف تم تضييع مقعدنا داخل الاتحاد الدولي للملاكمة. حدث هذا بعد أن ظل المغرب منذ بداية التسعينيات، في عهد المرحوم بليوط بوشنتوف، محتفظا على مقعده في عضوية الاتحاد الدولي، فأنا شخصيا، نلت ذلك الشرف منذ سنة 1986، وكان آخر مرة أحصل فيها على عضوية اللجنة التنفيذية، في سنة 2006 بالدومينيك، حيث حصلت على 66 صوتا كالأول افريقيا وعربيا. ما حدث في السنة الماضية، هو أنني لاحظت أن رئيس جامعتنا قام بتقديم ترشيحه، رحبت بذلك، وقررت مساندته. وفي زيوريخ، في الموعد المخصص لإجراء الانتخابات، بحثت عن السيد الرئيس لكي نشتغل سويا في إطار حملة بين أعضاء الجامعات والاتحادات الأخرى والتي كنت قد نجحت في ربط علاقات متينة مع معظم ممثليها ورؤسائها، من خلال اشتغالي في الميدان لما يناهز 45 سنة. للأسف، اكتشفت أن الرئيس بلحاج لم يحضر، وحسب القوانين المعمول بها في الاتحاد الدولي، فرغم غياب المرشح يوم التصويت، يتم إدراج اسمه كمرشح. حاولت الاتصال بالجامعة دون فائدة، علما أنني كنت أدرك أن غياب المرشح وعدم تواجده بمكان التصويت، يقلص، بل ويعدم كل حظوظه في التنافس على كسب مقعده. انتظرت طويلا، وتوجهت للجنة المنظمة طالبا منها إدراج اسمي كبديل عن اسم الرئيس، وساندني في ذلك مممثلو قرابة 37 جامعة من أمريكا، وأوربا وإفريقيا. لكن المسؤولين عن الاتحاد الدولي رفضوا طلبي، مبررين ذلك بمراسلة تحمل توقيع الجامعة المغربية تشير إلى أن الرئيس وحده وبمفرده من خولت له الجامعة الترشح، ولايمكن لأحد غيره الترشح باسم المغرب!! صدمت بمضمون تلك المراسلة، لقد كانت فريدة من نوعها، إذ أن كل الجامعات والاتحادات تترك مجالا لترشح ممثل آخر لها إذا استعصى على مرشحها حضور الانتخابات لأي سبب كالمرض، أو الموت أو لسبب آخر، إلا جامعتنا الموقرة التي صدت الباب، وتركت المكان فارغا. واساني أصدقائي ممثلو الاتحادات الأخرى، وتأسف رئيس الاتحاد الدولي على غيابي لأول مرة منذ سنة 1986، مؤكدا أنني قدمت أشياء جليلة للملاكمة العالمية. تتبعت أشغال الجمع والانتخابات، وزادت حسرتي حينا عاينت اسم بلحاج يكتب كمرشح ممثلا عن المغرب، وقد وضعت في خانته (صوت واحد). هكذا ضيع المغرب مقعدا ظل يشغله منذ التسعينيات من القرن الماضي. وأعتقد أن ترشيح الرئيس لم يكن برغبته الشخصية، وهو يدرك أن مقيد بكثير من الالتزامات، ولكن أحدهم أقنعه ودفعه للترشح لسد الطريق أمامي.. ربما هي جهة لم تعد ترغب في استمراري في الجامعة وفي الاتحاد الدولي، كفاعل ومتتبع ومطلع على كل الخفايا!! لقد حدث ما حدث، وأنا لست نادما إلا على تضييع المغرب لمقعده بالاتحاد الدولي، أما عضوية الجامعة الملكية، فبالنظر إلى الأجواء المكهربة التي تحيط بها، والضربات المتبادلة دخلها، والصراعات والنزاعات، فقد قررت الابتعاد نهائيا إلا في حالة حاجة الملاكمة المغربية لخدماتي فلن أتردد حينها. في سنة 2002، ولكي أوضح أنني لم أكن يوما أبحث عن المناصب بقدر ما كنت دائما أرغب في خدمة الرياضة ببلدي، قمت عن طواعية بالتخلي عن الرئاسة لفائدة عبدالجواد بلحاج، مدركا أنه مناسب جدا لتحمل المسؤولية، وهو سليل عائلة رياضية ووطنية. بعد 45 سنة، تحملت خلالها مختلف المسؤوليات وطنيا ودوليا، أجد نفسي في ساحة صراع مع شخص بدأ للتو في التسيير الرياضي. وأقولها بصراحة، نحن كأسرة للملاكمة المغربية مع توجهات الرئيس بلحاج، ولن يختلف اثنان في كفاءته وقدرته على تطوير رياضة الملاكمة الوطنية، لكن أن تتحول أمور الجامعة لشخص المدير العام الذي خاصمته كل مكونات الملاكمة الوطنية، فذلك ما لا أقبله على نفسي. وعلى ذكر المدير العام، ولأوضح سبب ما حدث من خلاف بيني وبينه، فذلك يعود لسنة 2008، مباشرة بعد رجوعنا من أولمبياد بيكن. في تلك الألعاب الأولمبية، ومباشرة بعد نهاية مباراة العرجاوي ومنافسه الأمريكي، توجهت لرئيس الوفد المغربي للملاكمة، ونصحته بتقديم احتجاج فوري بخصوص الانذار الذي تلقاه العرجاوي وضيع عليه نتيجة الفوز. توجهت أيضا للجنرال حسني بنسليمان رئيس اللجنة الوطنية الأولمبية والوزيرة نوال المتوكل وأخبرتهما أن رئيس بعثة الملاكمة رفض تقديم الاحتجاج. بعد رجوعنا للمغرب، وفي اجتماع في الجامعة، عاب علي المدير العام عدم قيامي بتقديم الاحتجاج، شرحت له أنه لم يكن مسموحا لي ذلك بصفتي عضو لجنة الفصل في المنازعات والاحتجاج، وبأنني طلبت منه القيام بذلك كرئيس للوفد، حينها آزرني الرئيس بلحاج، وعاتب بشدة المدير العام. من تلك اللحظة، عاداني المدير العام، وأصبحت من حينها مستهدفا منه بشكل شخصي. مؤخرا مثلا، كنت ضحية لإشاعة مغرضة حاولت النيل من شرفي ومن كرامتي، فقد اتهمت بقيامي بسرقة ملعقات من فندق بأوزبكستان، واعتقالي في مطارها! والحكاية هي أنني كنت عائدا بالفعل من أوزبكستان وبرفقتي أحد أعضاء الجامعة، فأوقفني جهاز الانذار لأكتشف ملعقة كنت أحملها باستمرار لأتناول بها بعض الأدوية، سلمتني موظفة المطار حقيبتي ومعها الملعقة، وواصلت رحلتي. في بهو المطار، رميت بالملعقة في سلة النفايات لأتجنب ما حدث لي في مطار فرنسا التي كنت متوجهة لها. مر كل شيء عادي جدا، لأكتشف وأنا في المغرب، أن الجامعة، عبر مديرها الاداري، قد قامت بمراسلة الاتحاد الدولي تخبره بالواقعة وبأنني تهربت من أداء فاتورة الفندف بأوزبكستان. طبعا، كاتبت بدوري الاتحاد الدولي، وشرحت كل الحكاية وأرفقت المراسلة بفاتورة أداء واجبات الفندق وتحمل طابع إدارته! فأن يصل الحقد والغل لتلك الدرجة، مغربي يتهم مغربيا آخر تهما زائفة أمام الاتحاد الدولي، فتلك مصيبة وكارثة.. وللمشكك في نزاهتي والذي اتهمني بسرقة ملعقة، أرد عليه أن يقوم بزيارة فنادقي الستة التي أملكها، والتي أؤدي فيها كمصاريف اقتناء الملاعق لوحدها ما يناهز خمسة ملايين سنتيم كل ثلاثة أشهر! هناك أخطاء كثيرة ترتكب للأسف في حق رياضة الملاكمة، هناك غياب تام لانسجام أعضاء المكتب الجامعي، هناك تفرقة بينهم، ولا أحد يملك منهم القرار، وحده المدير الاداري من يفعل ما يشاء، وهو وضع لايمكن أن أشتغل فيه. هناك ضعف في الادارة التقنية وتقاعسها عن مواكبة أبطالنا، كيف تتخيلون مثلا، أن نغفل مواكبة العرجاوي الذي كان بارعا في وزن 91، ليتحول حاليا لوزن 110 كلغ، وكيف نسمح لبدر حديوي المشاركة في بطولة العالم في وزن 75 كلغ وهو المتعود على وزن 60 كلغ؟ كيف نريد الإصلاح والزبونية والمحسوبية هي السائدة في عملية توزيع أموال الدعم وفي عملية اختيار عناصر المنتخب الوطني؟ نحن نصفق بحرارة للمشاريع الكبرى التي هي في طريقها للإنجاز كأكاديمية بنسليمان ومركز أزمور، هذا الأخير أعتقد أنه سيكون من الأفضل أن يكون مركزا جهويا، على أن تبنى مراكز أخرى في مختلف الجهات المغربية. سأظل رهن إشارة الملاكمة المغربية في أي وقت تحتاج فيه لخدماتي، لكن حاليا، أنا لست مستعدا للعودة لتلك الأجواء المكهربة»!!