كم يستفزني، ويثير غثياني الإفراط في استعمال الأساليب البلاغية وكثرة التلاعب بالألفاظ اللغوية. كلما أراد أحد إقناعنا بفكرة ما، يشرع في حشو أدمغتنا المتعبة والمتهالكة أصلا بكم مبالغ فيه من الأشياء الفارغة من أي معنى حقيقي. نسهب في الحديث عن حقوقنا المهدورة، وأموالنا المسلوبة، وأحلامنا المعطلة، وسنواتنا المقرصنة،..، نطالب.. نسب... نلعن الظلام، وننسى من ساهم في نشره، وننأى بأنفسنا مما وقع ويقع، ونحمل المسؤولية للآخرين.. وأي آخرين؟ نتصرف بأنانية فيما يخص ممتلكاتنا، ولا نبدي إحساسا بالمسؤولية نحو مصالح وطننا، ولا يؤلمنا إرهاق مرافق الدولة. إننا مع الأسف نتخاذل ي تأدي واجبنا.. الآن، يجب أن نقف ونفكر ونقدر.. الآ يجب أن نوازن بين الأخذ والعطاء... الآن يجب أن نفرق بين الحق والواجب.. ما بين ما لدي وما علي. الآن أصبحنا مطالبين، لطرح السؤال التالي: ما القيمة المضافة التي أضفتها في مسار حياتي لبلدي؟ إن طرحنا لهذا السؤال، يحيلنا إلى العلاقة بين الحق والواجب، في بناء المجتمع، والتي أشبهها بعلاقة الحجر في جدار، يسند بضعه بعضا، فيكون أكثر صلابة.. وإذا ما بدأنا بإزال بعض هذه الأحجار، فإن الجدار سيتداعى وينهار، بمعنى أنا إن لم أؤد واجبي، فقد أسقطت حق فرد آخر. مجتمعنا اليوم يطالبنا حقا عنايتنا به.. مجتمعنا اليوم في حاجة ماسة إلى فكرة القيام بالواجب، أكثر منه في السابق، لأن الحقوق التي حرمنا منها أو حرم منها غيرنا، هي في الواقع واجبات أهمل الآخرون القيام بها، إن كل حق يأتي بمجرد القيام بالواجب. الآ يجب أن ترفع أصواتنا عاليا، ونصرح مطالبين بالواجبات، التي أصبحت تهدر كل حين، في زمن اختلطت فيه الأوراق، واقتصر تفكيرنا في المطالبة بالحقوق... وصمتنا.. ولن نكمل المطالب.