يتوقع المتتبعون للشأن الجامعي أن نتائج البكالوريا هذه السنة ستلقي بظلالها على الدخول الجامعي بفاس، قياسا بالعدد الكبير للناجحين في شهادة البكالوريا، التي تجاوزت نسبة النجاح هذه السنة 56% بفاس، والذين عاقهم اجتياز مباراة ولوج معظم المعاهد والكليات المتخصصة، نتيجة ظاهرة الغش المستفحلة بشكل ملفت للنظر، حيث تم استعمال وابتكار خلال هذه الدورتين أساليب جديدة، في ضعف نظام تكثيف المراقبة، وجعل أسرا بأكملها تتجند ماديا ومعنويا وتوظف أجهزة ومعدات من الجيل الثالث وتسخر البعض للإجابة على أسئلة امتحانات البكالوريا، بعد تسريبها والحصول عليها من تلاميذ باعوا ضميرهم لمن يسدد أكثر بعدما فقدوا الأمل في النجاح، أو من خلال بعض المواقع الإلكترونية التي واكبت الحدث، حيث باتت الجامعة الاختيار الوحيد، فكان الإقبال غير متوقع هذه السنة والذي فاق العدد المنتظر، خصوصا أن عملية التسجيل لم تنته بعد عبء إضافي تتحمله الجامعة ويزيد من مسؤولياتها وينضاف إلى الإكراهات القائمة بحدة في الجامعات المغربية، من حيث ضعف البنيات والمعدات اللازمة للتدريس، والذي أصلا منه مشكل الاكتظاظ، حيث الإقبال المتزايد للطلبة على الجامعة لا يوازيه ارتفاع في عدد الأساتذة، الشيء الذي يتعارض مع فلسفة التدريس وينعكس سلبا على واقع البحث العلمي، كما يزيد من الضغوطات النفسية على الطلبة، التي تأتي أساسا نتيجة الأفق المظلم الذي يرى الطالب أنه متجها إليه، خاصة عندما ينظر إلى تلك الأعداد الكبيرة من الطلبة المتخرجين في الدفعات التي سبقته دون عمل وفي أوضاع اجتماعية مزرية، وهو أكبر ضغط نفسي يقع فيه الطالب بما يؤدي إلى عدم تقبله لأي احتكاك أو سوء تفاهم قد يحدث بينه وبين غيره، ناهيك عن الضغوطات النفسية الناتجة عن العلاقات العاطفية خاصة أن هذه المرحلة من العمر حساسة جدا باعتبارها أوج فترة المراهقة يريد فيها بعض الطلبة أن يظهروا رجولتهم وتفوقهم الجسدي، خاصة عندما لا يتحقق التفوق العلمي، كذلك الضغوطات التي تكون بسبب التفاوت في المستوى المعيشي بين هذا الطالب وذاك، حيث يتحدث أحد الطلبة، أن عددا من الطلبة القادمين من المدن والأقاليم المجاورة لا يستطيعون الحصول من أهاليهم على أكثر من 100 د كمصاريف الأسبوع. وقد أكد ذلك أحد الأساتذة الباحثين، الذي أرجع أسباب العنف في الوسط الجامعي إلى الإقبال الكبير على الجامعة، وما ينتج عنه من اكتظاظ الطلبة في كل زاوية من زوايا الجامعة سواء منها في المعاهد أو الإقامات، ففي القسم الواحد عدد الطلبة أكثر من طاقة الاستيعاب، والشيء نفسه في الغرفة الواحدة بالإقامات الجامعية، ولا تختلف الطوابير أمام المطاعم عن كل ذلك ما يؤدي إلى الصدامات ثم إلى الاشتباكات وبعدها مظاهر العنف بشتى أنواعه، ولأن الحال هو هكذا والمرض تزداد رقعته من سنة إلى أخرى، وإذا كان هذا رأي بعض المختصين في علم الاجتماع، فما هو رأي الطلبة المعنيون مباشرة بتداعيات الاكتظاظ؟. وفي سياق متصل، حذرت إحدى التنظيمات الطلابية من دخول جامعي صعب هذه السنة، وبنت مخاوفها تجاه ‹›الكوارث›› التي ستنجر عن تحويلات الطلبة في بداية الموسم الجامعي القادم على تجارب المواسم السابقة، حيث تقول بأن خصوصية نتائج البكالوريا لهذه السنة تكمن في العدد المعتبر من الناجحين الحائزين على معدلات عالية، وبالتالي فإن من الطبيعي جدا أن يبحث كل طالب عن تخصص يتناسب مع طموحاته وتطلعاته المستقبلية، لكن رغبات هؤلاء ستصطدم بالضغوط التي ستقع خلال التسجيلات الأولية على بعض التخصصات المطلوبة بكثرة، سيما في كلية الطب والمعاهد والمدارس العليا التي تبقى أبوابها موصدة في وجه كافة الطلبة غير الحاصلين على المعدل الذي يؤهلهم للالتحاق بها، مما يزيد من حدة الضغط الناجم عن الأعداد الهائلة للطلبة الجدد ستستوعبه الشعب والتخصصات المعروفة، وبالتالي سيكون لها أثر ظاهر أيضا على الإقامات الجامعية، التي قد تتحول إلى إقامات جماعية بموجب الاكتظاظ المفاجئ. كما يعتبر بعض المهتمين بقضايا التعليم، أن واقع هذا الأخير يحتاج إلى مخطط استعجالي لحل إشكالية جودة من جهة، التي تعد إحدى الإشكالات التي تواجهها المنظومة التعليمية، حيث يتجلى ذلك أكثر وقت الرغبة في التسجيل بالمدارس العليا، أو خلال البحث عن عمل يتطلب اجتياز مباراة، ومن جهة ثانية لمحاربة والقضاء على سوء التدبير المالي والتربوي والإداري الذي يشوب هذا القطاع، ولا أدل على ذلك ما تم مؤخرا، وفي ظروف غامضة، من إبرام صفقات معينة في وقت لا يسمح بتنفيذها، الشيء الذي أربك السير العادي للدراسة، وخلف نوعا من التشويش على التلاميذ وانعدام التركيز في استيعاب الدروس واجتياز الامتحانات ببعض المؤسسات التعليمية، حيث استنكر طاقم التدريس بثانوية أم أيمن للطريقة التي تدبر بها ممتلكات المؤسسات التعليمية، موجهين رسالة احتجاج إلى جريدة «الإتحاد الاشتراكي»، يساءلون من خلالها المسؤولين حول الحكامة الجيدة وترشيد المال العام وعن مآل المعدات والأجهزة الإلكترونية التي أصبحت في خبر كان، التي طالما انتظرها التلاميذ والأطر التربوية بمؤسسة أم أيمن.