المغاربة شعب يصعب إضحاكه، رغم قابليتهم للضحك وتتفاقم هذه الإشكالية مع قدوم شهر رمضان والسبب أن رمضان هو الشهر الوحيد الذي يتحلق فيه المغاربة حول مائدة الإفطار فيستمتعون بمشاركة بعضهم البعض ليس بالأكل فقط، بل بتبادل أطراف الحديث، مما يعطي فرصة لأفراد العائلة التعرف على القاسم المشترك وعناصر الاختلاف وأمور أخرى تبرز على سطح المائدة . كما تنشد عيون المغاربة وقت الإفطار إلى ما يجود به تلفزيونهم، فقد ملوا طيلة السنة من الأعمال المصرية والتركية والسورية والمكسيكية وزد عليه الكورية والهندية، أي أنهم يطوفون العالم في 335 يوما ثم يحطون الرحال لثلاثين يوما المتبقية في بيتهم الأصلي: قنوات القطب العمومي بشكل عام و«الأولى» و«الثانية» بشكل خاص، لكن لم تشتد حدة النقد على الباقة الرمضانية رغم أن الأرقام التي تطالعنا بها ماروك متري تعطي صورة ايجابية عن الكوميديا التلفزيونية وعن مدى إقبال المغاربة على مشاهدة البرامج المقدمة طيلة الشهر؟. الحقيقة أن الفريقان على صواب ف«ماروك متري» تقدم فعلا أرقاما صحيحة والمشاهد المغربي فعلا يعبر عن عدم رضاه عما يشاهده، لكن لا علاقة بين الأرقام المرتفعة لنسب المشاهدة والقيمة الفنية، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الأمية الفكرية تعتبر عائقا مهما في الرفع من مستوى الفرجة الكوميدية إضافة أن الفئة الأكثر إقبالا على الانتاج الرمضاني هم الأمهات والأطفال فيضطر أفراد العائلة المتبقون إلى الرضوخ للغالبية، فتبدأ بعدها سواطير النقاد في سلخ جسد الأعمال الرمضانية. يجب أن لا ننظر إلى الإنتاج المغربي من زاوية زمنية ضيقة وننتظر قدوم الشهر الفضيل حتى نصبح غير فضلاء مع ما يقدمه التلفزيون المغربي، ونبخس جهود طاقم ضخم اجتهد فإما أن يصيب فله أجران أو يخطئ فله أجر واحد. فإذا عدنا إلى 335 يوما سنعثر على محطات مضيئة رغم كل الاكراهات التي يعانيها القطاع، على سبيل الذكر فقد انشدّ المغاربة إلى البرنامج التوعوي التمثيلي: «مداولة»، كما تعرفوا ولسنوات على جنس فني مليء بالفنطازيا والمواقف السوداء في السلسلة الناجحة: «ساعة في الجحيم»، إضافة إلى أن طاقم نبيل عيوش استطاع أن يكسر الاحتكار التركي والمكسيكي في سلسلة: «زينة الحياة». وعرف الإنتاج المغربي طفرة هامة من خلال برامج متميزة على شاكلة «45 دقيقة» «أخطر المجرمين» «أسر وحلول» «حوار»... من جهة أخرى لا يمكن نكران الأقلام الجادة في بعض المنابر الصحفية التي تتابع عن كثب القطاع السمعي البصري طيلة سنة، غير أن حدة النقد تتعاظم لعدة أسباب أهمها: غياب الجودة الفنية حيث أصبح المشاهد شريكا ومستثمرا في القطاع من خلال مستخلصات الضريبة التي تطل عليه كل رأس شهر فأصبح من اللازم على المستهلك أن يطالب بمنتوج في مستوى ما يقدم عالميا. من جهة أخرى تعيب هاته الأقلام على احتكار وجوه معينة المشهد الرمضاني، إن الظواهر الفنية الطاغية على الكوميديا التلفزية هي طغيان الشخصية النمطية كمثال محمد الخياري يحتكر صورة العروبي وعبد الخالق فهيد شخصية المغرر به مع إضفاء قالب حواري رتيب، محمد الجم شخصية الرجل الذي يضم في أدائه صيغة المؤنث مع الحفاظ على نفس طريقة اللباس والحركة. إن الكوميديا فن صعب يمنحك الشهرة وهذا ماجعلنا نحب كل هؤلاء في بداية مشوارهم، بكل بساطة لأنهم خرجوا من مدرسة المسرح، فالمسرح هو الفن الوحيد الذي أنجب لنا كوميديين كبار، لذا فعند نشوء أزمة الركح المغربي أثر هذا بشكل كبير على الأداء الكوميدي بالمغرب، إضافة أن السيتكوم كجنس فني مستورد لم يتم تحيينه على الطراز المغربي رغم أن التراث المغربي غني بنماذج فنية كانت تنتظر فقط تحديثها وتطويرها، لقد وجدت هاته الأسماء البارزة مسرحيا نفسها سجينة نمط كوميدي مفروض، إضافة إلى الوضع الاجتماعي المتردي للفنان المغربي، كما ساهم المستشهر في مل ء حقيبة القناتين بالمال، على حساب القيمة الفنية والرسالة التي يجب أن يضطلع بها الفن. سوء التسيير كذلك يعتبر عاملا معرقلا لهاته الجودة، واعتبار الميزانية الرمضانية كعكة مشهية يتقاسمها اللئام في مأدبة الصيام، وعدم الإقبال على الإنتاج الضخم لأعمال تاريخية مغربية ونتساءل هنا لماذا تخصص ميزانية محترمة لإنتاج عمل غير محترم في حين كان من الأجدى إنتاج مسلسل عن المسيرة الخضراء أو عن حرب الريف أو عن معركة الاستقلال أوعن ملوك المغرب ورموزه السياسية والوطنية، هل نحن شعب عقيم إلى هذا الحد؟ لا، والدليل أننا استطعنا إنتاج سلسلة ناجحة مثل: «جنان الكرمة»، مزجت بين التاريخي والاجتماعي. هناك أيادي خفية تفسد أفراح الوطن وتجهض محاولاته الناجحة لكي نقول أننا عاجزون. نلاحظ كذلك غياب الإنتاج الديني رغم أننا في شهر أنزل فيه القرآن باستثناء برنامج تمثيلي: «الشفا»، لكن هاته الأيادي أفسدت من جديد برمجته فجعلت شريحة مهمة من المغاربة يصعب عليها متابعته.