بعد ست ساعات من الطيران تقريبا، حطت الطائرة في مطار جدة الدولي لأجد نفسي وحيدا خاصة وأن مرافقي كانوا يشكلون وفدا من الحجيج الرسمي. وبعد استراحة قصيرة في قاعة المطار ومراجعة الوثائق الصحية وجوازات السفر، تمت إحالتنا على الجمارك والشرطة لدمغ جوازاتنا. لحظتها قلت مع نفسي أن كل شيء انتهى بالنسبة لي في هذه الرحلة الطويلة والشاقة أنا العليل بأمراض شتى أريد فقط أن أستريح واتصل بأبنائي الذين تركتهم في وضعية نفسية مهزوزة هم الذين ألفوا حضوري في المنزل باستمرار. إلا أنه في الوقت الذي تم فيه توجيهنا من طرف السلطات السعودية التي تشغل العديد من الشباب في هذا الموسم إما كمتطوعين في خدمة ضيوف الرحمان أو كمتدربين في مختلف أجهزة الدولة والحق يقال أن الدولة السعودية في السنوات الآخيرة جهزت نفسها على كافة المستويات وجعلت من موسم الحج استراتيجية بعيدة المدى بالنسبة لكافة المجالات الأمنية الصحية الدينية والاقتصادية، قلت تم توجيهنا الى مكاتب قصد تسليمنا الى المطوف الذي سيتكلف بنا. وفي الوقت الذي كانت جميع البعثات الرسمية تتكلف بحجاجها من تسفيرهم من جدة الى مكةالمكرمة قصد إسكانهم في الفنادق المخصصة لهم،كانت البعثة المغربية المكونة من أربعة شبان الوحيدة التي تعمل في ظروف سيئة، كما أن ظروف عملهم لساعات طوال تؤثر على تعاملهم مع الحجاج. وبعد أن أديت واجبات الدخول الى الأراضي السعودية والمتمثلة أساسا في واجبات التنقل والصعود الى عرفة والإقامة بالمشاعر والعودة الى مكةالمكرمة وزيارة المدينةالمنورة حيث يتسلم المطوف هذه المبالغ مقابل الخدمات التي سيقدمها الى الحاج فيما تشير الوثائق المسلمة الينا نحن الحجيج غير الرسمي أن المملكة العربية السعودية لا تتسلم أي مبلغ من 3000 درهم تقريبا التي سلمناها بالمطار. وبعد أن احتججنا قليلا على البعثة المغربية بمطار جدة، تم أخيرا إركابنا في الحافلة المتجهة الى مكةالمكرمة رفقة باقي حجيج تأشيرة المجاملة حيث قطعنا المسافة بين جدةومكةالمكرمة في مدة فاقت الساعتين نظرا للحواجز الأمنية التي كانت تتوقف أمامها الحافلة حيث تم تسليمنا مياه زمزم المعبأة في قنينات وبعض الأطعمة وكان التعب قد أصاب الكثير منا حيث لم نعد نردد التلبية إلا بشق الأنفس. كان الوقت مساء عندما وصلنا الى مكتب المطوف الذي كان يشغل العديد من الأجانب من بينهم عرب.وبعد أن تم تسليمنا الشارة والدملج، بدأ مرافقي في الرحلة الى مكةالمكرمة ينسحبون. منهم من وجد مستضفيهم بسيارات فارهة فيما البعض حجز بسيارات الأجرة في الوقت الذي بقيت رفقة شخص كفيف ينتظر وصول ابنه من الرياض الذي كان قد تقدم بطلب الحصول على ترخيص من مصالح الدولة السعودية لأداء مناسك الحج رفقة والده الكفيف الذي كان يحمل صفة مقاوم وحكى لي عن العديد من الأسماء التي ناضل بجانبها من بينهم المجاهد عبد الرحمان اليوسفي ومحمد بن سعيد والفقيه البصري والزرقطوني وغيرهم. وفي الوقت الذي كنت أواجه فيه المجهول، ظهر خلفي شاب قوي تظهر عليه علامات الوقار. وبعد أن حييته، سألته إن كان له حجز فندقي بمكة. فأجاب بالنفي. فاقترحت عليه أن نحجز معا غرفة مزدوجة فلم يتردد لحظة واحدة في قبول اقتراحي. فطلبت من أحد الشباب العاملين بمكتب المطوف أن يوجهنا الى مبتغانا فاتصل بأحد المغاربة المقيمين بمكةالمكرمة .وبعد انتظار فاق الساعتين حل أخيرا رفقة أحد السعوديين الذي يستعمل سيارته لنقل الأشخاص. ومباشرة بعد صعودنا السيارة، كانت هواتفه المتعددة لا تتوقف عن الرنين. يتكلم مرة باللكنة السعودية. وأخرى بالمغربية. كانت لا تظهر عليه أية علامة من علامات الجدية. كان يؤكد لنا أنه يتوفر على منزل هنا ومنزل هناك ويعرف أصحاب إقامات كان السائق البدين يسير بسرعة فائقة. أصبنا بالدوارأثناءها .وبعد أن زرنا إقامة واحدة يسيرها احد البنغال والتي لم تعجب مرافقي الحاج محمد ، اقترح علينا في الأخير أن نسكن رفقة إحدى المغربيات التي توفي زوجها مؤخرا ،فكان جوابه حاسما لا يمكن البتة. وكان أكثر حسما في هذا الموضوع عندما طلب من صاحبنا المغربي أن ينزلنا قرب الحرم المكي لنتدبر أمرنا. سلمنا سائق السيارة خمسون ريالا سعوديا مقابل لفاته التي كادت أن تخرج أمعائي الفارغة. أنزلنا في شارع كبير سأعرف فيما بعد أن اسمه إبراهيم الخليل. وكانت لحظتها أمواج بشرية متوجهة الى المسجد الحرام لأداء صلاة المغرب. اقترح علي الحاج محمد خويا الذي فعلا يعتبر نعم الأخ ونعم الرفيق أن نضع أولا أمتعتنا البسيطة في الأمانات المنصوبة بالقرب من المسجد الحرام وهو ما تم بالفعل حيث تسلمنا القرص الخاص بنا لنقوم بالعمرة. إذن هذه هي مكة. فقد حبست أنفاسي نظرا لقداسة المكان بدا لي أن عملا كبيرا قد أنجز توسعة وطرقات ومنافذ وأسواق ومرافق صحية نظافة المكان وحدها تتطلب المئات من السواعد الأجنبية. دخلت من باب الملك عبد العزيز وهاهي الكعبة التي تقشعر أمامها الأبدان وتنهمر فيها المقل بالدموع. وتلك حكاية أخرى.