رصيده الكروي وألقابه الكثيرة تتحدث عنه، فهو واحد من الحراس المتميزين الذين أنجبتهم الساحة الكروية الوطنية في العقدين الماضيين. فرض نفسه داخل فريقه الرجاء البيضاوي وقاده إلى اكتساح الألقاب وطنيا وقاريا، بل كان له دور حاسم في أكثر من لقب. مجرد وجوده في المرمى كان يبعث على الارتياح في نفوس زملائه، كيف لا وهو الحارس الذي عرف بتدخلاته الحاسمة وردود أفعاله القوية وكذا تصديه لضربات الجزاء. إنه الحارس العنكبوت مصطفى الشاذلي، الذي يعترف بكونه ولد ليكون حارسا للمرمى، لأنه وجد نفسه يدافع عن «حجرتين» بالحي، وفرض نفسه بين أترابه قبل أن يقتحم باب الممارسة على أعلى مستوى عبر بوابة الأولمبيك البيضاوي. طيلة شهر رمضان الأبرك هذا، سنسافر مع الحارس الدولي مصطفى الشاذلي في رحلة ممتعة نقف خلالها عند لحظات العز والتألق كما اعترضه احيانا بعض الانكسارات، التي يرويها اليوم بكثير من الحسرة. بعدما ضمن الرجاء تأهله إلى نهاية دوري عصبة أبطال إفريقيا، كبرت طموحاته في المنافسة بقوة على اللقب القاري. «كان المدرب وحيد واللاعبين يطمئنون علي بشكل يومي، ويسألونني عن مدى جاهزيتي، وعما إذا كنت قادرا على اللعب بعدما فقدت أسناني بجنوب إفريقيا، لأن المباراة النهائية كانت مقررة بعد أسبوعين من لقاء جنوب إفريقيا. كان الرئيس عبد الله غلام هو الآخر على اتصال دائم بي، ويشجعني على تخطي الإصابة والعودة إلى المرمى. ووعدني بعملية جراحة عند أحسن الأطباء وبأرقى مصحات الدارالبيضاء. وكذلك كان، فقد تكلف الرجاء بإعادة تثبيت سنين جديدين، بقيمة مليوني سنتيم في تلك الفترة. أصبحت حديث الشارع الرجاوي، وكنت مطالبا بخوض اللقاء النهائي أمام غولد فيلدز الغاني. جرت مباراة الذهاب بغانا، وانهزمنا بهدف واحد، وتفنن خلالها لاعبو الرجاء في إضاعة الفرص. قمت بصد العديد من المحاولات السانحة للتسجيل، واصطدمت في إحداها باللاعب جمال السلامي، الذي غادر أرضية الميدان، ولم يخض لقاء العودة بالدارالبيضاء، فيما تعرضت أنا لإصابة ستكون هي بداية معاناتي مع آلام الظهر. لقد ارتقيت رفقة السلامي إلى الأعلى في محاولة للسيطرة على إحدى الكرات العالية، وأمام مزاحمة لاعب غاني، سقطت على الأرض بقوة. اعتقدنا أننا سنتخطى عقبة غولد فيلدز الغاني بسهولة في لقاء الإياب، لكننا تعذبنا كثيرا قبل تحقيق الانتصار بهدف واحد، وبالتالي تعديل الكفة في الدقيقة 78، بواسطة نزير بعد توصله بكرة جميلة من رجل مستودع، الذي تعرض هو الآخر لإصابة في أنفه، إلا أنه أصر على إتمام المباراة، التي جرت أمام جماهير غفيرة، وبحضور شخصيات رياضية وطنية ودولية». استمر التعادل إلى نهاية المباراة، وكانت الضربات الترجيحية هي الحل النهائى لحسم أمر اللقب. تضاعفت مسؤولية الحارس مصطفى الشاذلي، ليس لأنه قام بمباراة كبيرة في جنوب إفريقيا، وساهم في بلوغ فريقه اللقاء النهائي، ولكن لأنه اختصاصي في صد ضربات الجزاء. أصبح الملعب بأكمله ينادي باسم هذا الحارس الشاب، وكان عليه أن يدخل الفرحة إلى قلوب أنصار الخضر، سواء الذين حجوا إلى مركب محمد الخامس أو أولئك الذين اختاروا متابعة اللقاء عبر شاشة التلفزة. «كان الحارس الطوغولي نيبومبي واكي، المحترف بغولد فيلز، تحداني قبل الشروع في تنفيذ الضربات الترجيحية، وقال لي إنه هو من سيحمل الكأس، لأنه أحسن حارس مرمى في القارة الإفريقية. لم أتجاوب معه، لأني كنت أركز على ضربات الجزاء، سيما وأن هذه أول مباراة نهائية أخوضها في مساري الكروي. كان الصحافيون المغاربة، ولاسيما طاقم القناة الثانية الذي كان تواجد وراء الشباك، يساندونني ويشجعونني، الأمر الذي رفع من معنوياتي، فقررت مع نفسي أن أكون في الموعد، وأرجح كفة فريقي. راهن علي زملائي ولم أخيب أملهم، فرغم أن الكرة الأولى سجلت علي، إلا أني تمكنت من صد الثانية، لكن أوغنداكا وصابر أبيا إلا أن يدخلا الشك في نفوسنا ويضيعا على التوالي ضربتي جزاء، فأصبحت كفة الفريق الغاني راجحة. كان لزاما علي صد الكرة الأخيرة. عم صمت رهيب الملعب، وبدأ الحارس الطوغولي يرسل إشارات النصر إلى مسؤولي فريقه. بدأت بعض الجماهير في مغادرة الملعب، قبل أن تنفجر المدرجات من جديد بعد صدي الضربة الترجيحية الأخيرة، فعادت المباراة إلى نقطة الصفر، ودخلنا إلى السلسلة الثانية. سجل ريمي وأضاع اللاعب الغاني، فاشتعل الملعب احتفالا باللقب القاري في حلته الجديدة». كان لقب عصبة أبطال إفريقيا أول لقب في المشوار الكروي للحارس مصطفى الشاذلي، وبدأ يطرق أبواب المنتخب الوطني المغربي، الذي كان يشرف على تدريبه الفرنسي هنري ميشال، الذي تابع المباراة النهاية من المدرجات. انخرط اللاعبون في الاحتفال بأرضية الميدان، ثم بمستودع الملابس. كانت فرحة مصطفى الشاذلي كبيرة بهذا التتويج، فقرر أن يشرك معه فيها كل المقربين منه، وأولهم خطيبته، التي التحق بها في مقر عملها. «رافقت بعض المحبين بسيارتهم إلى وسط المدينة. كانت شوارع الدارالبيضاء مسربلة بالأعلام البيضاء والخضراء، وكانت الفرحة عظيمة. قطعت مسافة 100 متر للالتحاق بخطيبتي في مقر عملها، في ظرف ساعة بالتمام والكمال، بسبب تجمهر المحبين حولي، وكانت الصور التذكارية وطلبات التوقيعات كثيرة. عشت النجومية بكل معانيها في تلك اللحظة، وشعرت أن اسم الحارس مصطفى الشاذلي أصبح وازنا في الساحة الرياضية الوطنية. وتذوقت حلاوة أول لقب في مساري الرياضي. استمرت الاحتفالات لمدة أسبوع، لدرجة أننا كنا نوقف التداريب من أجل الاحتفال مع الجمعيات، التي كانت تتوافد بشكل يومي على مركب الرجاء، على نغمات «الطبالة والغياطة»، وكان المحبون يطوفون بالملعب حاملين الكأس القارية».