ماذا ننتظر من «الشناقة» وأصحاب «اللعاقة»؟ يظل تسيير المدن ببلادنا في مجمله رهينا بالنظرة الضيقة للأمور في غياب أي تفاعل بين سلطة الوصاية والمجالس المنتخبة، تفاعل ينبني على مبدأ التكامل والذي يشكل التكافؤ بين الطرفين عنصرا أساسيا لنجاح السياسة التدبيرية . الإحصائيات تبين أن حوالي 86 في المائة من الدراسات المنجزة في إطار سياسة التدبير الحضري ببلادنا ظلت حبيسة أدراج المكاتب في إداراتنا ، فمدننا تسير في غياب مشروع حضري عقلاني، تسير في غياب سياسة حضرية واضحة الرؤية والأهداف، تسير في غياب رؤية وطنية يجب أن تكون عليها مدننا. فالتدبير الحضري ببلادنا تغيب عنه المشاركة في اتخاذ القرارات فيفتح المجال للاستفراد بسلطة القرار وهو ما ينتج عنه غياب الشفافية ونهج سياسة عشوائية في عمقها عقيمة في مضمونها، والنتيجة حالة من الفوضى والتردي في تدبير حواضرنا. ماذا ننتظر من منتخبين ليست لهم دراية بأبجديات التسيير الجماعي؟ ماذا ننتظر من رؤساء وعمداء مدن وبرلمانيين همهم الوحيد الوصول إلى الكرسي بأي شكل من الأشكال؟ ماذا ننتظر من جحافل الأميين الذين يتربصون بمدننا ويستعدون للوصول الى المسؤولية وان دعت الضرورة صرف الملايين، لا يهم فالمال الحرام موجود والتجارب السابقة لهم أثبتت فعاليتها؟ ماذا ننتظر ممن لايفرقون بين الجماعة والفيرمة والمدينة والمصنع؟ ماذا ننتظر من »الشناقة« وأصحاب »اللعاقة«؟ ماذا ننتظر ممن يوزع الأموال يمنة ويسرة على الكتلة الناخبة لاستمالتهم ؟ فهل مثل هؤلاء سيتولون تدبيرا حضريا عقلانيا ومبنيا على دراسات موضوعية؟ هل مثل هؤلاء سيشكلون فريق عمل لتنمية جماعاتنا ومدننا؟ فهل من يتقن لعبة الزرود و »الكرمومة« يمكن أن يحدثنا عن إشكالية التنمية والتخطيط والبرمجة القريبة والمتوسطة والبعيدة المدى؟ وهل تفلح الأمية السياسية في إفراز منتخبين يدركون حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم؟ ولعل أبلغ جواب عن هذا السؤال الجوهري يتمثل في الوضعية الكارثية التي أصبحت عليها مدننا بالرغم من الميزانية الهامة المخصصة لها والتي تتجاوز سنويا 15 مليار درهم تحصل عليها من خلال الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وحصتها من الضريبة على القيمة المضافة. ترى أين كانت تصرف هذه الميزانيات الضخمة وأين كانت سلطات الوصاية حينذاك؟ الأكيد أن فتح ملفات الفساد بالجماعات المحلية قصد محاسبة المسؤولين السابقين لابد وأن يكشف النقاب عن واقع متعفن للتسيير الجماعي يجد امتدادا له على مستوى سلطات الوصاية محليا ومركزيا، واقع جعل البعض بقوة »الفساد« من أصحاب الملايين إن لم نقل الملايير، واقع جعل الأراضي والأملاك الجماعية بمثابة ريع يتم التصرف فيه دون حسيب ولا رقيب، حيث الصفقات الوهمية وحمى تفويت الأملاك الجماعية وغيرها من السلوكات التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم تركها تمر من دون حساب. بدأت مرحلة العد العكسي، فماذا سترث المؤسسات المنتخبة التي ستفرزها الانتخابات القادمة؟ الأكيد أن الإرث سيكون ثقيلا وثقيلا جدا، فبالإضافة إلى الوضعية المتردية للبنيات التحتية لمجموعة من الجماعات والملفات العالقة بمؤسسات كثيرة، ستجد هذه المجالس والمؤسسات نفسها مكبلة بأداء أقساط القروض التي اقترضتها المجالس الحالية لانجاز مشاريع مازال جلها مجمدا، ستجد هذه المجالس والمؤسسات نفسها وقد غزتها جحافل الموظفين سواء منهم أصحاب الكراسي أو الموظفون بدون كراس، وضعية ستؤثر لا محالة على فعالية المجالس الجديدة لكن ماذا لو عاد نفس العابثين بمستقبل المدن والجماعات لتحمل المسؤولية؟ هنا سيكون المغرب قد أخطأ موعدا جديدا مع التاريخ، وسيتم تكريس نفس الممارسات التي أضاعت الامكانيات وخربت مالية هذه الجماعات،وركزت الامتيازاتوالزبونية، وفتحت الباب على مصراعيه للاغتناء والإغناء... وتبقى كل الأسئلة معلقة إلى حين إنه العبث ، قمة العبث أن نترك مصير مدننا ومؤسساتنا رهينة سماسرة الاستحقاقات، العبث كل العبث أن نسلم مدننا لمن تشكل الجنائز حجر الزاوية في برامجه الانتخابية، إنها أقصى درجات العبث أن نراهن على مثل هؤلاء مادامت حصيلة تسييرهم بادية للعيان