الأكيد أن حياة أي ممارس رياضي تحفل بالعديد من المحطات المشرقة، والذكريات الجميلة، لكنها في نفس الوقت تحمل كثيرا من المواقف غير السارة، والتي تبقى راسخة في الأذهان. في هذه الزاوية ننبش في ذاكرة بعض الأسماء الرياضية عن أسوأ الذكريات، ونعود بهم إلى تفاصيل هذه المواقف، التي تُستحضر اليوم بكثير من الطرافة. لا يختلف اثنان حول غنى المسار الرياضي للبطلة العالمية السابقة نزهة بيدوان، فقد منحت المغرب الكثير من الألقاب والتتويجات، وكانت حاضرة بقوة في مضامير ألعاب القوى العالمية، وفرضت نفسها كواحدة من نجمات سباقات السرعة، وتحديدا في مسافة 400 متر حواجز، إلى عداءات الولاياتالمتحدةالأمريكية وجمايكا وكوبا. وبالنظر إلى هذه المحطات المضيئة، عاشت نزهة بيدوان بعض الإحباطات، لكنها كانت فرصة بالنسبة إليها لإعادة الانطلاق نحو المجد والنجومية. تبقى سنة 1996 من بين السنوات السوداء في المسار الرياضي لنزهة بيدوان، فقد حرمت من المشاركة في الألعاب الأولمبية التي جرت بأطلنطا الأمريكية، بسبب الإصابة التي فرضت عليها الخضوع لعملية جراحية. وتتذكر بيدوان كيف أنها أصيبت بخيبة أمل كبيرة بعدما خيرها الدكتور المعالج، بين الخضوع لعملية جراحية أو المغامرة بالمشاركة في هذه الألعاب الأولمبية، وقد تكون عواقبها وخيمة، يمكن أن تصل إلى حد إنهاء مسارها الرياضي. «كانت لحظة قاسية علي، فرغم أني كنت مستعدة بشكل جيد لهذه الألعاب، إلا أن الإصابة كان لها رأي آخر، واضطرتني إلى متابعة الألعاب عن بعد. فيوم افتتاح أولمبياد 1996 كنت بباريس أخضع لعملية جراحية على مستوى الكاحل. كنت أخضع للعلاج من أجل المشاركة في هذه الأولمبياد، غير أن اشتداد الألم قبل ثلاثة أسابيع تقريبا من موعدها، فرض علي الاستجابة لأوامر الطبيب وأقرر الخضوع لعملية جراحية غيبتني عن المضمار حوالي ثلاثة أشهر، ثم بعدها استأنفت تداريبي بشكل عادي، وحققت العديد من الإنجازات الكبرى». وبالإضافة إلى هذا العارض الصحي، الذي أحبط طموحات نزهة بيدوان، التي كانت تراهن على تخطي الحدود العربية والإقليمية وبلوغ العالمية، كانت وفاة شقيقها الأكبر مصطفى في حادثة بالديار الإيطالية كالصاعقة. «كان شقيقي رحمه الله أكثر من أخ. هو الأب والصديق والمشجع، وبالتالي كان فقدانه مؤلما جدا، خاصة وأنها جاءت بعد حوالي أسبوعين من إجرائي للعملية الجراحية، الأمر الذي أصابني بالإحباط التام، غير أن المحيط العائلي والرياضي، كان له دور كبير في استعادتي لتوازني النفسي، وعدت إلى المنافسة بكثير من التفاؤل والإصرار. وبعد ذلك بسنة، كانت الميدالية الذهبية في بطولة العالم لألعاب القوى، التي احتضنتها أثينا سنة 1997، وتوالت بعدها الإنجازات والألقاب.» وتحس بيدوان بنوع من «الشمتة»، حينما تتحدث عن ضياع اللقب العالمي لسنة 1999، حيث اكتفت بالميدالية الفضية، وراء العداءة الكوبية دايمي بيرنيا. «كنت متيقنة من كوني الفائزة باللقب العالمي، الذي منح للعداءة الكوبية باعتماد تقنية الصورة النهائية (photo finish)، فالعداء حينما يَعبُر في نفس التوقيت خط النهاية مع عداء آخر، يحس بأنه هو الأول أو الثاني، كما أن هذه العداءة توجهت نحوي بعد نهاية السباق وهنأتني بالفوز، غير أن الحكام وبعد العودة إلى الصور النهائية كان لهم رأي آخر. أتذكر أن عزيز داودة، الذي كان حينها مدربي، وأيضا مديرا تقنيا وطنيا، قضى ساعات طويلة مجتمعا برئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى، الإيطالي نيبيو لو، ووعده بأن ينصفني ويعيد اللقب العالمي إلي، خاصة وأن العديد من الصور النهائية أظهرت أني الفائزة باللقب، لكن وفاة نيبيو لو بعد أسابيع من هذا الحادث أبقى الأمور على ماهي عليه». ويبقى السبب في تحيز الحكام إلى العداءة الكوبية غير معروف بالنسبة لبيدوان، التي تعترف بأن هذا الحيف الذي لحقها في هذه البطولة العالمية، كان له أثر إيجابي على مسارها الرياضي، «لقد أطال من عمري الرياضي، فربما كنت سأعتزل لو فزت باللقب العالمي للمرة الثانية على التوالي، لكن قررت مواصلة المشوار والانتقام لنفسي في بطولة العالم بإدمنتون سنة 2001، وفي سباق شهد حضور أقوى الأسماء على الصعيد العالمي في مسابقة 400 متر حواجز، وفعلا استعدت لقبي، وفزت على منافساتي، وخاصة دايمي بيرنيا، التي حلت في الرتبة الثالثة وراء الروسية يوليا نوسوفوا.» ومباشرة بعد ضياع اللقب العالمي لسنة 1999، خضعت نزهة بيدوان لعملية جراحية ثانية، استعادت بعدها تألقها، حيث فازت بالميدالية النحاسية في أولمبياد سيدني، وهي الميدالية التي تعتز بها كثيرا، لأنها حصلت عليها وهي مريضة. «لقد فاجأني المرض عشية السباق النهائي، وجاهدت نفسي من أجل الوصول إلى منصة التتويج، رغم أني في تلك السنة حققت أفضل توقيت عالمي، وكنت المرشحة الأولى لانتزاع اللقب الأولمبي.» ورغم هذه التعثرات، إلا أن إنجازات نزهة بيدوان تظل كبيرة، فهي بالإضافة إلى فوزها ببطولة العالم مرتين، حاصلة أيضا على لقب كأس العالم لألعاب القوى، الذي احتضنته جوهانسبورغ سنة 1998، فضلا عن العديد من الألقاب العربية والقارية والمتوسطية.