الأكيد أن حياة أي ممارس رياضي تحفل بالعديد من المحطات المشرقة، والذكريات الجميلة، لكنها في نفس الوقت تحمل كثيرا من المواقف غير السارة، والتي تبقى راسخة في الأذهان. في هذه الزاوية ننبش في ذاكرة بعض الأسماء الرياضية عن أسوأ الذكريات، ونعود بهم إلى تفاصيل هذه المواقف، التي تُستحضر اليوم بكثير من الطرافة. يعتبر الحارس الدولي السابق، مصطفى الشاذلي، أن مشوار أي رياضي معرض دائما لمواقف غير سارة، قد تبلغ درجة الخطر. وهي أخطار يساهم فيها كثيرا الحماس والرغبة الزائدة في الانتصار. ويستحضر مصطفى الشاذلي هنا واقعة كادت تكون وخيمة على مشواره الرياضي، عندما فقد أسنانه في مباراة الرجاء ضد فريق أورلاندو بيراتس الجنوب إفريقي سنة 1997. يقول الشاذلي، «كانت المباراة حاسمة بالنسبة لنا لحسم التأهل إلى نهاية عصبة أبطال إفريقيا في حلتها الجديدة، وجرت في نفس توقيت مباراة اتحاد العاصمة الجزائري ضد بريميرو دي أغوسطو الأنغولي. فباستثناء الفريق الجنوب إفريقي، كانت الفرق الثلاثة الأخرى تصارع من أجل انتزاع البطاقة الوحيدة المؤهلة للمباراة النهائىة، وهذا ما فرض اللعب في نفس التوقيت. خلق لنا الفريق الجنوب إفريقي مع ذلك متاعب كبيرة، ووقف ندا قويا أمامنا، وتعذبنا كثيرا قبل انتزاع الانتصار في هذا اللقاء بهدفين مقابل هدف واحد، وبالتالي الظفر بتأشيرة التأهل إلى المباراة النهائية». وفي حمأة التنافس في هذا المباراة، تابع الشاذلي، «يحدث أن يحصل الفريق الجنوب إفريقي على ركنية، كان معترك العمليات مليئا باللاعبين، يفوق عددهم 14 لاعبا، وأمام طول قامات لاعبي أورلاندو بيراتس، ومؤهلاتهم البدنية العالية، ارتميت على الكرة بقبضة اليد، في محاولة لإبعادها، لكن فمي ارتطم برأس أحد لاعبي الفريق الخصم. أغمي علي، وبقيت بالمعترك أتلقى الإسعافات الأولية حوالي 15 دقيقة رفقة اللاعب الخصم، الذي أغمي عليه هو الآخر، ولم يستطع إتمام المباراة، حيث تم تغييره على الفور، مما يبين قوة الاصطدام. وبعد استعادة الوعي علمت أني فقدت اثنين من أسناني، فضلا عن جروح بليغة بالفك. كان الدم يسيل كثيرا من فمي، الأمر الذي جعل الحكم الدولي المصري جمال الغندور يطلب تغييري، لكن إلحاح المسؤولين الرجاويين كان كبيرا كي أواصل اللعب، بالنظر إلى الأداء الكبير الذي قدمته في تلك المباراة، وتمكنت من إحباط مجموعة من الحملات الهجومية للخصم. تفهم الحكم الغندور الوضع وحساسية الموقف، فهو عربي بالدرجة الأولى. تقدم نحوي وقال لي: «يجب أن تساعدني، حاول إغلاق فمك كي لا يخرج الدم، وستكمل اللقاء.» كانت هذه المباراة فاتحة خير علي، فقد شكلت الانطلاقة الحقيقية نحو المجد، حيث كانت الألقاب والتتويجات، فقد وصل مجموع الألقاب التي حصلت عليها 19، أغلبها مع الرجاء البيضاوي». ويؤكد الشاذلي على أن أي مهنة تكون فيها نسبة من الأخطار، فقد «كنت أحيانا ألعب وأنا مصاب، وهذا كله حبا في فريقي الرجاء البيضاوي». وهنايتذكر الحارس الدولي السابق، مباراة الديربي أمام الوداد البيضاوي في أياب البطولة الوطنية لموسم 2003 - 2004، التي خاضها وهو يعاني من إصابة حادة في الظهر. «كانت مدرجات مركب محمد الخامس مملوءة بالجماهير، وكان التنافس حينها على أشده مع الوداد على لقب البطولة الوطنية. أصررت على اللعب وكنت متحمسا للغاية، كما أن الطاقم الطبي بدل مجهودا كبيرا من أجل تأهيلي، وفعلا قدمت كالعادة مباراة جيدة وتمكنا من الانتصار في الديربي بثلاثة أهداف دون مقابل.» الشاذلي كان حاسما في العديد من إنجازات فريق الرجاء، وخاصة في المباريات الكبيرة، حيث كثيرا ما صد ضربات الجزاء، وخاصة في المباراة النهائية أمام الترجي بتونس في نهائي دوري أبطال إفريقيا سنة 1999، وهو اللقب الذي مكن الفريق الأخضر من المشاركة في أول مونديال للأندية، وأيضا في نهاية كأس الاتحاد الإفريقي أمام كوتون سبور الكامروني سنة 2003، وتحديدا في مباراة الإياب بغاروا، التي انتزع فيها الرجاء هذه الكأس تحت إشراف المدرب هنري ميشال. وتبقى الطريقة التي غادر بها فريق الرجاء البيضاوي غصة في حلق الحارس مصطفى الشاذلي. ويقول: « لم أكن أتصور في يوم من الأيام، - وبالنظر إلى الخدمات التي قدمتها لهذا الفريق - أن أغادر الرجاء بتلك الطريقة المهينة، طريقة لا تعكس قيمة الرجاء ولا وزن مصطفى الشاذلي. كان المشكل بسيطا للغاية، غير أن التأويلات جعلته يخرج عن سياقه العادي. لقد قمت بتغيير قميصي بشكل عفوي ودون قصد، لأنني آثرت تبديل القميص الأسود الذي دأبت على ارتدائه بلون آخر، وهنا أقول ربما أن رئيس الرجاء آنذاك كان يبحث عن فرصة للتخلص مني، لسبب أجهله. فأي فريق في العالم، حينما يكون لديه حارس مرمى كبير، فإنه يعامله معاملة خاصة، ويتم تجاوز بعض أخطائه، أما أن يكون حادث من هذا القبيل سببا في إغلاق باب الرجاء في وجهي، فهذا غير مقبول، فالشاذلي يشهد الجميع بأخلاقه العالية.» ويعود الحارس الرجاوي السابق إلى التأكيد أن رحيله عن الرجاء كان قدرا مقدورا، «فالحمد لله على كل حال، وربما كان هذا الموقف فرصة للبحث عن آفاق جديدة، وكانت الوجهة هي المغرب التطواني، وكانت تجربة رائعة ونجح الفريق في إعادة تكوين نفسه، وفي أن يصبح له اسم كبير على الساعة الوطنية، ونافس على الألقاب وخاصة كأس العرش، كما شارك لأول مرة في مشواره في بطولة العرب.»