تجتهد الدولة الجزائرية، منذ مدة، في الدفاع عن نفسها في قضية تسليح وتهجير المرتزقة إلى ليبيا. وتسعى الدولة الجزائرية ، عبر كل وسائلها وترسانتها الاعلامية والديبلوماسية، لأن تدفع الشبهة عن نفسها في هذه القضية . وبعد أن تناولت عواصم دولية، منها واشنطن، والمحيط القريب من الأممالمتحدة ، قضية تدريب وترحيل مرتزقة لحساب القذافي، خرجت الجزائر باتهام واضح للمغرب واعتبرت أن «اللوبي المغربي في القارة الأمريكية هو الذي كان وراء هذا الاتهام»! ولم تستطع آلة الجزائر أن تقنع أحدا بأن «اللوبي» ،الذي تراه في كوابيسها ، هو الذي كان وراء ذلك، عندما كان تحدث باسم الثوار في حوار مع أسبوعية جزائرية، قد اتهم فعلا الجزائر، وأخبر الرأي العام الجزائري بأن دولته هي التي ترسل المرتزقة الى البلاد الثائرة في سباق محموم مع الثوار من أجل لجم التحولات الحاصلة في المنطقة. ويبدو أن الجزائر لم تحتمل ثورتين في المغرب العربي، من أجل ديمقراطية هي أول من يدرى أنها لن تكون في مصلحة الدولة الجزائرية وتابعها عبد العزيز المراكشي. تريد الجزائر أن «تشتغل» في المغرب العربي بالمرتزقة أو بالانفصاليين. وبمعنى آخر، لقد اكتسبت تجربة «شريرة» وطويلة في مجال الاشتغال على الفتن الداخلية وعرقلة الدول والمجتمعات على بناء ديمقراطياتها واقتصادياتها وتنميتها عبر زرع الألغام والتوترات. لو أن الجزائر كانت سليمة النوايا مع المغرب، طوال أزيد من أربعين سنة ، لصدقوها في قضية لا تزيد عن بعض الشهور. لو أنها زرعت الصدق في علاقاتها غربا، لصدقها العالم .. شرقا! واليوم تعود الجزائر إلى قفص الاتهام بسبب تهريب السلاح إلى القذافي، وهي كلها أمل في أن يبقى الى أجل بعدي في مواجهة العالم وقتل شعبه. ومازالت تحاول أن تنفي اتهامات بأن سفينة ليبية أفرغت شحنة من السلاح لقوات الزعيم الليبي معمر القذافي في ميناء جزائري. ونقلت وكالة الانباء الجزائرية عن الناطق باسم وزارة الشؤون الخارجية قوله إن «وزارة الشؤون الخارجية تكذب بصفة قطعية هذه الادعاءات » . وقالت مصادر بالمعارضة الليبية إن «السفينة التي تبحر تحت العلم الليبي وصلت في 19 يوليوز الى ميناء جن جن حيث نقلت حمولتها عبر الحدود الى ليبيا». وأعربت الولاياتالمتحدة عن قلقها وحثت الجزائر ، إذا كانت على علم بهذه الشحنة، أن تتوقف عن التعاون مع قوات القذافي. وقال مسؤول بوزارة الخارجية الامريكية لرويترز يوم الجمعة «حكومة الولاياتالمتحدة تعمل على التحقق من صحة هذه المزاعم التي ظهرت للنور توا. واذا كانت صحيحة فإنها من المحتمل أن تمثل انتهاكا لقراري مجلس الامن الدولي 1970 و1973» . ويتمسك القذافي بالسلطة رغم الحملة الجوية التي تشنها طائرات حلف شمال الاطلسي منذ أربعة أشهر والحظر المفروض على السلاح والصراع الطويل مع المعارضة المسلحة التي سيطرت على مساحات كبيرة من ليبيا. وإذا كان بعص المراقبين يعتبرون بأن الجزائر تسعى الي تأبيد التوتر وتأبيد الزعيم والإبقاء على حالة الحرب لزمن قد يصل نفس الزمن الذي دامته المواجهات في الصحراء المغربية، فإنها تريد أن تبلغ صورتها بأنها البلد الكبير الذي يمكنه أن يفرض نفسه كمفاوص من باب القتل وتعميم القنابل على شعوب المنطقة. تفهم الجزائر المغرب الكبير على أساس أنه «الجزائر الكبيرة»، وكل ما يقع فيه من وحدة أو ديمقراطية ، لا بد لها من أن تؤجله لأنه لا يخدم التوسعية التي اعتمدتها في التعامل مع جيرانها. لا يمكن أن نترك الجزائر تلعب اللعبة نفسها شرقا وغربا وتعطل الديمقراطية، لأن هذه الأخيرة ليست مسألة الشعوب فقط، بل هي أيصا تتأثر باختيارات الجيران.