ذكرتنا مانهاست بأن سيف الانفصال ما زال فوق أعناقنا، وذكرتنا الاخبار التي تحيط به أن الاعداء، والخصوم الاستراتيجيين ما زال لديهم ما يكفي من عتاد للنار وللأحقاد، وأننا لم نخرج بعد من معادلة التوتر في المنطقة. وأول شيء في تصريحات زعيم الانفصاليين والذين يساندونه من الرسميين والاستراتيجيين الجزائريين يستفاد منها أن تركيبة التوتر والحث على التأزيم ما زالت هي نفسها، إن لم نقل أنها توجه من أجل ألم أكبر للمغرب. لم تنظر الجزائر الى ما يحدث في المغرب العربي من تحولات، هي التي تسعف النظام الليبي بالمرتزقة وتحاول أن تخلق حلفا مقدسا بين الجماهيرية ومجموعة عبد العزيز المراكشي وبإشراف مباشر منها، إلى أنها تحولات لا بد من أن تضعف المغرب وتصدر له الازمة وتتأبد القضية المتعلقة بالاقاليم الجنوبية للمغرب. فقد عادت الطوابير التي تتكلم باسم الجزائر، ومنها ما يسمى لجنة الدعم الجزائرية، الى الحديث عن الشعب الصحراوي وعن قضية الاستفتاء وعن المقاومة الشعبية. وجاء في تصريح للمسمى العماري رئيس اللجنة ، دعوة «للأمم المتحدة و مجلس الامن الدولي الى تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير مصيره وتصفية الاستعمار في الصحراء الغربية«!. العماري الذي تحدث في اليوم الذي بدأت فيه مانهاست، أكد من جديد« أن موقف الجزائر من القضية الصحراوية "واضح وثابت "، مبرزا أنها تساند المقاومة الشعبية في الاراضي الصحراوية المحتلة»(كذا).. وكان العماري الجزائري يترأس حفل جامعة صيفية للانفصال عنوانها يحمل أكثر من دلالة عندما تم اختياره على أساس أن المقاومة الشعبية هي طريق التحرر! مانهاست ومحيطها يذكرنا بالموقف منا، ويذكرنا بالأولوية الاساسية لنا ،أولوياتنا التي تعني الحفاظ على الارض التي تحت أقدامنا، وأن الأولوية مازالت للوطن ولحماية حدوده. وهو ما يفرض علينا أن نطرح قضية الانفصال وعلاقتها بالحراك العربي العام والحراك المغربي. نحن البلد الوحيد طبعا الذي يعيش انتقالاته كلها، منذ 1975 الى الآن، وهو مهدد في وحدته الترابية. لقد كانت الوحدة الترابية عتبة التوافقات الوطنية وتحديد الاولويات، كما كانت دافعا لنا من أجل الكثير من الخطوات الكبرى، سواء في انفراج السبعينيات أو في تقوية مسار الدمقراطية ابتداء من التسعينيات، وستظل القضية الوطنية بالنسبة لنا وقودا للمزيد من الديموقراطية، أولا لأن القوى الوطنية ربطت دوما بين التحرير والديموقراطية وأدركت منذ منتصف السبعينيات أن هذا الربط الجدلي هو الذي سيقوي موقع المغرب ( كان عبد الرحيم بوعبيد يقول إننا صف واحد، لكنه صف متحرك). وثانيا لأن التدبير المغربي للملف كان يتطلب دوما أن تكون هناك تعبئة جماعية ويفترض أن يتم التشاور بين جميع مكونات الأمة ( ليس بسهولة طبعا، ويكفي أن نذكر بفصل الاستفتاء وسجن قيادة الاتحاد..). ونحن البلد الوحيد اليوم في كل الدول العربية الذي يعارك من أجل انتقال ديموقراطي حقيقي وانتقال الى مستوى دولة المؤسسات، ومحاربة الفساد وإسقاط كل أشكال الحكرة، ولكنه في الوقت نفسه مطالب بأن يحافظ على كيانه وترابه وجغرافيته. وعلينا ثالثا أن نكون صرحاء: لا يمكن أن نقفز على الظروف الوطنية، حيث لا يمكن أن نكتب التاريخ بتعليق الجغرافيا أو تبديدها! ولا توجد شعوب ثائرة أو سعيدة يمكنها أن تتخلص من تاريخها أو من جغرافياتها. ولكي نكون صرحاء، فإن تحديد موقف واضح من الوحدة الترابية لدى بعض مكونات الحركة الفبرايرية الشبابية أمر إجباري اليوم. ماذا تقول العدل والاحسان حول الوحدة الترابية، وهل تقوم بتحليل الوضع والمواقف على ضوء استفادة البلاد أو عدم استفادتها من كل بادرة تتخذها؟ وماذا تقول قوى اليسار وكيف تقرأ تحولات الحركة والآفاق التي ترسمها لحراكها، باستحضار القضية الوطنية؟ وهل يمكن للأحزاب والقوى الوطنية أن تدخل المنعطف الجديد باستحضار قوي للقضية في كل مبادراتها وتفكيرها وتحليلاتها. وهل يمكن أن تقدم تنازلات وخططا وقرارات يمكنها أن تساعد المغرب على انتصار أكبر وحضور أقوى، وهل يمكنها أن تجعل بالفعل وعمليا الوطن في المرتبة الاولى والاسمى ، قبل الحسابات الضيقة والتي لا تتجاوز «عتبة» الأنف؟ وما يغير النظام فإنه لا يغير الجغرافيا، وإن كان يغير من فيزيولوجياتها السياسية، ولا يمكن بأي حال من الاحوال أن يغيب عنا الوعد الوحدوي في القضية. كما لا يمكن أن يغيب الوعد الديموقراطي في الوحدة. هناك نقاش ضروري لا بد ل 20 فبراير أن تقوم به وتعلن فيه الثوابت ، وهو موضوع الوحدة ومواقف الاطراف التي تتعايش تحت سقفها! لقد كانت القاعدة الوطنية والوحدة أحد العناصر الكبرى في تحديد التوجهات والقرارات السياسية حتى في أوساط اليسار وحتى في أقسى الأوقات وأكثرها صعوبة وتعصبا. لقد كان الاشتراكي وموحد اليسار الفرنسي فرانسوا ميتران يقول إن التاريخ يمر عبر نفس الطرق التي تمر منها الجغرافيا.. ولا يمكن أن نوفر على أنفسنا هذا المجهود اليوم.