أصبحت ظاهرة بيع الذهب المقلد أو "البلاكي" كما هو معروف بمجتمعنا المغربي، موضة العصر في السنوات الأخيرة ، حيث صارت هذه التجارة مربحة جدا للكثير من التجار والباعة الذين فضلوا امتهان هذا النشاط لتحقيق الربح الوفير واستقطاب أكبر قدر ممكن من الزبائن. وكما هو معروف فإن المواطن المغربي البسيط غالبا ما يبحث عن كل ماهو رخيص ومناسب لمدخوله الشهري المتواضع، فتراه يقبل على شراء هذه المجوهرات المقلدة بغض النظر عن جودتها ونوعيتها، لدرجة أن النساء صرن يقبلن بكثرة على الطاولات المنتشرة عبر أرجاء الأسواق اليومية خصوصا بالمدينة التي صارت مرتعا لهؤلاء الباعة الذين استحسنوا هذه التجارة بعد أن وجدوا فائدة كبيرة بفضل الإقبال الكبير لهؤلاء النسوة عليها، مغتنمين فرصة غلاء الذهب الحقيقي ووصوله لناطحة السماء، مما أعجز العائلات وجعلها تعزف عن شرائه رغم الأعراس والأفراح التي تعيشها يوميا وصارت هذه الأسر تفضل شراء البلاكي. «البلاكي» وجهة كل عروس كانت العروس المغربية فيما مضى ، لا تجد صعوبة كبيرة في شراء مجوهراتها التي كانت تقتنيها بعناية كبيرة كونها من أساسيات الجهاز، ونذكر منها على سبيل المثال "محّزمة اللّويز"، وغيرها من المجوهرات العريقة التي لم يصر لها مكانا في وقتنا الحالي، وحتى إن وجدت فسعرها خيالي ولا يمكن لأي عروس أن تشتريها بالنظر الى غلاء المعيشة الذي عقد الأمور وصعب المهمة بشكل كبير، ولأن الذهب في القديم كان يباع بأسعار معقولة فقد كانت العروس تشتريه كضرورة لا بد منها حتى تتمكن من ارتدائه مع كل زي تقليدي الذي يتطلب هو الآخر هذه المجوهرات الثمينة والتقليدية في نفس الوقت. لكن ما لفت الإنتباه في السنوات الأخيرة وموازاة مع غلاء المعيشة وارتفاع سعر الغرام الواحد من الذهب الخالص، أن العرائس صرن يقبلن بكثرة على "البلاكي" ويدرجنه ضمن الجهاز بينما يكتفين بشراء نوع أو نوعين فقط من الذهب الخالص، في حين تكون بقية المجوهرات من "الفانتيزي" الذي غالبا ما يستعملنه فقط أمام الضيوف، لأنهن بكل بساطة يعجزن عن شراء الذهب الحقيقي الذي وصل سعره لرقم خيالي، ويحاولن التستر على الأمر حتى على أقاربهن حتى لا يكن محط سخرية. ولا يتعلق الأمر فقط بالعرائس ، بل حتى اللائي يحضرن الأعراس الخاصة بالأهل والأحباب حيث يفضلن الظهور بمظهر لائق ويتزين بأجمل المجوهرات والقطع الذهبية التي هي في الواقع مزيفة، لكن مظهرها لا يوحي بذلك حيث يحاولن شراء قطع جميلة وذات نوعية ممتازة ولا يبدو عليها أنها مقلدة ، ضف على أنها تبقى على حالها لمدة طويلة دون أن تفقد لونها أو بريقها ، وهو ما شجع الكثيرين على الإقبال عليها واقتنائها في انتظار أن يعود الذهب الخالص لمعدلاته ويصبح في متناول هؤلاء الأشخاص الذين ذاقوا ذرعا من هذا الإرتفاع الهائل في الأسعار، ومن المرجح أن تستمر عملية الإقبال على"البلاكي" لأجل غير مسمى مادام المواطنون لا يجدون أي مشكل في ذلك، فالمهم عندهم هو أن يكون مشابها تماما للذهب الحقيقي. «الفانتيزي » يهدد مستقبل بائعي الذهب لم يستطع بائعو الذهب والتجار إنكار استيائهم وغضبهم الكبير من انتشار ظاهرة بيع الذهب المقلد نظرا للتأثير السلي والكبير على مستقبلهم وتجارتهم التي صارت في الحضيض بسبب ارتفاع الأسعار لمبيعاتهم، مؤكدين أنه ليس بيدهم حيلة لأن هذه هي لعبة التجارة ومعدل المبيعات العالمي ولا يمكن لهم التحكم في الأسعار لإرضاء الزبائن فقط، بل إن نشاطهم يفرض ذلك، وذلك ما أكده لنا أحد الباعة في قيسارية الذهب بدرب السلطان الذي تأسف لتراجع الإقبال على مجوهراته بسبب الغلاء وارتفاع الأسعار، مشيرا إلى أن المواطن البسيط صار يلجأ للذهب المقلد الذي يعرضه الباعة الفوضويون بالأسواق اليومية، ويفضل شراء المجوهرات من عندهم لأنها تباع بأسعار معقولة دون أن تكون لديه فكرة عن أن هذه المجوهرات لن تدوم طويلا، عكس الذهب الحقيقي الذي يعتبر رأس مال يجده صاحبه في المستقبل ووقت الشدائد، وإذا دفع مبلغا كبيرا مقابله فسيسترده بالتأكيد عندما يحتاجه، وربما يحصل على مبلغ مضاعف، وذلك حسب معدل الذهب في السوق، لكن للأسف فهذا المواطن لا يرى بنفس العين التي يرى بها هؤلاء الباعة الذين مازالوا متخوفين من أن تغلق محلاتهم يوما ما ولن يجدوا أي زبائن يبيعونهم الذهب الحقيقي ليفرض "البلاكي" نفسه بقوة في هذه المنافسة ويستقطب أكبر عدد ممكن من الزبائن الذين ينحدر أغلبهم من الطبقة البسيطة والمتواضعة. الذهب «المزيف» بين القبول والرفض بسوق الذهب بدرب السلطان تفاجأنا بالعدد الكبير للطاولات التي تعرض «المجوهرات المقلدة»، بقلب السوق تتعالى أصوات البائعين الذين يحاولون جلب انتباه الزبون بعبارات مغرية مثل "ديري الذهب باطل!!" أو "ب 600 درهم تولّي شابة في العرس" ، وغيرها من الكلمات التي تؤثر على المواطن البسيط وتدفعه للإقتراب من الطاولة وشراء ما تقع عليه عينه. اقتربنا من أحد الباعة الذي كان يحيط به حشد كبير من النساء اللائي تجمعن حول الطاولة ورحن يقلبن في المجوهرات بكل شغف، وسألنا إحداهن عن سبب إقبالها على هذا الذهب المزيف ، فأكدت أنها مجوهرات جميلة ونوعية جيدة، ولا توجد لديها أية مشكلة في شرائها مادامت تحافظ على لونها ورونقها وتدوم لمدة طويلة، كما أنها تشبه الذهب الحقيقي بكثرة، ولا يمكن لأحد أن يتعرف على حقيقتها، مشيرة إلى أن ابنتها قد اشترت في عرسها خاتما من "البلاكي" ولم يستطع أحد اكتشاف الأمر، بل بالعكس كان جميلا جدا وأعجب به كل الأقارب، الأمر الذي شجعني على شراء المزيد لأتزين به في الأعراس، لأن الذهب الحقيقي صار غاليا جدا ولا يمكن شراؤه بسهولة! في حين أكدت إمرأة أخرى أن الذهب المقلد صار المنقذ الوحيد لكل الفتيات، خصوصا عندما يتزوجن، لأن شراء الذهب صار أمرا صعبا ويستوجب الكثير من الأموال ، فما العيب إذا اشترت العروس البعض من الذهب المقلد وأدرجته ضمن جهازها مادامت غير قادرة على شراء الحقيقي الذي صار مرتفع الثمن بشكل خيالي خصوصا هذه الفترة من موسم الصيف؟ هذه الإنطباعات لم تتقبلها إحدى الفتيات التي صادفناها رفقة والدتها التي حاولت بدورها التوجه عند هؤلاء الباعة، لكن ابنتها منعتها وصارت تصرخ أنها لا تريد ذلك، فاقتربنا منها محاولين التعرف على رأيها، فأكدت أنها لا تحب "البلاكي" لأنه مجرد تبذير للنقود ، فعوض أن تشتري خاتما من "البلاكي" ب 100 درهم تفضل جمع مبلغ أكبر وشراء خاتم من ذهب حقيقي تجده وقت الشدة، كما أن "البلاكي" لا يدوم طويلا وسرعان ما يختفي بريقه، ليصبح بذلك المال الذي أنفق عليه في مهب الريح، وأكدت أيضا أنها عندما تتزوج لن ترضى أبدا بأن تجهز بذهب مقلد ، فخير لها أن تكتفي بقطعة واحدة من الذهب الحقيقي على أن تشتري عددا كبيرا من القطع المقلدة. وبين هذا وذاك لا يمكن أبدا الإنكار أن "البلاكي" صارت له مكانة هامة داخل المجتمع ، والقبلة الوحيدة للعديد من العرائس ، وستكون له مكانة أهم في المستقبل مادام أغلب الناس يعجزون عن شراء الذهب الخالص لارتفاع سعره.