لأنه أحب، في طفولته التطوانية، الجبال والبحر، وعشق، أيام الدراسة الجامعية بتولوز، أسماء الأزهار، وسكن مسامه الشعر باعتباره «مواطنا في العالم» كما يسر، فالديوان الأول لنجيب بن داوود، الأستاذ الباحث في المدرسة العليا للأساتذة بتطوان، بالإنصات الطافح لحكايات الحياة والأشياء، وبالغوص الكاشف في ذات الذات وذوات الغير. الديوان الصادر ضمن منشورات «فكر»، في 129 صفحة من القطع المتوسط، اقتبس عنوان إحدى قصائده كعتبة يهب نفسه عبرها للقراءة والقراء: «النهدان المضنيان». والقصيدة هذه حكاية عشق مرفوض لا خلاص منه، لأن الشاعر، مثلما يتبين ذلك في هذه القصيدة وفي باقي قصائد الأضمومة البالغ عددها ثمانية وأربعين، يؤمن بأن الكلمات تفقد جدواها إن لم يسندها الحكي. بصيغة «الأنا» تنساب اللغة الشعرية لدى نجيب بن داوود، «انا» تحكي أولا وأساسا، ليكون الحكي ذريعة لمحاورة الآخر والطبيعة والأشياء، ولإبراز الأحاسيس وسبر أغوار الذاكرة. واللغة هذه خادعة للقراء المتسرعين، إذ خلف حجاب بساطتها يكمن «نفَس ذات زمن» عميق (ص: 126) و»قلقه الوجودي» الذي يريد أن يصرخ به في رحم «إيمانك الجنوني» (ص: 76). اللغة هذه نسيج حريري من كلمات، تقول عنها فيرونيك سوجي في مقدمتها للديوان، إنها «خلق قح»، مما يجعلها منعتقة من شراك التقليد أو المحاكاة. لغة معتقة تنتصر لخصوصيتها ونبضها رغم أنف قساوسة الأكاديمية الفرنسية. يصدح الشاعر: «أرسم شفاه أرض أوراك بحر عيون رعد دموع لعبة إيروتيكية» (ص: 33). في هذا الديوان الأول، ينكتب نجيب بن داوود: «كنت أبتغي اللجوء إلى حلمك وأنت ترفضين بأبهة حلمي أتخشين أن أحرق شفتيك؟» (ص: 45). في هذا الديوان الأول، يصف نجيب بن داوود: «صمت منعش روح مطمئنة تستمر الحياة القمر، الشمس إنشاد الريح» (ص:51). في هذا الديوان الأول، يرسم نجيب بن داوود الجسد وظلاله (نهدان مضنيان: ص 22- شواطئ جسد: ص60 - ظل ظلك: ص 113...)، الحياة وألوانها (صمت أزرق: ص84 ? ريح بيضاء: ص93...) والحب في تدرجاته، إمكانيته واستحالته.