..وأخيرا سترفع الحصانة عن نوابنا في المجلس القادم، أخيرا سيكون برلمانيونا متساوين قانونيا أمام عدالتنا بعد إقرار الدستور، لامكان للإختباء بعد اليوم وراء عضوية المجلس بغرفتيه للتستر على الجرائم والجنح والمخالفات. مطلب شعبي يتمنى الشارع أن تضاف إليه مطالب أخرى تسير في اتجاه إلغاء التعويضات الممنوحة للبرلمانيين السابقين - المثير أن التقاعد البرلماني لايوجد إلا في المغرب-، والتقليص من حجم التعويضات الشهرية والتي تضيع على المغرب ملايير الدراهم، والحال أن عضوية البرلمان ليست وظيفة، بل مهمة سياسية لاتستوجب أجرا يسعى المنتخب من ورائه إلى الربح. أتساءل إن كنا سنجد تهافتا محموما لرجال الأعمال والمافيات، بكل تلاوينها، للوصول إلى قبة البرلمان بعد إلغاء الحصانة البرلمانية؟ أتساءل إن كنا سنجد هؤلاء وقد استلقووا فوق الكراسي وهم يتنفسون الصعداء فرحا بحصانة ستمكنهم من تأخير المتابعة إلى حين أو إلغاؤها أصلا؟ فكم من الشكايات المرتبطة بنزاعات أسرية أو معاملات تجارية أو جنح ومخالفات جُمدت لا لشيء إلا لكون أحد الأطراف «يتمتع» بحصانة برلمانية، وكم من المآسي لحقت بعائلات بأكملها نتيجة تجبُّر منتخب ما، وكم من شرطي وقائد وغيرهما تم الاعتداء عليهم وأهينوا أمام الملأ لحظة وقوفهم بحزم من أجل احترام القانون، ليجدوا أنفسهم في الأخير أمام اختيارين إما التنازل والإكتفاء بقبول الإعتذار، أو انتظار الأسوأ. الدستور الجديد حسم النقاش حول الحصانة البرلمانية فقطع الطريق على كل هؤلاء الذين ينفقون الأموال الطائلة في سبيل الجلوس على كرسي، لا لمناقشة هموم ومشاكل المواطنين والمساهمة في التشريع، بل للتحصُّن هم وأفراد أسرهم، وربما خدمهم وأصدقائهم وكل من يلقي عليهم التحية، لم لا! هنا أذكر بالحكم الصادرعن غرفة الجنايات بمحكمة الإستئناف بالدار البيضاء قبل سنوات والقاضي بعدم وقف المتابعة في حق مستشار برلماني متابع قضائيا على خلفية ملف المشروع السكني الحسن الثاني لإيواء سكان دور الصفيح بكاريان سانطرال بالدار البيضاء، بعد أن كان مجلس المستشارين قد أقر وقف المتابعة في حقه، ولا يتعلق الأمر بحكم عادٍ صادر عن جهاز قضائي أحس بأن تطاولا على اختصاصاته جاء من الجهاز التشريعي نفسه الذي يفترض أنه هو الأكثر احتراما للقوانين ببلادنا. إنه ليس حكما، بل هو درس من دروس القانون الدستوري، لابد أن يؤخذ مرجِعاً لدى طلبة كليات الحقوق بالمغرب في تحديد المسافة الفاصلة مابين الجهازين القضائي والتشريعي، وهو كذلك درس لكل البرلمانيين المغاربة من حيث إن تعليله يمكن اعتباره تحليلا مفصلا ودقيقا لمدلول الحصانة البرلمانية ببلادنا وضوابطها.