قررت أن أخالفه الرأي وقرر هو أن يخالفني في الأسئلة والأجوبة. أقول له «تعب كلها الحياة»، يقول الحياة لعب ولهو، أقول له أحب الشكولاطة والجعة، يقول أنت زنديق، أقول له أحب شراء الأزهار ومغازلة النساء الرشيقات ، يقول أنت بورجوازي أقل من متوسط، أقول له أصوم وأقرأ الكتاب ولا أصلي، يقول لا صوم لك، أقول له أتذكر جيدا ختان شقيقي الأصغر، يقول أنت مريض بالزهايمر، أقول له لا أقرأ الرواية البوليسية، يقول أنت كسول، أقول له لا أومن بالعصمة والتقية، يقول أنت خارج عن الملة، أقول له هل قرأت المقدمة، يقول هل قرأت عذاب القبر، أقول له الشعر أفضل من العمل، يقول أنت سيزوفريني، أقول له يجب احترام البرميطات، يقول احترم نفسك، أقول له أحب رسومات الغرباوي، يقول أحب خبز الشعير، أقول له أحب السمفونية التاسعة، يقول أحب موسيقى الجوق خمسة والخمسين، أقول له يعجبني اللون الرمادي، يقول أحب النعاس، أقول له اتق شر من أحسنت إليه، يقول أنت الشر عينه..!! توقف الكلام بيني وبين الرجل، تبين بالملموس، أن الذي لا يتقن فن الحجاج، لا يمكن أن تحاججه في أي أمر من أمور الدنيا، قلت في سري، لماذا أتهم الرجل، من يدري أنه على حق..؟ الليل يزداد وحشة وسكونا لا شك أنني أعاني.. ما شكل هذه المعاناة، لا أدري.. كثيرة هي المرات التي أدخل فيها هذه المعاناة، ولا يتيسر لي الخروج منها إلا عن طريق النبيذ أو الصمت.. لماذا لا أكف عن هذه الفوضى السوداء.. لا أقول له ولا يقول لي. العالم يتكلم لغات مختلفة. تساءلت لماذا هذا الخلاف؟ هل هو خلاف في اللغة، في الإحساس، في تخيل الأشياء، في النظر إلى الأشياء، في تأويل الأشياء..؟ أجل هو خلاف فقط.! السادسة صباحا أطعمت عصفوري الذي اشتريته من باب سبتة، فكرت أن أنسقة فكرية سامقة الجودة تأسست على منطق الاختلاف.. لماذا ألوم الرجل لماذا أمنع عنه هذا الحق لماذا أصادر حريته.. ليس من الضروري أن نقرأ كتابا واحدا، أن نشرب من كأس واحدة، أن نركب قطارا واحدا، أن نتزوج بالشروط نفسها، أن نحصل على الشهادات نفسها، أن نحزن ونضحك بالشروط نفسها، لا شك أن الرجل صادق حين كان يخالفني !؟؟ أعترف الآن أنني بدأت أتبعض البعض مني يقول هدء من روعك البعض الآخر يقول مارس طقوسك.. خرجت بصعوبة من هذا التبعيض، اشتريت الجريدة، أسير بخطوات حثيثة نحو البحر، المراكب تتحرك بهرمونية تصنعها هندسة الميناء، أستشعر هواءا مالحا يتسرب إلى الرئتين والقلب، يزول عني شيئا فشيئا تعب البارحة، لقد أنهكني الإفراط في مراجعة الأعوام المنصرمة من عمري، لم تعد الأشياء واللحظات على ما يرام، عتمة ما تحجب عني بياض الأشياء، رغم ذلك أحاول أن أرقص كصرصار ضرير، أو على طريقة الطيور الخائفة من نسر يحلق عاليا.. أو على طريقة الأسماك التي تسكن قعر المحيطات، أضع الجريدة فوق الصخرة الدائرية، أثبت نظاراتي فوق الجريدة، أرمي بحذائي بعيدا، أخلع كامل ثيابي أتحرك نحو الماء، أغوص، الماء بارد ومنعش، أشعر بقشعريرة زائدة تسري إلى أطرافي السفلى، في الآن نفسه أشعر بدفء داخلي وبخار يتصاعد من جلدي، أتمدد فوق سطح الماء، أنظر إلى السماء، سحب سوداء زرقاء بيضاء تشبه رسومات غويا، تمنيت أن أنام فوق الماء، قلت للرجل، أحب أن أنام فوق الماء، قال الرجل أحب أن أنام تحت الماء. 13 ماي 2011