ولد رشيد سنة 1970 في مدينة قروية صغيرة :بنسليمان. مدينة متوسطة، قريبة من الرباط، ذات طابع بدوي. لم تنجب الكثير من الأطر ذوي الصيت العالي. جل أبنائها نوابغ متواضعون. شجعان تنقصهم الحيلة. رشيد نيني نموذجهم الأبرز. وشجاعته في قول الحقيقة والدفاع عنها كانت سمته البارزة منذ كان طالبا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. حيث عرف عنه الاتزان والظرف. لا يقرب السجائر ولا يعاقر الخمرة. وبنيته الجسمانية تخفي رياضيا مواظبا. وانخراطه في صفوف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب صنع منه باكرا «الولد المر» الذي سيعرفه ويحبه الجميع، من سائق الطاكسي إلى الموظف الغلبان. من كلية الاداب بحي «أكدال» (حدائق بالأمازيغية) بالرباط، امتد به الخطو إلى شارع علال بنعبدالله، حيث مقر جريدة «العلم». كان يواظب على قراءة الجريدة المعلقة على الزجاج. وبعد أيام صعد إلى الطابق الأول حيث مكتب رئيس التحرير السيد «عبد الجبار السحيمي»، الذي سيفضل، فيما بعد، رشيد على غيره من الصحفيين. بدأ في البداية يكتب في الصفحة الأخيرة عموده الأسبوعي«بنات أفكار». كان السحيمي يختبر الكتاب الجدد بكتابة العمود الأسبوعي، وبعد اشتداد العود يترك للصحفي فرصة الرماية كل يوم. غير أن رشيد كان منذ البداية مستعدا للرماية اليومية. القوة التعبيرية التي جعلت منه قريبا جدا، وأكثر من اللازم، من عبد الجبار. كان رشيد يجتمع به في مكتبه لما يقرب نصف ساعة، ثم يخرج بأفكار تكفي لشهر. زاوية «بنات أفكار» أبانت، ليس عن شاعر فقط، بل عن كاتب قصة من الطراز الأول. وهذا ما جعل القاص محمد عزيز المصباحي يعترف ذات ليلة أن رشيد قاص خطفه الشعر وسيطول به المطاف ويعود إلى رشده، ويكتب القصة. وهذا ما قام به فعلا عندما كتب «يوميات مهاجر سري» بعد عودته من الديار الإسبانية. الكتاب الذي جعل الشعراء ينسوا رشيد الشاعر صاحب المجموعة الشعرية «قصائد فاشلة في الحب». كانت أولى معارك رشيد مع الشاعر محمد الأشعري، يوم كان رئيسا لاتحاد كتاب المغرب. عندما منح رشيد جائزة التنويه عن مجموعة شعرية تقدم بها لجائزة اتحاد كتاب المغرب. حضر حفل توزيع الجوائز، و في داخله يعتبر أن التنويه هو إهانة وليس تقديرا لموهبته. عاد إلى بنسليمان وكتب مقالا ناريا ينتقد فيه الحفل والجائزة واتحاد كتاب المغرب ورئيس الاتحاد، مما اضطر الأشعري إلى الرد. شاعر من حجم الأشعري يرد على اسم مغمور، على شاب بالكاد تجاوز العشرين من العمر. هنا بدأ السهم في الصعود. وفي الحقيقة كان العديد من الكتاب يتمنون الرد على رشيد، لكن فارق العمر والمنزلة الأدبية منعهم من ذلك. ألم يكتب رشيد عن محمد برادة و أحمد المديني ومحمد الهرادي؟ وقد كانت كتاباته تلك تنم ليس عن طابع سجالي صحافي، بل عن موهبة في النقد الأدبي، مثلا عندما كان يقارن بين رواية «أحلام بقرة» لمحمد الهرادي وبين نص «تحولات الجحش الذهبي». رغم أن نص الهرادي قائم بذاته وهو من صميم خيال كاتبه المؤمن بالسخرية والمسخ كتقينة في الإجابة عن أسئلة الإنسان وهو في غمرة تجربة الوجود. لم يكن رشيد يريد الإساءة لمن ينتقدهم، بل كانت كتابته شبيهة بمحاولة جرهم الى اللهو معه. كانت لعبته المفضلة هي الكتابة التي تتضمن إفشاء السر أو فضح عيب من العيوب. ولو كانت كلماته فيها كاميرات لبدت ابتسامته الساخرة على كل كلمة. وعموده اليومي في الصفحة الأخيرة من جريدة «المساء»، التي تصدر كل صباح، يكشف عن صحفي مهووس بالفضح وبقليب تربة الأرض بعنف. وأيضا كتابه السيرذاتي الشهير «يوميات مهاجر سري» الصادر سنة 1999، يرسم مرارة الكائن المعجونة بالسخرية والإفشاء. آمن رشيد بذلك الكتاب كجواز عبور إلى عالم الكتابة الأدبية المرتبطة بالواقعة، والمصاغة في أداة لغوية جميلة قوامها الاستعارة الخفيفة والجملة الرشيقة والخيال الجامح. ذلك الشكل أملته طبيعة الحياة التي عاشها رشيد كمهاجر سري في مدينة «ألميرية» الإسبانية، التي هاجر إليها بعد أن ضاقت به الأرض في الرباط وبنسليمان، مدينته الأم. اشتغل المهاجر السري، أو غير الشرعي، في ميناء المدينة حمالا. دون أن ينسى كلية الآداب التي سجل فيها دكتوراه السلك الثالث تحت إشراف الأستاذ أحمد اليابوري، الذي كان حريصا على تسجيل رشيد. بعد العودة من ألميرية عمل في جريدة «الصباح» رفقة الصحفي السوداني طلحة جبريل. ضاقت به الصباح فانتقل الى تلفزيون القناة المغربية الثانية، ضمن فريق نشرة الأخبار. فجأة، هوب، رشيد في المغرب، في الدارالبيضاء، في القناة الثانية. قدم أكثر من نشرة أخبار معلقا على أحداث دولية ووطنية. ثم هوب، من هناك الى تأسيس جريدة «المساء» التي تصدر كل صباح. وقد حرص على كتابة «تصدر كل صباح» جنب «المساء» في غمز واضح إلى الجريدة التي عمل بها، «الصباح» ، وغادرها غاضبا، متمرنا، خبيرا بالنشر و أسراره. مع جريدة «المساء» أصبح للمغرب جريدة قوية، مستقلة، حرة في القول والتعليق والتحليل. حققت أرقاما خيالية لم تبلغها أي جريدة مغربية. عندها بدأت الرحلة الشاقة. السلطة لم تقبل جريدة يقرأها كل الناس، وعبرها يعرفون الأسرار الدفينة، وكواليس اختلاس المال العام، والرشاوى، وتفويت الأراضي، وخروقات القضاء، وتقاعس المسؤولين وتواطئهم، كل ذلك «بالذكاء وقوة الكلمة» حسب العنوان الشهير لكتاب لعبد الله إبراهيم. وعندما بدأت الثورات العربية في ربيعها المورق، صعد نيني من وتيرة الفضح والتعرية، فخافت الرؤوس من سيف العدالة التي استيقظت تحت ضغط جماهيري شرس. عندها كان لابد من إخراس القلم الأحمر. فتم يوم 28 أبريل من السنة الجارية ، وإيداعه سجن «عكاشة» بالدارالبيضاء. لكن المساء مازالت تصدر، ومحامون دوليون تطوعوا للدفاع عنه، ليخرج القلم الأحمر فيباشر مهمته التي رماه القدر في طريقها.