الجزء الثاني من مذكرات جاك شيراك يعالج «الزمن الرئاسي» أي 12 سنة من المسؤولية على رأس الجمهورية. ويحكي شيراك في هذا الكتاب الذي يقع في 600 صفحة حقيقته الخاصة حول عدد من الأمور الدولية والمحلية وحكمه على عدد من القرارات، والكتاب عبارة عن حوار مع المؤرخ جون ليك باري، حيث تطرق فيه الى كل القضايا التي شغلته أو أثرت فيه خصوصا علاقته المتوترة مع خلفه نيكولا ساركوزي الذي لم يسلم من الانتقادات في هذا الجزء. وهي انتقادات قوية حول تصور كل واحد منهم للعمل السياسي ولفرنسا، بعد أن سكت شيراك وامتنع عن التعليق عن سياسة وسلوكات خلفه منذ اربعة سنوات. جاك شيراك في هذا الكتاب، يتحدث عن العلاقات الخارجية لفرنسا بشكل مستفيض وعن مختلف الأزمات الدولية التي عايشت تحمله للمسؤولية خلال الحقبتين الرئاسيتين، ويعود في كتابه بتفصيل إلى غضبته على الشرطة الاسرائيلية التي ضايقته عندما تم دفعه بقوة أثناء زيارته إلى القدسالمحتلة وانفجر من الغضب من هذا التعامل اللامسؤول تجاه رئيس أحد أكبر بلدان العالم. ويحكي شيراك بكل التفاصيل هذه الزيارة التي سيحفظها التاريخ لرئيس فرنسي، وكذا لقاءه مع رئيس الوزراء الاسرائيلي انذاك بنيامين نتانياهو الذي يقول له «جاك اعتذر لك بشدة»، قالها بشكل جدي ليضيف «أنا كذلك أنال نفس التعامل، وأتلقى ضربات»، يقصد ضربات شرطة الاحتلال. الكتاب يتطرق أيضا إلى العلاقة مع الفلسطنيين ومع ياسر عرفات الرئيس الفلسطيني الراحل بالتحديد،وهي علاقة وإن كانت جد محدودة عند بداية حكم جاك شيراك سوف تتطور إلى علاقات جد خاصة، وقد لعب ملك المغرب الراحل الحسن الثاني دورا في هذا التقارب.وهو ما جعل شيراك قريبا من الفلسطينيين بشكل فاجأ الجميع. في نفس الوقت يتحدث جاك شيراك في كتابه على علاقته ببشار الأسد الرئيس السوري وعن كراهيته له رغم أن الأسد الأب طلب منه معاملته كابنه«الرئيس السوري ،الذي كنت أريد أن تكون لي علاقات جيدة معه نظرا لأهمية بلده بالمنطقة،وتأثيره على لبنان»، لكن اغتيال الحريري كانت نهاية لكل علاقة ممكنة بين الرئيس السوري و الرئيس الفرنسي جاك شيراك.خاصة ان الحريري بالاضافة إلى انتمائه إلى بلد حليف لفرنسا، فهو أيضا صديق حميم لرفيق الحريري. واذا كانت الحقبة الرئاسية لشيراك تميزت بحرب البلقان بأوربا سنة 1995 والصرامة التي تعامل بها الرئيس الفرنسي مع الرئيس الصربي ميلوزيفيك الذي توبع من أجل جرائم الحرب من طرف المحكمة الدولية. لكن الموقف المتميز الذي سيحتفظ به العالم هو معارضة شيراك للاحتلال الأمريكي للعراق والذي دفع فرنسا إلى استعمال حق الفيتو ضد القرار الأمريكي، والذي كان أحد أكبر قضايا شيراك،حيث ذكر في كتابه أنه باسم الصداقة بين البلدين،أي الولايات المتحد الأمريكيةوفرنسا، فقد حذرته (يعني بوش) من هذه الحرب وانعكاساتها وقلت لبوش «هذا ما سيحدث في البداية سوف تحتل بغداد بسهولة ودون مشاكل تذكر،وفي أسبوع أو اسبوعين كل شيء سوف يكون على ما يرام،ولكن بعد ذلك سوف تبدأ المشاكل، ستجد نفسك في مواجهة بداية حرب أهلية بين الشيعة،الأكراد والسنة،والشيعة يشكلون الأغلبية مما يعني أنك ستكون مجبرا عاجلا أم آجلا على أن تترك لهم السلطة باسم الديموقراطية.في نفس الوقت سوف تقوي الموقف الإيراني في المنطقة،مما سيضعف دول ذات أغلبية سنية بالمنطقة مثل العربية السعودية وبلدان أخرى.وهذه الحرب الأهلية ستجعل من العراق،الذي لم يعرف الوحدة منذ تأسيسه بدون سلطة قوية،دولة مشتتة من جميع الجهات. بعد ذلك لا يمكنك التحكم في أي شيء،لا شيء مع كل الانعكاسات على توازن الشرق الاوسط.«،ويضيف لقد استمع لي بوش دون أن يقاطعني مع ابتسامة خفيفة ومتهكمة...وتوقف تبادلنا عند هذا الحد.». طبعا الاحداث التي عرفها العراق وتطورات الاحتلال والحرب المميتة التي ساهمت فيها القاعدة وسقوط العراق في أحضان إيران جعلت تحليل شيراك صائبا في كل تفاصيله. شيراك في هذا الكتاب، يتطرق إلى علاقاته مع رجالات السياسة بفرنسا. وهذا التقارب الذي حدث بينه وبين الرئيس الراحل فرنسوا ميتران رغم عدم انتمائهما لنفس العائلة السياسية، لكن في نفس الوقت يصف علاقته المتوترة مع ليونيل جوسبان الوزير الأول في حقبة التعايش بفرنسا بين رئيس يميني وحكومة اشتراكية. لكن الجزء الأكبر من الحديث عن علاقاته بالسياسيين الفرنسيين يخصصه إلى خلفه نيكولا ساركوزي، وهي كلها انتقادات لاذعة لرئيس الحالي، في حين يتحدث بشكل جد إيجابي حول ألان جيپي وزير الدولة الحالي في الخارجية، وكذلك عن دومينيك دوفيلپان أحد المقربين منه والوزير الأول السابق والذي مازال في صراع مفتوح مع الرئيس الحالي،وأسس حزبا مناوئا لحزب الاغلبية. والصورة التي يعطيها جاك شيراك حول نيكولا ساركوزي و يقدمه في صورة الابن المدلل الذي تهرب من الخدمة العسكرية، والذي كان يقضي الليلة بمنزل عائلته ويذهب إلى الجامعة رغم أنه في الخدمة العسكرية، وهو امتياز يقول شيراك كان يتمتع به أبناء المحظوظين المتخوفين من الخدمة العسكرية بالمعنى الحقيقي.ويتهمه كذلك بالقيام بعدد من التسريبات ضده عندما انضم إلى معسكر بلادير أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية لسنة 1995 وخيانته لصداقة شيراك عندما كان جد مقرب منه وعمل إلى جانبه عدة عقود. ويتطرق الكتاب أيضا إلى علاقاتهما المتوترة ورفض شيراك الرد على تصريحات وزيره في الداخلية والمرشح للانتخابات الرئاسية. ويبرر عدم اختياره له كوزير أول، يعني الرئيس الحالي للجمهورية «تعلمت عندما اشتغلت مع جورج بومبيدوأنه إذا لم يكن هناك تفاهم مابين الوزارة الأولى ورئاسة الجمهورية يقع نوع من الانحباس، وهو ما كان سيقع لو اخترت نيكولا ساركوزي، وليس لي أي موقف شخصي منه على العكس. لكننا نختلف حول الأشياء الاساسية. فهو أطلسي وأنا لست كذلك. وهو أكثر ليبرالية مني على المستوى الاقتصادي، هو مع الميز الإيجابي وهو ما أعارضه بشكل راديكالي وهو ما يعني أن اختياره للوزارة الأولى لم يكن لينجح في ظل هذه الاختلافات بيننا».