في هذا الجزء الأول من مذكراته يعطي الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك «كل خطوة يجب أن تكون هدفا» لمحة عن حياته ومساره وكيف ترعرع في أسرة متواضعة ليصل إلى أعلى مسؤوليات الدولة، رئيسا للجمهورية منتخب لحقبتين. وهو مسار لم يكن يتوقعه حتى هو بنفسه. هذا الجزء الأول الذي يضم 24 فصلا يتطرق لأكبر وأهم الأحداث التي عاشها شيراك وأثرت على مساره وتكوينه كرجل سياسي بداية من أسرته الى اللقاءات المهمة التي عرفها في حياته ومختلف المعارك السياسة التي خاضها للدفاع عن أفكاره وعن أصدقائه السياسيين، وكيف دخل الى السياسة، وكيف أخذ منه الموت الأب السياسي مبكرا، جورج بونبيدو، الذي زج به في السياسة بعد أن كان مجرد موظف سامي. المعارك الذي أخذها ضد غريمه وخصمه السياسي فاليري جيسكار ديستان يتحدث عنها في عدة فصول، هذه العلاقات المعقدة والمضطربة مازالت على حالها إلى اليوم، وكأن شيراك يريد أن يبين للفرنسيين من كان مسؤولا عن انقسام اليمين والوسط السياسي بفرنسا خلال المعارك التي انتصر فيها اليسار خاصة سنة 1981 . كما يتحدث عن الخيانات التي تعرض لها سواء من طرف الوزير الاول ايدوارد بلادير أو الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي بعد أن كان شيراك الأب السياسي له، ولم ينس الحديث عن إخلاص آلان جيبي، الوزير الأول السابق الذي خاض الى جانبه عدة معارك . قيادته لعمادة مدينة باريس حتى انتخابه رئيسا للجمهورية وتحمله لمسؤولية الوزارة الأولى مرتين أخذت قسطا من هذه المذكرات، ليتوقف هذا الجزء الأول عند انتخابه رئيسا للجمهورية سنة 1995 . في الفصل الثاني من كتابه والذي تحدث فيه جاك شيراك عن مساره في التكوين الجامعي والإداري، واسفاره كطالب الى عدة مناطق في العالم، يتحدث عن ماضيه الطلابي وعن توزيعه لجريدة الحزب الشيوعي بباريس وعن توقيعه عن بيان ستوكهولم ضد انتشار الاسلحة النووية، وهي أمور ومواقف كادت أن تؤثر على مساره وتكوينه. فقد تم فصله من لائحة طلبة «ضابط الاحتياط» بسبب الانتماء الى الماضي الشيوعي بالاضافة الى المشاكل التي تعرض لها بالسفارة الامريكية للحصول على التأشرة بسبب توقيعه على بيان ستوكهولم، ما يعني ان المذكرة التي وضعتها حوله الاستعلامات الفرنسية كانت ستقفل كل الأبواب في وجهه نحو المسؤوليات، مما جعل شيراك يحافظ على هذا التوجس من عالم الاستعلامات. وعندما اصبح وزيرا للداخلية قام بنشر الجذاذة التي وضعتها الاستعلامات الفرنسية حوله بالجرائد الفرنسية. وبتدخل من أحد اساتذته بالعلوم السياسية بباريس لدى الجنرال كونينغ وزير الدفاع الفرنسي أنذاك تم حذف جذاذة شيراك لدى الاستعلامات الفرنسية. ويحكي جاك شيراك عن استقبال الجنرال كونينك له لما كان طالبا، حيث قال له « لا يوجد أي شيء في ملفك فقط هذه القصة لتوقيعك على نداء ستوكهولم ، هذه مرة اخرى بلادة الاستعلامات العامة وقد حذفت جذاذتك ... سوف تجد مكانك مع طلبة ضباط الاحتياط» « لقد وقعت على بيان ستوكهولم في سن 18 عشر الذي اطلقته الحركة العالمية للسلام سنة 1950 للمطالبة بالمنع النهائي للنووي وكذلك قمت ببيع جريدة ليمانيتي يوم الاحد أمام كنيسة سان سيلبيس. هذا الالتزام العابر لم يكن بالنسبة لي ايديولوجيا، خاصة أنني بعيد عن هذا النوع من الاعتقاد وليس لي من مثال في حياتي إلا اللا عنف الذي يمثله الماهتما غاندي. وقد تأثرت بحادثة اغتياله واختفائه حيث كانت إحدى اهم الصدمات في حياتي كمراهق سنة 1948.» «ما أخذني نحو الشيوعية بشكل قصير هو المثالية السلمية كعدد كبير من شباب جيلي الذين ارهبهم ما وقع بتراجيديا هيروشيما وكنت ضد اية اعادة استعمال للسلاح النووي، ولم اكن اجهل ان الذين دفعوني الى التوقيع بيان استوكهولم هم من الحزب الشيوعي. وهذا امر لم يكن يزعجني .وكانوا يقومون باستدعائي لاجتماعات الخلية وكانوا يقولون لي «اذا اردت الانضمام الى الحزب الشيوعي، عليك بيع جريدة ليمانيتي»، وهو الامر الذي قمت به في عدد من ايام الاحاد.. الوقت الذي مكنني من التعرف كيف كنت ضحية الدعاية الستالينية، وهو ما جعلني أبتعد بسرعة عن رفاقي.» في هذا الوقت تم وضعي على جذاذة البوليس، في أحد الايام كنت اقوم بتوقيع بيان ستوكهولم ، أخذني أحد عناصرالشرطة بالقوة الى المركز، حيث تم تسجيل اسمي ومعلوماتي. «في السنة الاولى للعلوم السياسية ارتبطت بعلاقات صداقة مع طلبة اليسار، منهم ميشيل روكار والذي كنت معجبا بذكائه الكبير وحساسيته ونشاطه.كان يتكلم بسرعة ويركب دراجة سوليكس ويدخن مثلي،متهيج، على عجل من أمره غير صبور ويحمل على ظهره حقيبة مليئة بالكتب والملفات، وكان احد منشطي مجموعة الطلبة الاشتراكيين مع أحد اصدقائي جيرار بيلورجي ، وقد اسس حلقة الدراسات السياسية والاجتماعية. وكنت أحس بتوافق مع قناعاته ضد الكولونيالية ومع حركة العالم الثالث وكنت اعتبره احيانا جد معتدل في مواقفه. «في احد الأيام طلب مني ميشيل روكار الانضمام الى تنظيمه وأجبته بعد ان رافقته الى اجتماع الفرع ان حزبه يبدو لي محافظا وانفعاليا وتنقصه الدينامية. وكنت اعتبر تنظيمه غير يساريا بما يكفي... حول هذه النقطة انا وميشيل روكار متفقان لقد كان لنا حكم ليس بالجيد حول الحزب الاشتراكي انذاك . هو حزب فاقد للمصداقية ومنحل مثل الجمهورية الرابعة التي اعتبر «جي مولي » أحد المسؤولين عن ذلك....» ورغم كل هذا الماضي، فإن جاك شيراك لم يلتحق لا بالحزب الشيوعي الفرنسي ولا بحلقة الاشتراكيين التي كان يشرف عليها. ويضيف جاك شيراك» في ما يخص الديغولية كانت تختلط بالنسبة الي مع التجمع من اجل الجمهورية والتي كنت اعتبره محافظا ولم أنضم اليها على عكس ما قيل وكتب حول الموضوع.» عندما تقرأ تكوين شيراك وماضيه الطلابي، تفهم خصوصية اليمين الفرنسي الذي أثر عليه جاك شيراك بشكل كبير بل تزعمه خلال العقود الأربعة الاخيرة، يمين يشبه التوجهات الاشتراكية، يمزج بين القطاع العام والقطاع الخاص وعلى المستوى الاجتماعي يحافظ على عدالة اجتماعية من خلال ضمان حقوق العمال أثناء البطالة او مختلف انواع التسريح. هذا التكوين الغني والمتنوع جعل شيراك يكون اقرب الى الفرنسيين بمختلف توجهاتهم. والكل يلاحظ اليوم التحول الكبير الذي يعرفه اليمين الفرنسي اليوم مع نيكولا ساركوزي الذي أصبح محافظا وأطلنتيا وأقرب الى سياسة بوش على المستوى الاجتماعي والسياسي، لكن الازمة الاقتصادية العالمية هي التي أجلت هذا التحول الجذري نحو يمين حقيقي بفرنسا يتزعمه نيكولا ساركوزي.