في هذا الجزء الأول من مذكراته يعطي الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك «كل خطوة يجب أن تكون هدفا» لمحة عن حياته ومساره وكيف ترعرع في أسرة متواضعة ليصل إلى أعلى مسؤوليات الدولة، رئيسا للجمهورية منتخب لحقبتين. وهو مسار لم يكن يتوقعه حتى هو بنفسه. هذا الجزء الأول الذي يضم 24 فصلا يتطرق لأكبر وأهم الأحداث التي عاشها شيراك وأثرت على مساره وتكوينه كرجل سياسي بداية من أسرته الى اللقاءات المهمة التي عرفها في حياته ومختلف المعارك السياسة التي خاضها للدفاع عن أفكاره وعن أصدقائه السياسيين، وكيف دخل الى السياسة، وكيف أخذ منه الموت الأب السياسي مبكرا، جورج بونبيدو، الذي زج به في السياسة بعد أن كان مجرد موظف سامي. المعارك الذي أخذها ضد غريمه وخصمه السياسي فاليري جيسكار ديستان يتحدث عنها في عدة فصول، هذه العلاقات المعقدة والمضطربة مازالت على حالها إلى اليوم، وكأن شيراك يريد أن يبين للفرنسيين من كان مسؤولا عن انقسام اليمين والوسط السياسي بفرنسا خلال المعارك التي انتصر فيها اليسار خاصة سنة 1981 . كما يتحدث عن الخيانات التي تعرض لها سواء من طرف الوزير الاول ايدوارد بلادير أو الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي بعد أن كان شيراك الأب السياسي له، ولم ينس الحديث عن إخلاص آلان جيبي، الوزير الأول السابق الذي خاض الى جانبه عدة معارك . قيادته لعمادة مدينة باريس حتى انتخابه رئيسا للجمهورية وتحمله لمسؤولية الوزارة الأولى مرتين أخذت قسطا من هذه المذكرات، ليتوقف هذا الجزء الأول عند انتخابه رئيسا للجمهورية سنة 1995 . «يوم 11ابريل سنة 1986 اتصل بي الرئيس الامريكي رونالد ريغان حول الموضوع التالي :« سوف نغتال القذافي، نحن في حاجة الى ان تمر الطائرات الحربية الامريكية فوق التراب الفرنسي ...» صدمني هذا الامر ، محاولة إشراك فرنسا في عملية لم تتم حتى استشارتها فيها .رفضت في الحال الطلب الامريكي: « لن تشارك فرنسا في هذه القضية قلت للرئيس الأمريكي رونالد ريغان وأنكم في الغالب لن تتمكنوا من تحقيق هدفكم ... فنادرا ما ينجح هذا النوع من العمليات...» هكذا أجبرت الطائرات الامريكية على عدم استعمال الاجواء الفرنسية في قصف طرابلس وبنغازي، أربعة أيام بعد ذلك. تمكنوا فقط من قتل إحدى بنات الزعيم الليبي». «أخبرت الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران بفحوى المكالمة التي تلقيتها من الرئيس الامريكي رونالد ريغان وبرفضي للطلب الأمريكي. نفس الطلب وُجه الى رئيس الدولة الذي اخبرني انه رفض كذلك . كان لنا نفس الرد دون ان نحتاج للتشاور في الامر. وهو ما جعلني اصرح للتلفزة بكل تلقائية بعد يومين انني اخذت القرار الذي وافق عليه الرئيس وهو الامر الذي لا يجانب الحقيقة ... رئيس الدولة لم يتأخر في إخباري انه الوحيد الذي له صلاحية أخذ هذا النوع من القرارات.والذي يدخل في الصلاحيات المخصصة له ». بهذا الرفض للطلب الأمريكي حافظ جاك شيراك على التقليد الدوغولي الذي يعتبر نفسه وريثا له مع مجموعة من أصدقائه، هذا الخط السياسي الذي يصبو الى عدم التورط مع الحليفة الامريكية في سياسة تصفية الحسابات ، كما قامت بذلك عندما ارادت الانتقام من ليبيا في قضية مجموعة من العمليات التي عرفتها اوربا والتي اودت بحيات العديد من الامريكيين. وهذا الرفض للتبعية الامريكية سوف يكرره الرئيس الفرنسي جاك شيراك لكن هذه المرة ليس كوزير اول بل كرئيس للجمهورية بعد ان رفض الانسياق وراء مشروع الغزو الامريكي للعراق ، وهو الفخ الذي مازالت الولاياتالمتحدةالامريكية غارقة في انعكاساته الوخيمة الى اليوم. ويعود جاك شيراك الى الحديث عن الخلافات التي وقعت بينه وبين ميتران في فترة التعايش السياسي بين اليمين واليسار في فصل سماه «فرنسا بصوتين» خاصة انه اثناء التعايش اعتبر فرنسوا ميتران ان هناك مجالين له فيهما كل الصلاحية في تسيير شؤون الدولة الفرنسية ، وهما الدفاع والخارجية. لكن جاك شيراك الوزير الاول لم يكن مع هذا الرأي وكان يعتبر ان للوزير الاول كلمته في قضايا الدفاع الوطني كذلك ، وبعد حادث قصف ليبيا جاء حادث آخر بين الرجلين وهو قمة الدول 7 التي انعقدت بطوكيو سنة 1986 ، يقول شيراك: « كان لا بد من حادث اضافي من اجل ان يغير الرئيس موقفه،وليتوقف عن التفكير ان الديبلوماسية مجال خاص به لوحده. عبرت للرئيس عن رغبتي للمشاركة في هذه القمة لأنها تتضمن موضوعا من بين مواضيع اخرى يهمني وهو محاربة الارهاب الدولي. الرئيس كان يريد السفر الى قمة طوكيو رفقة وزير الخارجية فقط .وقد فاجأه طلبي إن لم أقل أغضبه. أن أفرض نفسي في لقاء لرؤساء الدول والذي ليس لي أي مبرر لحضوره حسب رأيه.وكنت لا اقتسم رأيه في وضعية التعايش السياسي الذي كانت تعيشه فرنسا في هذه اللحظة.ورفض ان أصاحبه الى طوكيو لكن طلب مني أن ألتحق به بدل ان اصل قبله كما صرحت في وسائل الإعلام من أجل اللقاء مع الرئيس الأمريكي رونالد ريغان قبل افتتاح القمة. توافق بروتوكولي قصد الالتقاء مع الرئيس الامريكي . تواجدنا معا بطوكيو لم يمر دون ان يلاحظه الجميع وكل واحد فهم ان الرئيس فرنسوا ميتران لم تعد له كل الصلاحيات في تسيير الشؤون الديبلوماسية بل يقتسم جزءا منها مع وزيره الاول.. في آخر هذا الفصل يقول جاك شيراك ، رغم بعض الخلافات البسيطة ، فإن رؤيته للسياسة الخارجية كان يطبعها التكامل بينه وبين الرئيس فرنسوا ميتران سواء حول قضايا الشرق الاوسط او اوربا.