نظمت الكتابة الإقليمية للاتحاد الاشتراكي السبت 4 يونيو بمدينة وجدة لقاء جماهيريا بسينما باريس, بمناسبة الذكرى الأربعينية لوفاة الشبان الأربعة محمد أمين الطالبي، محمد مخفي، عبد الصمد طيبي وتوفيق الزمري، الذين توفوا في حادثة سير مؤلمة وهم في طريقهم للمشاركة في اجتماع للشبيبة الاتحادية الناشطة في حركة 20 فبراير، يوم 26 أبريل 2011 . وفي ما يلي كلمة ثريا ماجدولين عضو المكتب السياسي: «أيتها الأخوات أيها الإخوة نلتقي اليوم بعد مرور أربعين يوما على انتزاع الموت وفي هجمة واحدة لأربعة من شبابنا الأكفاء. ومن عنف هذه اللحظة وبكل ما يمكن أن يصاحبها من ألم، أستمد كلمتي هذه في محاولة لاسترجاع الحماس والأمل الذي من أجله ذهبوا ومن أجله سيخلدون في الذاكرة كلما تذكرنا اللحظة التاريخية الكبرى في حياة المغرب والمغاربة وهي لحظة العزم على التغيير، العزم الذي اتخذه شبابنا حين قرروا احتضان الوطن من جديد والاكتواء بقضاياه .. لن تمر الذكرى الأربعون لوفاة أبنائنا شهداء التغيير دون التذكير بحلمهم. هؤلاء أرادوا أن لا يقفوا مكتوفي الأيدي أمام وضع سياسي متسم بالارتباك. ففي الوقت الذي يدافع فيه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عن المشروع الإصلاحي الواسع الذي يروم تغيير الوضع السياسي وتحقيق المطالب الحزبية المرتكزة أساسا على إعادة الاعتبار للعمل السياسي ومن أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والكرامة الإنسانية، في لحظة تاريخية وسياسية اتسمت بالتيهان على مستوى المشهد السياسي العامّ، واتسمت بالخيبة والقلق، في هذا الوقت بالذات، يستعيد شبابنا وهجه السابق ليقول كلمته الفاصلة في استرجاع الأمل. لا شك أيتها الأخوات والإخوة، أن هذا الجمع سيثير في أنفسنا تساؤلات عميقة حول مغرب اليوم وحول الحزب اليوم وحول مدى نبل القضية التي من أجلها هلك من نفتقدهم الآن... أيتها الأخوات والإخوة، إن ما يسمى بالربيع العربي، لم يضف أكثر من أنه كشف عن تدفق الأزمات وتشابكها، في منطقة تخضع لصراع خفي بين قوى الحداثة والديمقراطية، وقوى الظلام والانتهازية، والتي تريد أن يبقى الوضع على ما هو عليه من أجل استنزاف البلاد والعباد. ربيعٌ أبرز الخيبة التي تقف عائقا أمام بناء مشروع سياسي متكامل يضمن الخروج من النفق الذي نتيه فيه الآن، وأمام تحقيق الأمن والكرامة الإنسانية. وهنا، سؤال واسع تركه لنا من رحلوا منذ أربيعين يوما: حول الدور الوظيفي للشباب اليوم؟ إن ما يجرى الآن من حركية واسعة في أطراف البلاد ومن تدفق الأسئلة وتراكم الاحتمالات، ليس إلا نتيجة لغيرة الشباب الذي يطمح إلى مد جسور الأمل مرة أخرى لعلّها تمحو عناكب اليأس من الأذهان... إن استيعاب هذا المعطى يفرض علينا إعادة النظر في التصور الموجود لدينا عن الشباب، وبناء علاقة جديدة مع الشباب، خاصة وأننا اليوم بالذات في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بحاجة إلى شبيبة قوية طموحة إلى التغيير، قادرة على الأخذ بزمام المبادرات وقادرة على تمثل الدور الذي قامت به منذ السبعينات. شباب التضحية والتحدي، والذي يرفض كل أشكال الوصاية، ويسهم بشكل فاعل وفعال في مسار الديمقراطية. أيها الحضور الكريم لا يمكن ذكر المنطقة الشرقية حزبيا دون استحضار اسم الشهيد »عمر بنجلون« لذلك ليس عسيرا على المنطقة التي أنجبت عمر أن تنجب آلاف عمر. هذه إذن لحظة متميزة تدعونا لاستلهام فكر عمر بنجلون، وما قدمه من تضحيات في سبيل هذه الأجيال التي يحق لها أن تفخر بأنها من أبناء وحفدة عمر الذي ذهب قربانا للصراع الذي تخوضه قوى التقدم والتغيير ضد قوى النهب و الاستغلال. هكذا نستحضر روح وفكر عمر الآن، تأكيدا على أن الأمل في مغرب أفضل، والذي راود عمر، هو نفسه الأمل الذي راود فقيدينا الأربعة، وأن على عاتقنا نحن الآن، أن لا نجعل من موتهم هباء، وذلك بتحقيقنا نحن جميعا: شبابا وكهولا، نساء ورجالا، لهذا الأمل... تحقيقا للمغرب الأفضل الذي ماتوا في الطريق إليه. على عاتقنا العمل من أجل بناء الديمقراطية الحقيقية وتحصين المكتسبات التي حققها حزبنا منذ نشأته، والإصرار على الحصول على الإصلاح من أجل رد الاعتبار للعمل السياسي وتعزيز المشاركة السياسية لجميع مكونات الوطن، ومقاومة اليأس وطرد الإحباط أخواتي، إخواني بنفس الاعتزاز الذي تذكرنا به عمر ، نستحضر أيضا وبما أننا في حضرة الشباب، الفقيد محمد كرينة، العضو النشيط في الشبيبة الاتحادية والذي استشهد سنة 1979 وكان عمره آنذاك لا يتعدى (20 سنة) .. حتى لا يعتقد البعض أن حركة 20 فبراير ولدت من فراغ، لنربط الماضي بالحاضر لاستشراف المستقبل، علينا أن نتذكر محمد كرينة وغيره من الشباب الذين حملوا هاجس الوطن في دمائهم، ورغبوا في التغيير لإيمانهم القوي بأن مصلحة الوطن تعلو على المصلحة الشخصية. وعلى هذا الأساس فشباب 20 فبراير له جذور في التاريخ تمتد إلى ما قبل 20 فبراير 2011. فلنذكر محمد كرينة وغيره من الشباب حتى لا ننسى ولا نسيء إلى ذاكرة الشعوب. لقد أعلنت حركة 20 فبراير عن نفسها تلقائيا لتمثل تطلعات الشباب المغربي الصامت والمترقب والذي يقاوم اليأس والإحباط، لذلك كان الالتحاق العفوي للشباب الاتحادي بهذه الحركة تجاوبا منطقيا باعتبارها مرآة عاكسة لاستراتيجية النضال الديمقراطي الذي سنته شبيبتنا، فالتفاعل الإيجابي مع هذه الحركة جاء في إطار المسؤولية وما يقتضي ذلك من نبذ العنف والإيمان بالحوار والسلم، واليقظة اتجاه التشويش الذي تقوم به القوى العدمية والمتطرفة التي تحاول الإساءة إليها بالركوب عليها للوصول إلى مبتغاها البعيد عن مصلحة الوطن. الخطاب التاريخي 9 مارس وحين جاء الخطاب التاريخي لجلالة الملك محمد السادس يوم 9 مارس، كان بمثابة جرعة الأمل التي كان ينتظرها المواطنون وعلى رأسهم الشباب المتعطش للتغيير.والذي جاء مستجيبا لمطالب الاتحاد الاشتراكي الذي كان سباقا للمناداة بضرورة الإصلاحات السياسية والدستورية، بل وكان بيان المؤتمر الثامن للحزب في نوفمبر 2008 ينص بوضوح على ضرورة هذه الإصلاحات من أجل التغيير المنشود، وقد بادرنا سنة 2009 لرفع مذكرة لصاحب الجلالة في هذا الشأن، ونترقب أن تستجيب اللجنة المكلفة بإعداد الدستور، والتي سترفع نتائج أعمالها في غضون هذا الشهر، لانتظاراتنا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من بناء مغرب جديد تحت حكم ملكية برلمانية، وبناء دولة حديثة تمنحنا المواطنة الكاملة وتوطد الثقة بين المواطنين والمؤسسات. أيتها الأخوات أيها الإخوة هذه لحظة تكريمية بامتياز لأرواح شباب كان يتطلع إلى الوجه المشرق للمغرب، مغرب يضمن المساواة أمام القانون لجميع المواطنين والمواطنات، طبقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومغرب يرسخ قيم الحرية والتقدم والمساواة والعدالة ، هذه القيم التي من شأنها أن تبث الاستقرار في بلادنا. لذلك علينا أن لا نضيع هذه الفرصة التاريخية، بدءا بالعمل معا على تنقية الأجواء السياسية تمهيدا للإصلاح الانتخابي، وعلى الدولة أن تعطي إشارات واضحة في هذا الشأن لإرجاع الثقة بينها وبين المواطنين، من أجل ضمان نسبة أكبر لمشاركة المواطنين في الانتخابات المقبلة. وأن تتخذ إجراءات واضحة لإصلاح أدوات الانتخاب، فالإصلاح الدستوري لا معنى له بدون إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تفتح آفاقا جديدة أمام المواطنين. علينا أن لا نضيع موعدنا مع التاريخ، ونتعبأ في إطار رؤية سياسية واضحة، ومع كل المكونات الفعالة من نسائنا وشبابنا وقطاعاتنا الحزبية والنقابية، وعلى أساس المسؤولية، من أجل أن لا نخذل هذه اللحظة التاريخية. إنّ اقتلاع اليأس والإحباط، وزرع الأمل في النفوس، لا يتم بالشعارات المكرورة واللغة الخشبية، بل لا يتم إلا بتقديم بدائل واقعية ملموسة قادرة على غربلة فكر الشباب مما تسرب إليه وقت الفراغ السياسي. ومسؤوليتنا إذن الآن، ونحن نؤبن شهداء التغيير، أن نعيد الأمل إلى نفوس المواطنين الذين فقدوا الثقة في السياسة. بهذا فقط نعطي المصداقية لمطالب المشاركة السياسية. فالمشاركة لا تعني فقط التصويت يوم الاقتراع، بل هي كل الممارسات التي من شأنها أن تجعل المواطنين يشاركون في صنع وتنفيذ ومراقبة القرار السياسي، وبما أن المشاركة السياسية تقوم أساسا على الاختيار والتطوع الذي يسهم في الحياة العامة، فإنها تبقى مرهونة بتوفر الظروف التي تتيحها، لذلك علينا أن ننظر إلى المشاركة السياسية في شموليتها لنضمن البلوغ إلى الدولة العصرية الحديثة التي نطمح إليها، وإلى أن يصبح المغرب مِلكا لجميع المغاربة. حان لهذا الوطن أن يفتح ذراعيه للشباب، ويغربل ترابه العزيز من الطفيليات التي تنهش جسده وتمنعه من الانطلاق نحو الشمس، نحو مغرب جديد، مغرب الكرامة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، مغرب الحرية والديمقراطية، مغرب حقوق الإنسان والتعدد والحداثة. كلنا عابرون في هذا الزمن العابر، لنترك إذن صدى لعبورنا، وليكن هذا الالتحام بالتربة التي أنجبت هؤلاء الفقيدين الأربعة، أرضية خصبة لبناء المغرب الذي نريد. أخيرا أيها الحضور الكريم، وبتقدير وافتقاد عظيمين، اسمحوا لي أن أقول لأرواح محمد أمين الطالبي، محمد مخفي، عبد الصمد طيبي وتوفيق الزمري : سلام عليكم في عزلتكم الرفيعة وسلام على كل من رفع صوته عاليا في تقاسيم البلاد ليعلن أن المغرب مِلك لجميع المغاربة، فليكن وطنا للكرامة والحرية».