العالم اليوم مقسوم بين خيارين. الخيار الأول ويهم العرب، ويتعلق بالديموقراطية والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية. خيار يقوم على عودة القيم وتأمين الانتقالات إلى المزيد من السيادات الشعبية. والخيار الثاني هو الخيار الأوربي، وهو الخيار الذي تجدونه في .. موائد الأكل وفي السلطات، بعيدا عن توازن السلط وسيادة الاقتراع وتخليق الحياة العامة. وهو الخيار الخضروي، الذي يرعب أوروبا عموما وألمانيا خصوصا. هذا الخيار يمكن أن يؤدي إلى الموت، كما هو الحال بالنسبة للخيار العربي. فقد توفي إلى حد الآن أزيد من 20 شخصا، وأصيب ما يفوق 2200 مواطن أوروبي بفعل تسممات سلاح طبيعي يدعى «ايشيريشيا كولي». والمتهمة ايشيريشيا كولي، كما يذكرها كل الطلبة الذين مروا من مقاعد العلوم التجريبية أو الطبيعية، كائن بسيط، كان يعد من أسهل مخلوقات الله في الطبيعة، وقابل لكل أنواع الاختبارات العلمية. ولم يكن أحد يتصور، يوما ما، أن الباكتيريا المعوية، التي ترافق الثدييات، ومنها الإنسان أساسا، ستصبح مطلوبة عالميا، وأن الأنتربول والشرطة العلمية وعموم الفلاحين في العالم سيطاردونها. وتتهم الايشيريشيا العزيزة بأنها أفسدت على البشرية خضراواتها، وأفسدت عليها سلطاتها وكل المقبلات التي قد تصنعها من الخيار ومن الطماطم ومن حبات الصوجا. وكما يحدث في الدول العربية، ذات الخيار الآخر، فإن كل شعب الخضراوات أصبح مشتبها به. لن تصل أوروبا إلى حد اتهام الصوجا بأنها تنتمي إلى القاعدة، كما تقول كل الدول العربية التي لا تقبل بخيار الديموقراطية، لكنها ستستعد لها بما استطاعت من خيارات طبية حقيقية وخيارات وقائية ناجعة. البشرية اليوم أصبحت مهددة بكل أنواع الطعام. بعد أنفلونزا الطيور والدجاح والخنازير وجنون البقر، أصبحت الطاولة تشبه مجلسا «أفغانيا» متعددا ومتنوعا ويجمع كل عناصر الطالبان التي تريد الإطاحة بالعالم! اللحم مشبوه، والخضر مشبوهة، وغدا، ربما، تصبح الفواكه بدورها حاملة لأنفلونزا ما، وتصبح بالتالي مشبوهة، أما الخبز، فنحن نعرف منذ المسيح، بأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، وبالتالي يمكن تجاوزه. لا نعيش بالخبز وحده، لأننا نعيش بالخيار، الخيار الديموقراطي والكرامة والعدالة الاجتماعية. من سوء حظ الخضراوات أنها لا يمكن أن تجأر بالشكوى، في أي فصل من الفصول، لا شتاء ولا ربيعا ولا صيفا ولا خريفا، ولا يمكنها أن تدافع عن نفسها أمام الهجوم الذي تقوده الدول الغربية ضدها. الدول التي تشكل حلف الناتو تخوض الحرب ضد الخيار والصوجا والطماطم، ولن نفاجأ إذا ما أعلن رئيس عربي غدا بأنه، في بلاده يسمى ... خيارة!