تشهد بلادنا، منذ مطلع هذا العام، حالات من الحراك الاجتماعي والسياسي غير مسبوقة في ديناميتها وإيقاعها، معطوفة على موجة عارمة من الثورات والانتفاضات المندلعة في عدد من الساحات العربية، ومتقاطعة معها في مطالب التغيير وشعاراته. وإذ ينصرف الحراك الاجتماعي والسياسي في المغرب إلى وجهة المطالبة بالإصلاح السياسي والدستوري، وإعادة تأهيل المجال السياسي تأهيلا ديمقراطيا ومدنيا حديثا، تتمسك قوى هذا الحراك – من «حركة 20 فبراير» وقوى وطنية وتقدمية –برؤية للمستقبل السياسي تلحظ فيها تعديلا عميقا في علاقات السلطة، يقوم على إقرار نظام الملكية البرلمانية، والتوزيع العادل والمتوازن للسلطة بين مؤسسات منتخبة بنزاهة وشفافية وخاضعة للمساءلة الشعبية. وإذ سجل الخطاب الملكي في 9 مارس 2011 لحظة من التجاوب مع مطالب هذا الحراك، فأطلق مبادرة إصلاحية في المجالين السياسي والدستوري على قاعدة الجهوية والمبادئ السبعة المعلنة فيه، وإذ تألفت لجنة خاصة بالتعديلات الدستورية، وأحدثت آلية للاتصال واللقاء بين اللجنة والقوى السياسية والمدنية لاستحصال رؤاها البرنامجية في المسألة الدستورية، وإذ أعلن قسم كبير من هذه القوى عن رؤاه ومواقفه على صفحات الدوريات...، فإن الموقعين على هذا البيان يغتنمون مناسبة المناقشات الوطنية العامة الجارية في شأن البناء الدستوري والنظام السياسي، ليطرحوا على الرأي العام هذا ال»البيان الديمقراطي». وهم يأملون أن يشاركهم فيه كل من تقاسم معهم منطلقاته وأفكاره ومقترحاته. كما يتطلعون إلى أن يكون هذا البيان لبنة من لبنات أخرى، تستوجبها متابعة حصائد الإصلاح في محطاته القادمة. ويتضمن هذا البيان أقساما ثلاثة. الأول منها، تناول الغايات الكبرى للإصلاح في ثلاثة عناوين فرعية، ( من المخزن إلى الدولة، الدولة الديمقراطية وواجب الاستثمار الاجتماعي «إسقاط» الفساد وتطهير الاقتصاد) . إنها إذن، ثلاث غايات كبرى مترابطة، تشكل في الواقع جوهر الإصلاح السياسي والدستوري، وهي ذات المطالب التي يرفعها ويتمسك بها الحراك السياسي الجماهيري الجاري في بلادنا. القسم الثاني منها، تعرض لجملة من المبادئ والمنطلقات، هي في النظر، قواعد حاكمة ومؤسسة لأي نظام سياسي ديمقراطي ومدني حديث، وبالتالي، لأي نص دستوري يبتغي التعبير عن مقتضيات هذا النظام. أما القسم الثالث، فهو ملحق تكميلي، يشدد على بعض المقترحات، من بين أخرى كثيرة، تفاديا لتكرار ما يبدو أنه مجمع عليه. فهي إذن، مقترحات تكميلية توضيحية لا غير. الغايات الكبرى للإصلاح: من المخزن إلى الدولة للدولة في بلادنا عمق تاريخي تمتد جذوره حسب المصادر التاريخية إلى عهد الأدارسة، أو إلى أبعد من ذلك بكثير. ولقد كان لتعاقب السلالات الحاكمة – بالشكل المتواتر الذي اختزله ابن خلدون في دينامية «القبيل والعصبية» وفي جوهرية الدين بالتحديد، لنظام الحكم ولمنظومة السلطة السياسية والاقتصادية والثقافية – كان لهذا التعاقب إنتاجية متنامية على مستوى بناء صرح الدولة المركزية، وتقعيد الأجهزة المشكلة لسلطة «المخزن»، التي هي، منذ النشأة، سلطة مطلقة وشاملة لكافة أوجه وأدوات وآليات السلطة، دينية كانت أم سياسية أم اقتصادية أم ثقافية، ولكافة مظاهر العيش. هذا التملك الاحتكاري لمجالات السلطة من طرف «المخزن» التاريخي، سوف يكتسب مع مرور الزمن «شرعية عرفية»، لن تتمكن الحماية – بما زرعته في جذع السلطة التقليدية من أشكال مؤسسية حديثة – من الحد منها، حيث ستظل هي السائدة، في نهاية المطاف، بالرغم من الاحتكام، منذ سنة 1962، إلى «الشرعية الدستورية». بل يمكن الجزم أن البنية «المخزنية» التقليدية أمست تشكل القاعدة الارتكازية لنوع النظام الدستوري، والروح التي تسري في جذوره لاعتمادها بالأساس على موارد للسلطة تشكل في العمق «المشترك» الرمزي للأمة، وتؤسس لعلاقات من الثقة بين الملك والشعب، جوهرها العدل والمساواة، وحماية العباد والبلاد، مقابل المبايعة والخفض من الممانعة وخضوع «السيبة» ل»المخزن». تجربة «التناوب التوافقي» لحظة فارقة في مسارات الدولة ببلادنا، ليس فقط لأنها تقوم على المصالحة السياسية، والإقراررسميا بالقطع مع «سنوات الرصاص»، ومع ما اقترفته الأجهزة الأمنية - باسم الدولة- من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بل أيضا لأنها تشكل الخطوة الأولى - منذ الاستقلال- في تعديل ميزان القوى بين السلطتين التنفيذيتين، الملكية والحكومية. لقد قيل، مع بداية «العهد الجديد»، إن الدستور الحالي (دستور 1996 ) يمنح، روحا أو نصا، صلاحيات معتبرة للوزير الأول الذي بات بمقدوره، متى توافرت لديه الإرادة والجرأة، تفعيلها وإعمالها إلى حدودها القصوى. غير أن الممارسة كشفت عن العلة الكامنة في «ازدواجية» السلطة التنفيذية وتقاطبها بين «الملكية التنفيذية» وبين الحكومة المقيدة في اختصاصاتها، والمحاصرة في صلاحياتها. السلطة الملكية تشمل، في ماهيتها، هيئتان أو «جسمان»، الأول رمزي ومفارق وسرمدي، بينما الثاني مادي ووجودي ونسبي. ومن ثمة فهي –بتداخل هيئتيها الدينية والدنيوية وبسبب هلامية الفصل 19 واستعلائيته على باقي البنود–تحد من السلطة الحكومية وتستوعب مجالات اختصاصاتها المحددة بمنطوق الدستور. في الخطاب الملكي ل 9 مارس 2011 اجتهاد مفتوح، يتعين البناء عليه وترجمته دستوريا وسياسيا، والتمسك ب»الثابت الديمقراطي» بوصفه جوهرا للدولة الحديثة. إن التحول الذي يؤسس له «الثابت الديمقراطي» – من الدولة «المخزنية» إلى الدولة الديمقراطية، ومن الملكية التنفيذية نحو الملكية البرلمانية- يتطلب، في ما يتطلبه، صياغة جديدة - مجتهدة ومنسجمة - للهندسة الدستورية، تتوحد فيها السلطة التنفيذية، وتخضع اختصاصاتها كلية للمراقبة والمحاسبة الشعبية من جهة، وتجسد فيها السلطة الملكية، في نطاق الدستور، مبادئ السيادة الوطنية واستمرارية الدولة. ثنائية السلطة التنفيذية –التي يتعين تجاوزها في الدستور المرتقب –وتوزعها بين الاعتباري والوضعي كانت، منذ الاستقلال إلى اليوم، «تفاحة شقاق» بين المؤسسة الملكية والحركة الديمقراطية. ومن ثمة، جاءت الإصلاحات السياسية التي عرفتها بلادنا أحادية الجانب لم تكن لتملك أن تسفر سوى عن «دساتير ممنوحة»، لا تحظى بالثقة اللازمة من قبل كل القوى الشعبية، وهو، في آخر الأمر، ما أدى –كما نعلم –إلى إعادة إنتاج الحلقة المفرغة لتفاعل أسباب الشجار السياسي والعراك الاجتماعي، والاحتكام إلى أذرع القوة والاستخدام غير المشروع للعنف. ذلك، فضلا عما يولده هذا الوضع من إعاقات مستديمة في كل مجالات النمو المجتمعي، وما يخلفه في النهاية من تخريب للموارد البشرية، وتبديد لكل الطاقات الخلاقة. الدولة الديمقراطية وواجب الاستثمار الاجتماعي ` لقد تمكنت الثورات العربية الجارية منذ يناير الماضي من بلورة شعارات تكاد تنفذ إلى صلب المشروع الديمقراطي في التقاط لافت لمضامينه التأسيسية والكونية. من هذه الشعارات المرفوعة في «ميادين التحرير» و»ساحات التغيير»، شعار «الكرامة» وشعار «العدالة الاجتماعية»، فضلا عن لازمة «الحرية والديمقراطية». إن التأكيد بمثل هذا الصواب من الشباب العربي على العلاقة التفاعلية بين الديمقراطية والتنمية، يأتي بوصفه محصلة لتجارب فاشلة، كان عنوانها العريض والثابت أن التنمية ليست مرتهنة بالديمقراطية التي تستوجب – في شروط التأخر العربي المزمن– إنضاجا للوعي الشعبي، الذي يتطلب بدوره حدا أدنى من الإنجاز على مستوى تعميم التعليم والتثقيف ونشر المعرفة، والارتقاء بالقدرات الذاتية للمجتمع على صياغة الخيارات وعلى المشاركة في تدبير الشأن العام. اليوم بات واضحا أن من أسباب التخلف الاقتصادي، والانكفاء الاجتماعي، في البلدان العربية بلا استثناء، هيمنة أنظمة الحكم المطلق أو شبه المطلق، باختلاف تمظهراته وتعبيراته، وانفراد قلة بالسلطة وبالثروة، وفق امتيازات المحسوبية والزبونية والعلاقات الريعية، وغيرها من أشكال الفساد السياسي والاقتصادي. إن التنمية تقتضي اليوم - في سياقات العولمة والمنافسة الدولية الضارية- حشدا استثنائيا للجهد الاستثماري، وتكثيفا لعوامل الإنتاج، وتحريرا للطاقات والملكات، وتحفيزا للمبادرات، وهو ما يكون مستعصيا في شروط تتسم باتساع الفوارق الاجتماعية، وباستحواذ القلة الغنية على الموارد، المادية وغير المادية، وباستئثار الفئة الحاكمة بالخيرات المشتركة، وبإخضاع المصلحة العامة للمصالح الخاصة. لقد خطت بلادنا خطوات لا يستهان بها في إع ادة صياغة مفردات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، باستبطانها لمؤشرات التنمية البشرية والمستديمة، مع ما يصاحب ذلك من مشاركة شعبية واسعة، ومن مساواة نوعية ومجالية وثقافية إلى غير ذلك، إلا أن «أوارش التنمية» إذا لم تستطع حتى الآن تحقيق ما تصبو إليه من أهداف بالشكل المطلوب، فإن ذلك يعزى، في الصميم، إلى: أولا: الاختلالات التي تعتري منظومة «الحكامة» والمتجلية، بالأساس، في غياب المداولة الشعبية -القبلية- حول الخيارات والمشاريع، وفي انعدام المراقبة الشعبية -البعدية-لعملية الإنجاز، مع ما يعني ذلك من كشف ومساءلة ومحاسبة للمسؤولين. ثانيا: تفاقم الفوارق الاجتماعية ليس فقط بمقياس الدخل والثروة، بل، أيضا، بالنظر إلى مؤشرات التمدرس والتثقف، والولوج إلى الخدمات العمومية، من صحة وشغل وسكن وماء وكهرباء، وسد الحاجيات الضرورية للعيش الكريم والاستفادة من الاستثمار العمومي. إن النقاش الشعبي الواسع وغير المسبوق ببلادنا بخصوص إعداد « دستور جديد»، يشكل فرصة سانحة لتحيين «العقد الاجتماعي» الوطني، وتأهيل آليات التضامن والتماسك، وإعادة إنتاج رأس المال «المشترك»، الذي يحفل به مجتمعنا وفقا للمعايير المؤسسية الحديثة المحددة لأنظمة الحماية الاجتماعية وللتوزيع العادل للثروة، وحتى لا يظل مبدأ «الملكية الاجتماعية» شعارا مجردا، فإنه يتعين النص في الوثيقة الدستورية على دور الدولة في توفير الحد الأ دنى من الحماية الاجتماعية، وفي التقليص من الفوارق الصارخة بين الأفراد، وبين الفئات الاجتماعية، وبين الجهات. إسقاط» الفساد وتطهير الاقتصاد يشكل الارتشاء وكل أشكال الفساد الاقتصادي في بلادنا معضلة معقدة ومزمنة لم تنفع معها كل الوصفات العلاجية التي تم استعمالها حتى الآن. ولقد نبهت «حركة 20 فبراير» إلى هذه الخصوصية عندما رفعت شعار «إسقاط الفساد»، وجعلت منه والقوى الوطنية جمعاء، المدخل الرئيس إلى الإصلاح والتغيير. كما أن «الحركة»، في شعارات أخرى، أرادت أن تربط بين استفحال الفساد وتعفنه ونخره للدولة وللمجتمع من جهة، وبين حصر السلطة والثروة في الحلقات الضيقة. كل الاجتهادات الفلسفية السياسية تكاد تصب في نفس التشخيص ل»وضعية الفساد» الناجمة، في الأغلب الأعم، من تداخل «دوائر السلطة»، واحتكارها من الفئة الحاكمة والمتنفذة: إن العلاقة المحارمية بين السلطة السياسية والسلطة الاقتصادية والمالية نشأت، في بلادنا، مع تشكل الدولة «المخزنية»، التي تقوم، تاريخيا، على الانفراد بأصول الحكم، أي ب»الأ صل الديني» و»الأصل العصبي» و»الأصل الجبائي». هذه البنية الاستئثارية بالسلطة لن تعرف تغيرا في الجوهر، سواء في الصياغة الدستورية لسنة 1962 ، أو بمناسبة التعديلات التي طالتها حتى اليوم. بل سوف لن تزيد ثنائية السلطة التنفيذية وتشابك الصلاحيات سوى تعميق للنزعة الاحتكارية للسلطة والمال، وتكثيف لمناطق الظل، مع ما ينجم من ذلك من تناسل أشكال اقتصاد الريع والمضاربة والتملص الضريبي، ومن هيمنة السلوكات الزبونية والمحسوبية على حساب المنافسة الشريفة والشفافية في المعاملات وحماية المال العام. محاربة الفساد وتطهير الاقتصاد من شوائب الريع والاحتكار والامتيازات، من الرهانات المركبة والصعبة التي تقتضي معالجة سياسية بامتياز تمر عبر آليتين متكاملتين: -الأولى: تأسيسية دستورية، تتعلق بإقرار مبدأ الفصل بين السلطتين السياسية والمالية. -الثانية: تخص تفعيل مؤسسات الضبط الاقتصادي والمالي ومنحها الاستقلالية والقدرة التقريرية لتنظيم الأداءات والسلوكات للفاعلين والمتدخلين في عالم المال والأعمال، ولإخضاع الأنشطة الاقتصادية لسلطة القانون. من هذه المؤسسات التي يتعين دسترتها مجلس محاربة الرشوة، ومجلس المنافسة، ومجلس الحسابات، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي. مبادئ ومنطلقات دستورية مبدأ المواطنة: هو الأس والأساس في النظام الديمقراطي الحديث، يقضي بالتسليم الدستوري والقانوني بالمساواة الكاملة في الحقوق المدنية والسياسية لأفراد المجتمع كافة، وعدم التمييز بينهم على هذا الصعيد بسبب الجنس أو الدين أو العرق. ولما كانت المواطنة بنية علاقات أفقية تصهر أفراد المجتمع كافة في شخصية عامة مواطنة تلحظ الحقوق الفردية والعامة، وتستدمجها في منظومة الحقوق الدستورية، ترتب على ذلك أن أي إجراء من شأنه المساس بوحدة الكيانية المواطنة باسم العرق أو الدين يشكل نيلا من مبدأ المواطنة بما هو مبدأ تأسيسي في كل نظام ديمقراطي، و-بالتالي- وجب على كل نص دستوري أن يضع مواده على مقتضى حاكمية مبدأ المواطنة وأن يحمي المبدأ هذا مما يمس به. مبدأ مدنية السلطة والشرعية الشعبية: ومقتضاه أن المجال السياسي محكوم بعقد اجتماعي يقوم على مبدأ الإرادة العامة ممثلة في اختيارات يعبر عنها الشعب بحرية من خلال التداول الديمقراطي ومن خلال التصويت. إن ما يريده الشعب ويختاره بحرية وبمحض إرادته، هو عين الشرعية في النظام السياسي المدني الحديث، وليس يقبل المساس به باسم شرعية أخرى. فالشعب مصدر السلطة، وهو يمارسها عبر المؤسسات المنتخبة التي يختارها بحرية. وعلى أي نص دستوري أن يحترم مرجعية هذا المبدأ وحاكميته في تفصيل مواده، وأن يتحرى الدقة في التعبير عن مقتضيات هذه الشرعية المدنية الشعبية بما هي ضمانة من ضمانات حماية النظام الديمقراطي. مبدأ توزيع السلطة والفصل بين السلط: يقضي هذا المبدأ أن السلطة، بما هي تجسيد للإرادة العامة وتعبير عنها، تتوزع على مؤسسات مختلفة ضمانا لتوازنها ولعدم احتكارها. ويستوجب هذا التوزيع الفصل بين سلطات التشريع والتنفيذ والقضاء، وإقامة العلاقة بينها على قاعدة مبدأ المراقبة والمحاسبة، وتوفير الاستقلال الكامل للسلطة القضائية بوصفها سلطة الفصل المرجعية في النظام الديمقراطي، على أن السلطة التنفيذية، التي ينبغي أن تناط بمجلس الحكومة المسؤول أمام البرلمان، تنبثق من الغالبية النيابية التي وحدها تضمن شرعيتها الدستورية بوصفها سلطة منفذة للإرادة العامة. الدين والدولة: الإسلام دين المجتمع والشعب في المغرب، والدستور يضمن حرية المواطنين في ممارسة الشعائر الدينية، ويضمن الحق في الاجتهاد الديني الذي تنص عليه تعاليم الاسلام، مثلما يضمن الحقوق الدينية لغير المسلمين من المواطنين المغاربة. وتناط السلطة الدينية التحكيمية بالملك بوصفه أميرا للمؤمنين، وبما يضمن حرية الاجتهاد الديني وحاجة المجتمع إلى التحديث والتجديد في كل بنياته الثقافية. اللغة والانتماء: في الأنظمة الديمقراطية، التي تحترم الحقوق والحريات، يقع النص الدستوري على الحقوق الثقافية واللغوية للمجموعات الاجتماعية والسكانية كافة، التي يتألف منها النسيج الوطني، فيشار دستوريا إلى لغاتها المتنوعة كلغات وطنية. لكن النص الدستوري على اللغة الرسمية يختلف من نظام دولة إلى آخر، باختلاف بنية الدولة والمجتمع والنظام، ففي الدول المركزية أو الاتحادية، حيث يوجد شعب موحد، ينص على لغات وطنية مختلفة، وعلى لغة رسمية واحدة جامعة، كما في فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وروسيا والصين...الخ، وفي البلدان التي تقوم فيها أنظمة كونفدرالية أو نظام المقاطعات، كما في سويسرا وبلجيكا ولوكسمبورغ وكندا...، يقع النص على أكثر من لغة رسمية. إن أي نص دستوري يتناول مسألة اللغة والانتماء، ينبغي أن يلحظ الحقيقة التالية، وهي أن المغرب بلد ينتمي إلى الوطن العربي الكبير، ويسعى إلى وحدته وإلى الوحدة المغاربية، وأن نسيجه الاجتماعي والوطني يقوم على تنوع ثقافي ولغوي، وأن اللغة العربية والأمازيغية والحسانية تشكل لغاته الوطنية، وأن اللغة العربية هي لغته الرسمية. الملكية والملك نظام الملكية في المغرب عريق تاريخيا، وتمتع بشرعيته بناء على وظائف كبرى نهض بها في تاريخ البلاد، من قبيل حفظ وحدة الكيان، وحماية حوزته من الأخطار الخارجية. لقد تعززت هذه الشرعية في الحقبة الكولونيالية بوقوف المؤسسة الملكية موقف الدفاع عن استقلال الوطن واستعادة سيادة الدولة. وككل الملكيات التاريخية في أوربا والعالم، التي تطورت في العصر الحديث واكتسبت مضمونا ديمقراطيا، تقطع الملكية في المغرب شوط التحديث الديمقراطي والتكيف الهيكلي مع عصر الديمقراطية والحقوق والحريات والسلطة القائمة على الشرعية الشعبية. إن أي نص دستوري ينبغي أن يلحظ هذه الحاجة، فيشدد على أن نظام الحكم في المغرب هو نظام الملكية البرلمانية، الذي يقضي بنقل السلطة التنفيذية إلى الجهة التي تخضع للمساءلة أمام البرلمان، وهي مجلس الحكومة، وتمتيع الملك بالسلطة التحكيمية الضامنة للتوازن بين مؤسسات الدولة. والملك، في النظام المغربي، هو رئيس الدولة ورمز وحدتها، وضامن استمرارها واستقلالها في دائرة حدودها الحقة، والساهر على احترام الدستور، وعلى احترام الاتفاقيات والعهود الدولية. وبصفته أميرا للمؤمنين، يشرف الملك على تنظيم الحقل الديني وتوجيهه، ويصون حقوق المواطنين والجماعات والهيئات في ممارسة شؤونهم الدينية، كما يصون حرية الاجتهاد والاعتقاد والتفكير الحر، ويمارس كل تلك الصلاحيات طبقا لما يحدده وينص عليه الدستور. مقترحات تكميلية كما بينا في المقدمة، هناك حزمة كبيرة من المقترحات المتنوعة والتفصيلية. لكن تفاديا للإطالة وتكرار ما يبدو أن عليه الإجماع في مواقف القوى الوطنية ومنظمات المجتمع المدني، وخاصة منها ما يتعلق بتوسيع وتفصيل منظومة حقوق المواطنة. فسنكتفي هنا بالتشديد على : أولا: النص على سمو الدستور، وعلى أن البرلمان هو المصدر الوحيد لتشريع القانون. ثانيا: النص على سمو القوانين والمواثيق الدولية ووجوب تكييف المنظومة التشريعية معها. ثالثا: النص على مبدأ المساواة بين الجنسين في المجالات كلها وعلى وجوب احترامه، واتخاذ التدابير الإجرائية اللازمة لذلك. رابعا: التكريس الدستوري لتنوع روافد الهوية المغربية، وتكريس اللغة العربية لغة رسمية، والأمازيغية لغة وطنية، والاعتناء بالثقافة الحسانية. ويحدد القانون التنظيمي كيفية ترجمة هذه المبادئ والارتقاء بها في الممارسات الوطنية المناسبة لروحها ولمضامينها، ضمانا وحماية لها. خامسا: التكريس الدستوري للحق في الثقافة والتثقيف من حيث هما حق من حقوق المواطنة، ولما لهما من أدوار رئيسية في بناء الذات، وصيانة القيم، وفي تمكين المجتمع من تطوير القدرات المعرفية والإبداعية والإنتاجية. النص على أن الحكومة هي المسؤولة عن وضع السياسة العامة و تدبيرها، وتقنين ما يترتب عن ذلك من فصل واضح بين صلاحيات الحكومة وصلاحيات المجلس الوزاري، بما فيها مسؤولية الحكومة في تعيين كل الموظفين السامين. سابعا: تقوية سلطة التشريع ليشمل مدونة الأسرة، والعفو العام، والمصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وأنظمة المؤسسات الاقتصادية والمالية، والتقطيع الانتخابي النيابي، والحكامة الأمنية، وكل ما يرتبط بحقوق الإنسان والحريات العامة، وتعزيز دور البرلمان بكل المقترحات الواردة في صلاحيات المراقبة والمحاسبة. ثامنا: توسيع المقتضيات التشريعية للقانون المالي، ليشمل إضافة إلى الموارد التقليدية، كل الموارد والمخصصات الأخرى للمؤسسات التابعة للدولة، جزئيا أو كليا، ولكي يعطى للبرلمان دور الشريك الفعلي في مراحل التحضير للميزانية وإقرارها ومتابعة تنفيذها. والنص على أن يكون القانون المالي، جزءا من مخطط استراتيجي متعدد السنوات. تاسعا: النص على مجلس أعلى للعدالة يضم كل أطراف العدالة التي ليس القضاء إلا واحدا منها ( القضاء، الدفاع، وزارة العدل، المجلس الدستوري، المجلس الأعلى للحسابات، المجلس الوطني لحقوق الإنسان... ) ، تكون مهمته النظر في تحقيق العدالة في شموليتها القضائية والحقوقية والمالية والدستورية. والنص على مجلس أعلى للأمن والدفاع الوطني، لما سيكون لهذا المجلس من دور في تطوير دور الدولة وموقعها في الخريطة الجيوسياسية العالمية، وفي تطوير دمقرطة الحكامة الأمنية بما هي أداة رئيسة لضمان الاستقرار وتفعيل الحقوق الديمقراطية. الموقعون (حسب الترتيب الألفبائي) أحمد الخمليشي –أحمد المديني –ادريس بنسعيد –جليل طليمات –ربيعة ريحان –رقية المصدق –سالم يفوت –سعيد يقطين –شرف الدين ماجدولين –عبد الإلاه بلقزيز –عبدالجليل ناظم –عبدالحميد عقار –عبد الرحمن العمراني –عبد الصمد الديالمي –عبد الغني أبو العزم –عبدالفتاح الحجمري –عبدالقادر الفاسي الفهري –عبد الله حمودي –العربي الجعيدي –العربي مفضال –علال الأزهر –علي كريمي –محمد الأشعري –محمد برادة –محمد بنيس –محمد جسوس –محمد الحبيب طالب –محمد الدكالي –محمد زرنين –محمد سبيلا –محمد سعيد السعدي –مصطفى المسناوي –محمد المريني –محمد الناصري –موليم العروسي –الميلودي شغموم –نجيب العوفي –نورالدين أفاية –نورالدين العوفي.