سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في لقاء «أربعاء الفكر والإبداع» المخصص للتربية على المواطنة كمال عبد اللطيف: أرى في لافتات اليوم لحركة 20 فبراير تمثلا لمسار تاريخي قام به من سبقونا في المغرب
آخر حلقة ضمن سلسلة «أربعاء الفكر والإبداع «التي دأبت على تنظيمها اللجنة المغربية للتربية والعلوم والثقافة، استضافت يوم 25 ماي بمقرها، كمال عبد اللطيف أستاذ الفلسفة والفكر العربي المعاصر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ليحاضر في موضوع له راهنيته ومطلوب اليوم، سواء في وضعنا الوطني الحالي أو الوضع العربي المتسم بحراك اجتماعي من أجل تثبيت إصلاحات تضمن الحرية والكرامة لهذه المجتمعات، ألا وهو موضوع ««أسئلة التربية على المواطنة في المغرب»». في مستهل هذا اللقاء الذي حضره نخبة من المثقفين، الأدباء والسياسيين، قدمت ثورية مجدولين كلمة تقديمية عن ذ كمال عبد اللطيف الذي قالت عنه فيها «سوف لن يكفيها أي وقت لتقديمه كما ينبغي، فهو متعدد بصيغة الفرد ويبدو التعدد من خلال التيمات التي يشتغل عليها في كتبه التي نذكر منها على سبيل المثال «العرب والحداثة السياسة»، «المغرب وأزمة الخليج»، «في تشريح أصول الاستبداد قراءة في الثقافة السياسية السلطانية»، «الحداثة والتاريخ حوار نقدي مع بعض أسئلة الفكر العربي»، «أسئلة النهضة العربية: التاريخ الحداثة التواصل»، أسئلة الفكر الفلسفي في المغرب»، «صورة المرأة في الفكر الغربي نحو توسيع قيم التحرر»، «تحولات المغرب السياسي»، «أسئلة الحداثة في الفكر العربي: من إدراك الفارق إلى وعي الذات» والقائمة طويلة. هكذا كتب كمال في الفلسفة مثلما كتب في السياسة وفي الأدب، وفاجأ الجميع بكتابة إبداعية رقيقة، كمال عبد اللطيف أيضا مناضل يعلن علاقته بالسياسة من خلال علاقته بالقضايا السياسية التي تتحكم في مجرى السياسة دون أن يضع نفسه في إطارها. وتوجهت تورية ماجدولين بالسؤال الافتتاحي لهذه المحاضرة لكمال عبد اللطيف: ونحن نراقب ما يجري في الساحة، نتساءل عن الإحساس بالانتماء إلى الوطن وعن الفهم الحقيقي لمعنى المواطنة لدى الشباب بالخصوص وعن مدى تأثير التربية على المواطنة، وهل استطاع الشباب إدراك العلاقة الجدلية بين المواطنة والوطنية؟. في بداية محاضرته يرى كمال عبد اللطيف أن ما سمي بربيع التغيير العربي، والحركية التي يعرفها المجتمع المغربي، وحركة 20 فبراير ما هي إلا مؤشرات على تقوية قيم الحداثة والإعداد لمجتمع الحداثة، «اليوم نحن في لحظة الجرأة وإعلان الموقف لرفض هذا أو قبول ذاك، الذي يشكل في حد ذاته مظهرا من مظاهر المواطنة خاصة إذا كانت كل هذه الأشكال من إعلان الموقف، سلمية ومبرمجة بوضوح في تصور واضح ومحدد، وذات أهداف واضحة، وفي مقابل المواطنة هو أن تتجاوز كل المهانة والخوف، هو أن تكون لك حقوق وتعلن عنها دون خوف أو انزعاج». وسجل كمال عبد اللطيف أن النضال من أجل الحداثة والديمقراطية كما كانت تنادي به الحركة الوطنية منذ أربعين سنة، يقتضي النفس الطويل، لذلك فما نحن عليه الآن مجرد محصلة لتجارب طويلة أثمرت ما هو حالي اليوم، مضيفا أنه «يقرأ في اللافتات المرفوعة في مسيرات 20 فبراير، تمثلا لمسار فعل تاريخي قام به الذين سبقونا في المغرب». إن موضوع المواطنة والتربية - بالنسبة لكمال عبد اللطيف- من الموضوعات التي ترتبط بالجدل المطلوب اليوم في الفكر العربي وفي الفكر السياسي بالذات، وهو يشير إلى حاجة تاريخية سياسية، ويرتبط بأفق في النظر، تتطلع إليه فئات واسعة من المجتمع العربي، مؤكدا أن مفهوم المواطنة والمفاهيم المقرونة به، كما تتفاعل في الخطابات السياسية، تعكس نوعا من الحيوية السياسية، وقد انتعش الحديث عن المواطنة في الخطابات السياسية العربية وفي فضاءات المجتمع المدني بفعل عاملين اثنين متداخلين، يرتبط أولهما بأسئلة النهضة والتنمية والإصلاح وهي أسئلة تمتلك اليوم كما امتلكت بالأمس أسئلة شرعية تاريخية كبرى، هذا فضلا عن أن بعض جوانب الانتعاش تعود إلى المبادرات التي تصدر عن بعض المنظمات الدولية. إن المغرب والعرب عامة في حاجة إلى مفهوم للمواطنة التي تأخذ مفهوم التعاقد، مفهوم القانون، هذا المفهوم الذي يجمع مجموعة من الأسس المترابطة والمتراصة بدلالة استبعاد الشحنة العرقية، واللاهوتية المذهبية أو الدينية، والمطلوب في هذا الوقت بالذات الاستعانة بالمعاني التي حملها المفهوم في إطار التصور السياسي المقرون بالإصلاح الديمقراطي، دون نسيان التفكير في المستجدات الموصولة بإشكاليات تداول المفردة في الفكر المعاصر. وفي ما يتعلق بالمواطنة وسياقات تشكلها وتداولها، أوضح كمال عبد اللطيف أن مفهوم المواطنة يحيل إلى معان متعددة، ويرتبط بوشائج من القربى مع أنظمة في النظر ووقائع التاريخ. فمفهوم المواطنة في بداياته تبلوره ارتبط في الفلسفة السياسية الحديثة بتصورات معينة للحقوق الإنسانية، تصورات تعلن عدم ارتباطها بالمرجعيات اللاهوتية والاثنية، وكانت مفردة مواطن تشير في التداول اليوناني إلى من يدلي برأيه في مختلف شؤون المدينة، وفي ما بعد تشبع مفهوم المواطنة في أصوله الحديثة بالخلفية القانونية بمعنى إقرانه بجملة من الحقوق والواجبات المدنية الموصولة بالحريات الفردية والمجتمع المدني، كما أن مفهوم المواطنة يرتبط بمفاهيم العقد الاجتماعي والدولة الوطنية، وقيم التشارك والتداول على السلطة، في دولة العقل والمصلحة الفردية والمؤسسات. هكذا تطور المفهوم من الفرد المواطن إلى المواطنة الاجتماعية حيث أصبح-يقول كمال عبد اللطيف- ينظر إلى مفهوم المواطنة باعتباره أفقا يتجاوز الصيغة القانونية الحقوقية، ليشير إلى حركية اجتماعية، هدفها تحرير الافراد ودفعهم للعمل بفعالية، للتمكن من تركيب تاريخهم، والمساهمة في بناء مجتمع ديمقراطي يضمن مختلف حقوقهم، كما يضمن حريتهم وكرامتهم. وأشار كمال أن مفهوم المواطنة في ضوء المتغيرات التي فرضتها متغيرات العالم المتسارعة، أصبح يقرن بمفردات جديدة من قبيل المواطنة المتعولمة، والمواطنة النشطة، المواطنة العالمية، المواطنة الديمقراطية، مواطنة مجتمع الشبكات، وأصبح الحديث عن اسم المواطنة الكونية والمواطنين النشطاء، في زمن يعتمد فيه التنافس والصراع على السرعة والمباغتة، في إطلاق المبادرات والمغامرات الاقتصادية. وحدد كمال عوائق التربية على المواطنة في ثلاثة محاور كبرى قصد التمثيل والإبراز، ويتعلق الأمر بالمجال الثقافي المجتمعي، والمجال السياسي، ثم المجال التربوي. وخلص كمال إلى أن النخب المغربية والعربية مطالبة اليوم بالقيام بمقاربات مركبة، لحظات مشاركتها في الجدل في قضايا المجتمع والسياسة، وأسئلة الاصلاح والمستقبل، بحكم أن هذا الخيار المنهجي يمكن أكثر من غيره من الوعي بجميع الأسئلة المطروحة في أبعادها المختلفة، ويتيح تمثلا نقديا في عمليات تمثل مكاسب العصر وبناء ما نعتقد أنه الأقرب إلى تجاوز الأزمات والتناقضات التي تملأ الفكر والواقع.