جريا على عادته كل سنة، وانسجاما مع برنامجه السنوي المسطر, سواء بالمؤسسات التعليمية أو بالفضاءات الثقافية والرياضية، وفي مختلف المحافل، الهادف إلى زرع قيم التعايش والتآزر ومحاربة فكر التقتيل والإرهاب، خلد الفضاء الحداثي للتنمية والتعايش أحداث الذكرى الإرهابية الأليمة ل 16 ماي 2003 وذلك بعد زوال يوم الأحد 15 ماي الجاري، بفضاء حديقة الادريسية بعمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان، تحت شعار «لتستمر الحياة»، والتي تم خلالها استحضار كل ضحايا الحوادث الإرهابية الغاشمة الدخيلة على المجتمع المغربي، سواء تعلق الأمر بأحداث سيدي مومن أو حي الفرح أو ضحايا الاعتداء الأخير لأركانة بمراكش. مهرجان شبابي بامتياز شهد إقبالا واسعا للمواطنين من مختلف الفئات العمرية والمستويات الاجتماعية، الذين التحقوا بساحة الحديقة من أجل المشاطرة والتبني عن اقتناع تام لرسالة الفعاليات الثقافية والفنية والجمعوية، التي طبعت ببصماتها خلال هذا الحفل الفني التضامني، والذي أكد من خلاله المشاركون على رسالة أساسية مفادها، أن الإرهاب لن يثني عزيمة المغاربة في المضي قدما في درب الإصلاحات وتحصين المكتسبات الديمقراطية وبناء مغرب الغد، الذي لامكان فيه لتجار الموت ودعاة الفتنة والتقتيل، سواء باسم الدين أو تحت أية مسميات أخرى. أطفال،يافعون وشباب، نساء ورجال، اكتظت بهم ساحة حديقة الادريسية الذين حضروا في الموعد, ملبين دعوة الفضاء الحداثي للتنمية والتعايش، الجمعية التي تأسست في 9 يونيو 2003 مباشرة بعد أحداث 16 ماي التي ضربت العاصمة الاقتصادية، حيث أخذ هذا الإطار الجمعوي على عاتقه مهمة الاشتغال ميدانيا مع مختلف الفئات العمرية من أجل إعادة زرع قيم التعايش والسلام ومواجهة الأفكار الظلامية الملغية للغير والتي لاتحترم تعدد الآراء والقناعات. والذي جعل من محطة 16 ماي موعدا سنويا خاصا لاستحضار هذه الذكرى الأليمة من أجل استخلاص العبر والدروس منها، حتى لاتمر مرورا صامتا وهي التي كانت صاخبة ودامية والتي لم تقف عند حدود 16 ماي 2003. الفقرة الأولى من فعاليات برنامج الذكرى التي نظمت يوم الأحد افتتحت بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم رددتها على مسامع الحاضرين طفلتان كان لوقع قراءتهما كبير الأثر، بعد ذلك تم الوقوف لتلاوة الفاتحة ترحما على ارواح كل ضحايا الأحداث الارهابية التي شهدتها بلادنا منذ 2003 إلى غاية آخر حادث بأركانة،و الذي تمنى الجميع أن يكون الأخير، بعد ذلك ردد المواطنون الحاضرون وجميع من تواجد بفضاء الادريسية خلال هذا المهرجان كلمات النشيد الوطني في رسالة وطنية خالصة من الجميع على اللحمة الوطنية والدينية التي تجمع بين المغاربة. كلمة السكرتير الوطني للفضاء الحداثي للتنمية والتعايش أحمد هازم, اعتبرت أن لقاء الأحد 15 ماي 2011 هو من أجل «تخليد مناسبة أليمة على المغاربة أجمعين وهي أحداث 16 ماي 2003 التي شكلت حدثا استثنائيا في مسار تاريخ المغرب المنبني على قيم التعايش والتآخي والتآزر بين مختلف مكوناته»، معتبرا أنها «ذكرى دامية خلفت جروحا أليمة في قلوبنا وأنفسنا جميعا وإن لم تحبط يوما من عزيمتنا لتجاوز هذه المحنة، رغم تكرار سيناريو الدم في محطات إرهابية أخرى كسيدي مومن وحي الفرح ومؤخرا حادث أركانة بمراكش». وأضاف السكرتير الوطني بأن أنشطة الفضاء الحداثي «تنهل من المقاربات المختلفة التي سطرناها والتي نعتبرها أساسية من منظورنا لتحجيم ظاهرة الإرهاب وتجفيف منابعها. ومنها الثقافية والفكرية والتربوية والاجتماعية إضافة إلى المقاربة الأمنية, لكن ليس بمعزل عن باقي المقاربات الأخرى». أحمد هازم تمنى في مداخلته أن يتم الكشف عن كل الملابسات والخيوط المرتبطة بحادث أركانة، مضيفا بأن «تخليد الذكرى الثامنة لهذه السنة يتم معها استحضار شريط الأحداث الإرهابية الذي شهدته بلادنا وذلك بتنظيم مهرجان اخترنا له شعار لتستمر الحياة»، مؤكدا على ضرورة أخذ مقترح الجمعية القاضي بإحداث صندوق لدعم ومساندة أسر وضحايا الأحداث الإرهابية مأخذ الجد، ملتمسا من الحكومة والفرق النيابية بالبرلمان الانكباب على إعداد تصور لتحقيق هذه الغاية. وفي السياق ذاته قامت الاستاذة سعاد البكدوري, أرملة الراحل عبد الواحد الخمال ووالدة الشهيد الطيب الخمال والعضو المؤسس لجمعية الضحايا 16 ماي الفضاء الحداثي وكل من ساهم ويساهم في الوقوف في هذه اللحظات ليقول لا للارهاب و» يوجه رسائل حضارية للمجتمع المغربي من أجل حثه على رفض الاهاب»، مضيفة بان «هذه السنة مع الأسف صادفت ذكرى وقوع ضربة إرهابية أخرى هي ضربة مراكش، وبأن الارهاب تمكن مرة أخرى من الوصول إلى مغاربة مثلنا ومثلكم ليسرق منهم نشوة الحياة وليضرب قلب المغرب السياحي مدينة مراكش»، وأكدت الرئيسة السابقة لجمعية ضحايا 16 ماي أنها على يقين « مهما كان هذا العمل الإجرامي بحجمه وبخشونته المادية والمعنوية بأن المغاربة كلهم يد واحدة تقول لا للارهاب» . وعلى نفس المنوال سار الحاج أحمد الصعري ممثل النقابة الوطنية لمحترفي المسرح الذي أكد على أنه وبصفته ممثلا لجميع الفنانين المغاربة «لكوني أدير إدارة النقابة وأتواصل باستمرار مع جميع الفنانين، وباسمهم نحن كذلك نقول لا للارهاب»، مذكرا بالخطوة التي تم الإقدام عليها مؤخرا والممثلة في تنظيم كرنفال للفنانين بجامع الفناء للتنديد بالارهاب. معتبرا أن « الشباب الذين يقومون بالأعمال الإرهابية مدفوعون من طرف قلة قليلة لامكان ولاموقع لها في المغرب « الدكتور محمد مشان رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان الذي تناول الكلمة خلال هذه التظاهرة الفنية والتربوية المنددة بالارهاب والارهابيين، اكد على أنه لبى دعوة الفضاء الحداثي للتنمية والتعايش بكل تلقائية وعفوية ,لأن عمل الجمعية من قبيل هذه التظاهرة هو «عمل شرعي وطني ديني لازم»، مباركا هذه الخطوة « باسم المجلس العلمي المحلي لعمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان، الذي يشتغل في غير ما ورش مع الفضاء الحداثي لتمنيع شبابنا من هذا الفكر الذي لايمكن محاربته فقط بالمحاربة الأمنية، فلابد من توعية الشباب بدينهم الحق»، معتبرا أن «فئة عريضة من الشباب لاتعي دينها الحقيقي الذي جاء به نبي الأمة الذي يدعو إلى الرحمة «، مستدلا بحديث للرسول ( ص ) ومفاده « دخلت امرأة النار في هرة لم تقتلها، بل حبستها، لاهي أطعمتها ولاتركتها تأكل من خشاش الأرض». وخاطب الدكتور مشان الحاضرين بناء على مضمون هذا الحديث قائلا «تخيلوا روعة هذا الدين الذي يدعو إلى الرحمة بالحيوان والرفق به فبالأحرى الانسان الذي كرمه خالقه، متسائلا « كيف يمكن لأحد أن يقتل أخوه المسلم ويعمل على إيذائه؟»، مضيفا « يزعمون أنهم شهداء بل هم مجرمون لا علاقة لهم بدين الله. فمحمد ( ص ) أتى بالمحبة، والرحمة والتآخي والتآلف والأخوة، لاالكراهية والقتل الذي ليس من منهاج الانبياء ولا من منهاج الرسول ( ص )، لذلك فالإسلام بريء من هذا الخطاب». وأشار رئيس المجلس العلمي قائلا «نحن نعمل صباح مساء لتوضيح هذه الرؤية، فالاسلام تنمية، بناء، ومحبة، هذا هو الإسلام. أما هذه الأمور فقد حدثنا عنها الرسول ( ص ) حيث قال : سيأتي زمن يتكلم في هذا الدين غلمان حدداء الأسنان « مضيفا بان أوصافهم هي « حداثة السن، الجهل بالاسلام، ضحايا الفهم، لبسوا الاسلام مقلوبا كما يلبس الثوب، في حين أن الإسلام ينطلق من زرع محبة الخير للكون ككل، للانسان وللحيوان وللنبات، لأن الاسلام رحمة، وهو يعمل ويدعو إلى تكريم الإنسان كإنسان كيفما كان دينه وعقيدته الذي لابد أن يحترم في شرعنا»، مؤكدا على أن الارهاب أمر مدان شرعا، قانونا ووطنيا أيضا». ودعا الدكتور مشان إلى عدم انتظار مناسبة 16 ماي أو مناسبات معينة للحديث عن هذا الفكر، بل « يجب أن يكون همنا اليومي ثقافة التمنيع عند أطفالنا وشبابنا، وأن نبين لهم أنه فكر حرام، وليس فكرا للمسلمين، وليس دينا، بل هو إجرام ووحشية ولاعلاقة له بدين الله. يوجب أن نشجع كل من يواجه فكر التقتيل والإرهاب». كلمات ومداخلات متعددة أجمعت على التنديد بالإرهاب ورفضه، ومنها كلمة ممثل جمعية ضحايا 16 ماي التي تضم مواطنين هم من ضحايا الأحداث الذين اصيبوا جسديا الذي أكد باسمهم على ضرورة التصدي للإرهاب والعمل على المحافظة على «بلادنا محمية من المخططات الظلامية». بعد ذلك فسح المجال لمجموعة جيل الغيوان التي أتحفت الحاضرين بمقطوعات غنائية وطنية وأخرى تراثية راسخة في الجذور المغربية المعبرة عن أصالة المغاربة وهويتهم، تلاها الفنان عبد العالي الغاوي الذي ألهب حماس المواطنين كبارا وصغارا الذين تفاعلوا مع الأغاني التي رددها وصدحت حناجرهم بغنائها. شباب الجمعية وضيوفها شاركوا بدورهم في إثراء فقرات هذا المهرجان بتقديم مجموعة من اللوحات التعبيرية والرقصات الكوليغرافية المنددة بالإرهاب والتي تدعو إلى التسامح والعيش بسلام وأمن، ومن بينهم بنات جمعية نور للرعاية الاجتماعية التي تفاعل الحاضرون مع الفقرات التي أبدعن في تقديمها والتي صفق لها الجميع مطولا، إضافة إلى لوحات غنائية بعضها عن طريق عزف القيتارة، وأخرى تهم فن «الراب» وألوان فنية أخرى ... مهرجان الفضاء الحداثي للتنمية والتعايش دام اكثر من 4 ساعات، لم تتوقف فقراتها وتشبث الكل بتقديم إبداعه بالمناسبة رغم الزخات المطرية والتقلبات المناخية التي عرفت العاصمة الاقتصادية خلال تلك الأمسية، إلا أن الإيمان بقضية مواجهة الإرهاب كانت سلاحا للإصرار والعزيمة على مواصلة المهرجان، عزم لم يكن رهينا بالمشاركين لوحدهم فحتى المواطنين رفضوا بدورهم التراجع أو إخلاء الساحة التي كانت مع موعد وطقس معتاد بالنسبة للفضاء الحداثي الذي مافتئ ينظم أنشطة مختلفة من أجل تأثيث هذه الحديقة فكريا وثقافيا وفنيا. من جهة اخرى ساهم مجموعة من الأطفال والشباب في وضع بصماتهم على جداريات الحديقة التي نظمت بالمناسبة, حيث طبعت أكفهم مواقع مختلفة لتقول للارهابيين ابتعدوا عن وطننا, عن مغربنا وكفى من سفك الدماء, فإنكم منبوذون .. رسالة مشتركة الأكيد أن الجميع التقطها .