أعلنت السكرتارية الوطنية لجمعية الفضاء الحداثي للتنمية والتعايش، الأسبوع الماضي، عن إطلاق برنامجها الجديد الذي يحمل اسم الحدائق الفكرية، انطلاقا من حديقة الإسيسكو (مردوخ)، الكائنة بعمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان. وأوضحت الجمعية أن هذا البرنامج سيعالج إشكاليات الإرهاب والتطرف، وسيدعو إلى ترسيخ قيم التعايش انطلاقا من مقاربات متعددة، سواء من الزاوية الفكرية/الثقافية، في شقها المرتبط بالأدب والشعر، أو من خلال الزوايا: التربوية، الدينية والاجتماعية. واختارت جمعية الفضاء الحداثي أن يعالج موضوع انطلاق هذه الحدائق، الذي نظمته بتنسيق مع مجلس مقاطعة مرس السلطان، محور "الأدب في مواجهة الإرهاب". واستضافت رحاب "جردة مردوخ" لتأطير هذا المحور، سعاد البكدوري التي فقدت زوجها وابنها، المرحومين عبد الواحد والطيب الخمال، خلال الأحداث الإرهابية ل 16 ماي 2003، لتقديم مقتطفات من كتابها "قبل الأوان"، الذي تستحضر من خلاله تفاصيل الجمعة الأسود، وتحكي بمرارة ما عاشته خلال تلقيها الخبر، وفي صراعها وتشبثها بأمل بقاء ابنها إلى جانبها، ثم انتقاله إلى جوار ربه. شكلت شهادة سعاد البكدوري لحظات مؤلمة لم تقو على مقاومتها، فذرفت دموعا لم تكن لها لوحدها، بل كانت لعموم الحاضرات والحاضرين، الذين وجد الجميع أنفسهم يتقاسمون معها ألم الصدمة وآمل الحياة. من جهتها، شاركت الشاعرة والأديبة، مالكة عسال، بقصائد شعرية في الموضوع إلى جانب الشاعرة والمترجمة مريم بنبختة، وهي قصائد جددت في مضمونها تأكيد شعراء المغرب وأدبائه ومواطنيه عموما، رفضهم لكل أشكال الغلو والتطرف والتعصب للرأي الأحادي، متشبثين بقيم الدين الإسلامية الحقة والسمحة، وبتقاليد المغرب التي طبعت مسيرته طيلة 14 قرنا. وشهد حفل تدشين الحدائق الفكرية أيضا مشاركة الصحافي والأستاذ لحسن العسبي. ولم يكن اختيار هذا الفضاء بالصدفة، وإنما استحضارا لدلالات متعددة أبرزها محاذاة أحد مداخله للثانوية التأهيلية محمد الخامس، حيث كان يدرس الراحل الطيب الخمال بمستوى الباكلوريا، ثم وجود مصحة خاصة بالجانب الآخر من الحديقة، وهي المصحة التي أوى إليها، واحتضنت تفاصيل مرة وصادمة لضحايا الأحداث الإرهابية ل 16 ماي 2003. وانطلقت قراءة فكرية للكتاب مما واكبه العسبي خلال أحداث 16 ماي، التي استفاض في شرح قراءاتها المتعددة البعيدة كل البعد عن التعاليم الإسلامية، والمنغرسة في الجيوب الظلامية والتطرف. بعد ذلك، تناول الكلمة الناقد والصحافي حسن نرايس، الذي أبى بدوره إلا أن يوقع على حضوره خلال تدشين/انطلاق الحدائق الفكرية للفضاء الحداثي للتنمية والتعايش، من خلال تقديم قراءة في كتاب (16 ماي المأساة) لصاحبته نادية الجناني، التي كانت مستخدمة بدار إسبانيا، والتي تحكي ضمن سطوره كيف التحقت بالعمل في هذا المطعم، وشاركت القراء تفاصيل حياتها الأسرية والاجتماعية، وكيف عايشت الأحداث المأساوية/الإرهابية ل 16 ماي وتفاصيل ما رأت بأم عينيها من صور بشعة، وهي التي نجت من الموت بأعجوبة. شكلت انطلاقة "الحدائق الفكرية، الأسبوع الماضي، أمسية فكرية وثقافية أبدع المنظمون في إطلاقها وتفعيلها ميدانيا، ولقيت ترحيبا وإقبالا، وكشفت أن الجانب الفكري والأدبي حي لا يموت، وله جمهوره المتعطش الذي لا ينتظر سوى دعوته ليلبي الدعوة، سيما إن تعلق الأمر بقضية حيوية ومصيرية تتوحد حولها المخلوقات الإنسانية السوية باختلاف عرقها وديانتها ولونها، وهي الحق في الحياة والاختلاف والتعايش، قريبا من الحوار بعيدا عن لغة الدم المنبوذة.