انعقد يوم السبت 7 ماي 2011 بمقر الاتحاد الاشتراكي بالرباط يوم لقطاع المحامين الاتحاديين حول «موقع المنظومة القضائية في الإصلاح الدستوري». وقد قدم لليوم الدراسي - الذي حضره عدد كبير من المحاميات والمحامين والضيوف من رجال ونساء القانون - الأستاذ جلال الطاهر المنسق الوطني لقطاع المحامين الاتحاديين بكلمة أشار فيها إلى الخطاب الملكي ليوم 9 مارس2011، الذي اعتبره استجابة لحركة المجتمع المغربي المعبر عنها يوم 20 فبراير 2011 والتي تعد مرحلة في سيرورة حركة التحرير الشعبية، حيث إن التعبيرات المختلفة عن قضايا وهموم المواطن المغربي، لم تتوقف طيلة السنوات الأخيرة ، من وقفات، وتظاهرات مطلبية واحتجاجية اكتسبت شرعية الوجود بقوة الواقع الذي فرضته على الأرض، من وقفات المعطلين بالعاصمة، إلى احتجاجات أنفكو، بأعالي الجبال. واعتبر المتدخل أن العزوف عن المساهمة في قضايا الشأن العام، لم يكن عزوفاً بالمعنى السلبي، أو تعبيراً عن اللامبالاة، ولكن إدانة لواقع، أريد فرضه على المغاربة، سياسياً واقتصادياً وحقوقياً وتكريس عقيدة سياسية تكرس الاعتقاد بأنه لا وجود لعمل سياسي نبيل يستهدف المصلحة العامة. وحسب الأستاذ جلال الطاهر غابت نتيجة لذلك الثقة في المؤسسات، وساد الكفر بالسياسة، وأصبح المواطن المغربي يتوق إلى آفاق أخرى وبدائل جديدة، ووجدت الدولة نفسها في غياب الوسائط- وجهاً لوجه مع المجتمع، وهو ما جسده تاريخ 20 فبراير2011، فكان خطاب 9 مارس2011، قراءة لهذا الواقع المأزوم، وإعادة بناء جديدة، لمؤسسات الدولة وسلطاتها، عن طريق مراجعة دستورية شاملة. ونبه الأستاذ إلى أن ما يهمنا في هذا اليوم الدراسي، هو موقع منظومة العدالة في هذا البناء الدستوري الجديد هذا المشروع المفتوح حوله اليوم ، حوار واسع لأول مرة بعد مجلس الدستور 3-11-1960 ذلك أنه لأول مرة يعلن الملك عن رؤيته، ورأيه ، في الموضوع بصفة رسمية، ويحدد مرتكزات وركائز البناء الدستوري. واليوم حسب المتدخل، لا يمكن أن يجادل إلا جاحد، في وجود اهتمام واسع بمشروع الدستور المرتقب، من طرف كل طبقات الشعب المغربي، وهو اهتمام يفند المزاعم التي يراد تكريسها تعسفا،ً بكون المغاربة، عازفين عن الاهتمام والمشاركة في السياسة، وقضايا الشأن العام. وشدد الأستاذ جلال على أن قطاع المحامين الاتحاديين ينظم هذا اليوم الدراسي، كمساهمة في مجهود الاتحاد الاشتراكي، الذي كان سباقاً للمطالبة بالإصلاحات الدستورية والسياسية، عندما كان البعض، يعتبر هذه المطالبة مناورة للضغط من أجل تحقيق مكاسب حزبية ضيقة وممارسة للابتزاز السياسي. بعد ذلك تناول الكلمة الأستاذ عبد الواحد الراضي الكاتب الأول للحزب، فاستعرض مذكرة الحزب للجنة الدستورية مبرزا خلفيتها السياسية، ومشيرا الى أن الخروج من الأزمة يتطلب إصلاحات عميقة جدا بعد أن فقدت المصداقية والثقة في المؤسسات . وذكر الكاتب الأول بالمذكرة الدستورية التي اضطر الحزب إلى تقديمها وحده في 8 ماي 2009 بعد تعذر تقديمها بصفة مشتركة مع حلفائه وذلك بعد المؤتمر الثامن للحزب الذي ألح في بيانه الختامي على ضرورة الإصلاحات، رابطا استمرار مشاركة الحزب بالإصلاح السياسي والدستوري. وأبرز الكاتب الأول أن الخطاب الملكي جاء بعد التطورات التي حصلت في العالم العربي وفي بلادنا، وأنه أجاب على كل النقط التي وردت في مذكرتنا علما بأن الإصلاح الدستوري لا يمكن فصله عن إصلاح مدونة الانتخابات وكل الترتيبات المحيطة بها وعن إصلاح قانون الأحزاب وذلك لمحاربة آفتين خطيرتين هما: استعمال المال في الانتخابات والترحال السياسي . وبعد ذلك استعراض الكاتب الأول مختلف أبواب مذكرة الحزب والخلفيات التي حكمتها. الأستاذ محمد كرم تحدث في موضوع استقلال القضاء، مبرزا في البداية خطورة وضعية العدالة التي تعاني من أمراض خطيرة لا تنفع معها المسكنات في نظره، بل تحتاج لمخطط إصلاح شامل يهم النظام الأساسي والخريطة القضائية والتكوين وزيادة عدد القضاة وتوفير المناخ المناسب، والتدابير المواكبة من مصادقة على اتفاقيات دولية وتطوير التشريعات، وإنشاء مجلس الدولة ودسترة ضمانات الحقوق الأساسية ... وبشكل منهجي استعرض الأستاذ كرم بعد ذلك مختلف المعيقات التي تحد من استقلال القضاء، بدءا من ولوج المعهد العالي للقضاء انتهاء بالتقاعد. واستعرض المحاضر الخطورة التي تشكلها على استقلالهم تدابير وممارسات ومساطر النقل والانتداب والترقية وتوقيف القضاة ومراقبة ثروتهم وانتخابات ممثليهم. وضمن اقتراحات الإصلاح أشار الأستاذ كرم إلى أهمية إصلاح المجلس الأعلى للقضاء بتوسيع اختصاصاته وجعله سلطة تقريرية، وانفتاحه وتوسيع تمثيليته وتفرغ أعضائه. وقد ضرب المحاضر أمثلة عن انفتاح المجالس القضائية العليا في كل من فرنسا وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا، والتي عانت في الماضي من الاستبداد وهدر استقلال القضاء وكيف أصبحت نماذج ناجحة يلعب فيها القضاء دوره كاملا بكل قوة واستقلال. الأستاذ عبد العزيز النويضي في محاضرة حول «نزاهة واستقلال القضاء : سلطة المال والتعليمات»، أشار بخصوص مشكلة الاستقلال إلى جذور المشكلة السياسية التي تكمن في غياب التراضي على قواعد اللعبة السياسية ممثلة في دستور يرتضيه جميع اللاعبين، ومن ثمة تصبح السلطات والمرافق العمومية من قضاء وإعلام وأمن وإدارة ترابية لا تتصرف دوما بحياد ،وإنما كوسائل تتم تعبئتها عند الحاجة وخاصة في فترات الصراع السياسي كأدوات لتحييد أو تصفية الخصوم السياسيين وشرعنة وتزكية سلوكات ومواقف واختيارات السلطة الحاكمة . وأشار المحاضر إلى أن قانون 1974 بمثابة النظام الأساسي للقضاة لم يترجم بأمانة الضمانات الدستورية حول استقلال القضاء، بل إنه على العكس من ذلك نظم تبعية القضاة للسلطة التنفيذية ممثلة في وزير العدل، كما أبرزت ذلك محاضرة الأستاذ محمد كرم التي لا حاجة لتكرار ما جاء فيها من توصيف دقيق. وحسب الأستاذ النويضي الذي أحال أيضا في هذا الصدد على مذكرة الجمعيات الحقوقية العشر التي قدمت لمختلف السلطات وللرأي العام، وأحال على دراسة سبق له إعدادها بطلب من الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان درست ونوقشت مع وزارة العدل بحضور ممثلي الحركة الحقوقية سنة 2008 . وبخصوص مسألة استعمال المال، ذكر الأستاذ النويضي بعدة نقط اعتبرها أساسية : أولها أن حوافز استعمال المال في القضاء ترجع أساسا لكون النزاعات أمامه تتعلق غالبا بأثمن ما يحرص عليه الإنسان أي حريته وممتلكاته ومصالحه ، وثانيها أن الفساد لا يرتبط فقط بالقضاة وإنما بعدد من المتدخلين من بينهم المحامون والشرطة القضائية والخبراء والوسطاء، ولكن على القاضي أن يكون حذرا لأن دوره رئيسي وهو الذي يمكنه في أغلب الأحيان أن يطهر القضاء من الفساد الذي يمر عبر باقي المتدخلين . كما أشار إلى أن المحامين النزهاء يمكنهم أن يلعبوا دورا أساسيا في التصدي للفساد وفضحه. بعد ذلك استعرض الأستاذ النويضي مختلف الاحتياطات التي تقي من الفساد من خلال القوانين والمؤسسات والاحترازات المسطرية والحوافز المادية والمعنوية (القانون الجنائي وقانون التصريح بالممتلكات، المفتشية العامة لوزارة العدل والدور التأديبي للمجلس الأعلى للقضاء، توزيع القضايا عبر الجمعية العمومية للقضاة ،تعدد الهيئات وتعليل الأحكام ، الحوافز المادية ومدونة القيم الأخلاقية ) وقد خلص المحاضر إلى قلة فعالية هذه الاحتياطات في التصدي للفساد، مقترحا جملة من التدابير الإصلاحية تمر عبر : - مخطط وطني شامل يهم كل أعمدة النزاهة (البرلمان، المفتشيات العامة، القضاء، مجالس الحسابات، المجتمع المدني ، الإعلام، الفاعلون الدوليون...) - تقوية استقلال القضاء مع تعزيز الرقابة عليه عبر: - إصلاح نظام التصريح بالممتلكات. - إصلاح التفتيش وضمان استقلاله ونشر تقاريره. - إحالة قضايا الرشوة على العدالة وعدم الاقتصار على العقوبات التأديبية وإشهار العقوبات. - سن قانون فعال لحماية الشهود والمبلغين عن الفساد. - إصلاح أنظمة ومراقبة باقي مساعدي العدالة. - دعم المحاكم المالية وإحالة الاختلالات التي ترصدها مباشرة على النيابة العامة مع وضع حد لتبعية هذه الأخيرة لوزير العدل. - تطوير نظام مراقبة الشرطة القضائية. - تعزيز حرية الصحافة والإعلام . وبعد ذلك فتح باب النقاش، حيث ثمن المتدخلون توسيع واستمرار وتنظيم النقاش في موضوع الإصلاح القضائي من طرف الحزب في انفتاح على المجتمع. كما نبهت التدخلات إلى ضرورة إيلاء موضوع مشاركة المرأة الأهمية التي يستحقها، وضرورة تعميق النقاش في موضوع إصلاح قانون ومهنة المحاماة ومسألة التكوين في المهن القضائية، وقضاء القرب وضرورة تحديد خريطة الفساد وأهمية الضغط من أجل الإصلاح بتوعية الرأي العام عن طريق صحافة مكونة ومسؤولة ومسألة إشراك القضاة في النقاش، سواء عبر الودادية التي إلى لا تمثلهم جميعا أو عبر مختلف صيغ الإشراك . وركزت التدخلات أيضا على ضرورة إغناء مذكرة الحزب في موضوع إصلاح القضاء ولا سيما مسألة إصلاح المجلس الأعلى للقضاء وفتحه على أطراف غير قضائية عملا بتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة التي طالب الملك في خطاب 9 مارس بدسترتها، إضافة إلى تقوية اختصاصات هذا المجلس ودعم تمثيلية المرأة ومختلف أنواع المحاكم داخله. وفي الختام قدم الأستاذ جلال الطاهر كلمة تكريم وتنويه في حق قدماء محاميي الحزب المناضلين الحاضرين الأستاذ محمد بنسعيد والنقيب محمد الصديقي والنٌقيب الطاهري ... وقد أسفرت مناقشات اليوم الدراسي عن خلاصات في موضوع، استقلال القضاء وهي كما يلي: السلطة القضائية أولا: مبادئ عامة - التنصيص على أن القضاء سلطة مستقلة عن السلطة التشريعية، وعن السلطة التنفيذية، وتحديد اختصاصاته، ومجالات تدخله ، وطرق الطعن في قراراته وفق نص قانوني. - التنصيص على أن كل النزاعات تحال على القاضي الطبيعي، وعلى منع إنشاء محاكم استثنائية. - التنصيص على أن قضاة الأحكام وقضاة التحقيق، وقضاة النيابة العامة، يشكلون السلطة القضائية، ويعدون مستقلين، ولا يجوز نقلهم أو عزلهم، أو ترقيتهم، أو تأديبهم، أو إحالتهم على التقاعد، إلا بمقتضى قرار صادر عن المجلس الأعلى للقضاء. - التنصيص على أن تصدر الأحكام وتنفذ باسم الملك، ويمارس القضاة وحدهم السلطة القضائية في كل مراحل المسطرة، ويشرفون على تنفيذ الأحكام طبقاً للقانون. - التنصيص على أن ينظم القانون المحاكم العسكرية في المجال المحدد حصراً للقوات المسلحة، مع تأمين كل ضمانات المحاكمة العادلة، وتطبق المسطرة الجنائية المطبقة في المحاكم العادية. - التنصيص على أنه يمنع إنشاء محاكم استثنائية. - التنصيص على أن ينظم القانون حصانة واستقلال المحامين، ويضمن حقوق الدفاع في كل مراحل المحاكمة. - التنصيص على أن ينظم قانون المسطرة الجنائية التوفيق الأمثل بين حماية الحقوق الفردية، وحماية النظام العام الدستوري والاجتماعي، طبقاً لمعايير احترام حقوق الإنسان. - التنصيص على أنه يمنع ويجرم التدخل غير المشروع للسلطة التنفيذية، في القضايا التي تعود للعمل القضائي، وفي سير السلطة القضائية بصفة عامة، طبقاً للمعايير الدولية لاستقلال ونزاهة القضاة، وقضاة النيابة العامة، واستقلال ونزاهة المحامين. - التنصيص على مراجعة تنظيم واختصاصات وزارة العدل بشكل يحول دون أي تدخل، أو تأثير للجهاز الإداري في المسار المهني للقضاة، أو في تأديبهم، أو في مجرى العدالة وسير المحاكمات ؛ - التنصيص على أن القانون يقرر جزاءات على امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام القضائية . - التنصيص على أن للمتضرر الحق في التعويض بسبب الامتناع عن تنفيذ الأحكام، وتتحمل الإدارة المعنية التعويض مع الرجوع على الشخص المسؤول عنه. - التنصيص على أن حق الوصول إلى العدالة مكفول للجميع، وتتخذ السلطات العمومية جميع التدابير الكفيلة بتقريب مرفق القضاء من المتقاضين. - التنصيص على ترتيب مسؤولية الدولة وتنظيم جبر الضرر، والتعويض عن الأضرار الناتجة عن الخطأ القضائي، أو عن السير غير السليم لإدارة العدالة طبقاً للقانون. - التنصيص على تبعية الشرطة القضائية لقضاة التحقيق وقضاة وللنيابة العامة، بخصوص البحث والتحقيق في الجرائم، والقيام بالاعتقالات، طبقاً للقانون ولمقتضيات هذا الدستور. ثانياً: المجلس الأعلى للقضاء في الاستقلال والمهام - التنصيص على تدعيم استقلالية المجلس الأعلى للقضاء، بجعل نظامه الأساسي يحدد بقانون تنظيمي، يتم بمقتضاه مراجعة تشكيلته ووظيفته بما يضمن تمثيلية النساء وتمثيلية أطراف غير قضائية، مع الإقرار له باستقلاله الذاتي بشرياً ومالياً ، وتمكينه من جميع السلطات، للتقرير في الشأن القضائي وفي المصير المهني للقضاة ، وتخويله إعداد تقرير سنوي عن سير العدالة، يقدم أمام مجلس النواب وينشر في الجريدة الرسمية. - التنصيص على حق القضاة في تكوين جمعيات مهنية مستقلة، وعلى حقهم في حرية الرأي والتعبير، بما لا يمس بكرامتهم وبمبدأ استقلال القضاء طبقاً للمعايير الدولية. في التشكيلة - يترأس الملك المجلس الأعلى للقضاء ويتكون بالإضافة إلى ذلك من 22 عضواً كما يلي: - رئيس بالنيابة يعينه الملك من شخصيات من غير القضاة؛ - أربعة أعضاء بالصفة هم: الرئيس الأول للمجلس الأعلى، والوكيل العام للملك به، ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ورئيس مؤسسة الوسيط. - مدير من وزارة العدل يعينه وزير العدل. - شخصان من المجتمع المدني يعينهما رئيس مجلس النواب من بينهم امرأة. - نقيب سابق يعين من طرف الملك باقتراح من مجلس جمعية هيئات المحامين بالمغرب. - ومن 13 قاضيا منتخبين لولاية واحدة كما يلي: - ثمانية قضاة يمثل أربعة منهم قضاة المحاكم الابتدائية من بينهم قاضية على الأقل، ويمثل أربعة منهم قضاة محاكم الاستئناف من بينهم قاضية على الأقل. - ثلاثة من قضاة النيابة العامة من بينهم قاضية على الأقل. - قاضيان يمثلان المحاكم التجارية والمحاكم الإدارية على التوالي.