في النواصر، يبحث مدير الموارد البشرية في شركة لصناعة الطيران تشغل حوالي مائة أجير، عن عامل متخصص في الإلكترونيك دون جدوى. في سلا، يبحث مدير إداري لشركة ذات مردودية جيدة، تنتنج نماذج للألبسة الرياضية، عن عمال في آلات للخياطة الصناعية... إلى الشمال في طنجة، يئست شركة في المناولة في قطاع السيارات من البحث عن توظيف ميكانيكيين يفهمون في المعلوميات، ثلاث مناطق، ثلاثة رجال أعمال ونفس السؤال:» كيف التشغيل؟ صحيح أن المختصين في الإلكترونيات لاسيما تلك التي تتدخل في مجالات الأسلاك الكهربائية، معدات القيادة والقيادة الموجهة، قليلون جدا. نفس الامر ينطبق على المختصين في صيانة الآلات، في صناعة النسيج المعلوماتي أو التقنيين الذين يصنعون معدات حديدية. فالصناعات عرفت تحولا عميقا في العشريات الأخيرة، والروبوت لم يقتل جميع الوظائف، فلكل إنتاج جديد حاجيات جديدة، نعم ولكن.... في المحمدية لا تجد شركة صباغين مرممين، وفي فاس لا يجد صاحب مقاولة متوسطة لا خراطين ولا فرازين ولا مصلّحين لآلات تقليدية تماما. وأخيرا يحاول مدير للموارد البشرية لدى مجموعة دولية في قطاع المطعمة، دون جدوى، توظيف حلوانيين وطباخين ومدراء مطاعم... فمن جهة نجد مهنا دقيقة أو غير معروفة، ومن جهة أخرى مهنا عادية أو قديمة. من كل جانب هناك عروض تشغيل لا تغري أحدا. ويتعلق الأمر في المجموع بآلاف عروض العمل التي تنتظر في دواليب المشغلين. الشركات المعنية؟ أساسا الشركات لا يتراوح عدد عمالها ما بين 50 و 100 عامل، ثم الشركات الأخرى، بشكل أو بآخر في قطاعات الحديد والبناء والنسيج والنظافة، والصناعات الغذائية والتوزيع الكبير... الى درجة أن وزير التشغيل صرح بأنه من الصعب تدقيق النظر في حالة أسواق العرض والطلب، وإذا كان من الصعب تدقيق الأرقام في ما يخص عدد العروض التي لا تتم تلبيتها، يجب الاعتراف بأن عددا مهما من مسؤولي الشركات الصناعية الذين طرح عليهم السؤال، صرحوا بأنهم يجدون صعوبة في التوظيف. ماهي الوصفة أو التوصية أمام هذا الاختلال في سوق العمل؟ وضع مخططات جهوية للتشغيل، تطوير تشاور أفضل بين الفاعلين الاقتصاديين المحليين، وهو أمر يبدو بديهيا؟ ومع ذلك يجب القيام به. أن يتحاور المشغلون والمكونون في ما بينهم، وغير ذلك من الأمور التي يتعين القيام بها وهي كثيرة. كيف يمكن تفسير وجود آلاف مناصب الشغل التي لا تجد من يشغلها في بلد يوجد به عاطلون من حاملي الشهادات؟ الأسباب متعددة ومتنوعة. ويمكن تحديد سببين رئيسيين: الأول يتعلق بالنظرة السائدة حول بعض المهن. الصناعة الحديدية والميكانيكية، البناء أو النظافة.. فالشباب، على حق أو باطل، يرفضون أن تتسخ أيديهم ولا يحبون ضجيج المصانع. يفضلون العمل في المكاتب ويعتبرونها أكثر نظافة وأكثر حميمية وأكثر اعتبارا وبإمكانها أن تكون أكثر اعتبارية ويمكن أن تكون أكثر قيمة في ما يخص المسار المهني، وهو أمر غير صحيح دائما. فأسطورة شارلي شابلن في فيلم »»الأزمنة الحديثة»« لاتزال راسخة. فمهن التجارة الغذائية ليست منحطة. والسكرتارية؟ المهنة ليست باردة ولا وسخة ولا متعبة، وحتى إن تغير اسمها اليوم وتحولت الى مساعد أو ملحق بالإدارة، فإن السكرتيرات غالبا ما تعانين اليوم من اعتبارهن كجاريات، خاصة وأنهن يتوفرن على تأهيل جيد. السبب الثاني عدم ملاءمة العرض مع طلب العمل: وهنا تطرح إشكالية التكوين، فمسلسل تحديث الشركات يتطلب أكثر فأكثر عمالا مؤهلين، هؤلاء الذين لا نجدهم إلا نادرا ضمن آلاف طلبات الشغل، والذين لا نجدهم بالضرورة عند نهاية التكوين الذي يوفره النظام التعليمي. وهنا يطرح السؤال الكبير حول التكوين، هل على الشركات أن تكون مأجوريها في المهن المطلوبة، أم أن على النظام التعليمي أن يوفر التكوين الملائم والمطلوب؟ نقاش واسع يتوجب أن نتجاوزه في يوم من الأيام حتى نتقدم. إنه بشكل من الأشكال، رجع صدى لعصرنة الآليات دون عصرنة الإنسان. يبدو أن الأمور تسير كما لو أن جهود تحديث آليات الإنتاج المنجزة خلال السنوات الاخيرة ترجمت برفع المستويات المطلوبة للحصول على عمل، بينما نجد أن يدا عاملة مكونة ولكنها غير مؤهلة للمناصب المتوفرة، تصبح مقصية شيئا فشيئا من سوق العمل. وأحد الانعكاسات الجانبية لهذا التحديث في الآلات نجد الحاجة الى كفاءات جديدة، أقل »عمومية« وأكثر تقنية. إلا أن هذه التأهيلات صعبة التطوير أكثر فأكثر. وبالتالي فلا التربية الوطنية ولا الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، ولا المشغلون اهتموا في الوقت المناسب وبالشكل المطلوب بهذا المشكل، والنتيجة أننا نتحمل اليوم الثمن الاقتصادي والاجتماعي لهذا النقص في التوقع. عن أسبوعية «لافي إيكونوميك»